بالرغم من اعتراضي على جملة (الزمن الجميل) وذلك لمجموعة من الاعتبارات الخاصة، إلا أني وجدتني نفسي أستخدم هذه العبارة، تعليقاً على حلقة برنامج (قلبي اطمأن) الرمضاني، عندما قام “غيث” بتكريم الفنان (أبو سليم) أو “صلاح تيزاني”، عندما تخلت عنه الحكومة اللبنانية وعن زملائه بعد رحلة فنية طويلة، لم تكفل فيها الدولة لهم أقل ما يستحقونه من تكريم، من خلال ضمان حياة كريمة وعلاج في كبرهم.
وعادت بي الذاكرة إلى تلفزيوننا الـ(JVC)، الأبيض والأسود والتي كنت أجلس إليه مشدوها بالشخوص التي تسكنه وتتحرك فيه في أوقات معينة من اليوم. هو ذاتهم من قربوني من الفن والفنون والإبداع والقراءة، فالبطل والبطلة كانا يتبادلان الكتب، ويجلسان للقراءة، ويتحدثان بطريقة تجعلني مأسورا إلى صوتيهما، خاصة المسلسلات اللبنانية، التي كانت تستخدم اللغة العربية الفصحى وكانت بعضها تعريب لروايات عالمية.
هناك الكثير من الشخصيات التي ارتبطت بها وأحببتها منذ طفولتي، ومن هذه الشخصيات الفنانة الكبيرة الراحلة “ليلى كرم” التي كانت تعجبني نبرة صوتها، وقدرتها الفائقة على التعبير والتحكم في عضلات وجهها، وبعدما حدث من ضجة حول غيث وأبو سليم، وجدتني أبحث عن سيرة الفنانة “ليلى كرم” لأكتشف المأساة التي عاشتها في نهاية حياتها، وهي مأساة عاشها ويعيشها الكثير من الفنانين العرب، عندما يتقدم بهم العمر، فتنساهم الشاشة وينساهم المتفرج العربي!! ويظلون في وحدتهم يستذكرون زمانا كانوا فيه ملوك السمع والأبصار، نسميه (الزمن الجميل)!!
لولو كرم!!!
لولو خليل كرم؛ هو الاسم الرسمي للفنانة “ليلى كرم” وهي من مواليد (برج حمود) في العام 1928م. بدأت حياتها الفنية في إذاعة (الشرق الأدنى اللبنانية) في عام 1956م، حيث قدمت عددًا من المسلسلات والمسرحيات، وظهرت في عدد من الأفلام في لبنان ومصر بداية من ستينيات إلى ثمانينيات القرن العشرين، وهي الشقيقة الكبرى للممثلة “نبيلة كرم”.
كرمت بعدد من الجوائز منها جائزة موركس دور ببيروت في 20 يونيو 2007م، حيث نالت جائزة الموركس الفخرية التكريمية لممثلة لبنانية من الرائدات.
من أدوارها التي يذكرها المشاهد في ليبيا، دورها في مسلسل (أحلام وليالي) وتقمصها لشخصية “فهيمة”، وشخصية المديرة “الناظرة ظريفة” في مسلسل (المعلمة والأستاذ)، وغيرها الكثير من الأدوار التي برعت فيها جميعاً، وقد اشتهرت بالأدوار المركبة؛ وبالرغم من تركها للمدرسة في عمر صغير، وعدم إكمالها تعليمها، إلا أنها أجادت التمثيل باللغة العربية الفصحى. فبعدما منعها “جان فيّاض” من المشاركة في الدراما التاريخيّة باللغة الفصحى، أسند إليها دوراً صغيراً، وحين أثبتت تميّزها باتت واحدة من بطلات الدراما التاريخيّة.
المرض والعوز!!
في العام 2007م، كان اسم الفنانة “ليلى كرم” ضمن الأسماء المكرمة ضمن جائزة الموركس (الموركس الفخرية التكريمية لممثلة لبنانية من الرائدات)، لكنها لم تحضر لاستلام جائزتها بسبب المرض والعوز، حيث كانت مقعدة ولا تقوى على الحركة، ليعلق الفنان “أنطوان كرباج” وكان نقيبا للفنانين: (فنانة كبيرة من لبنان، مقعدة وصحتها تعيسة، وأنا آسف للحالة التي وصلت إليها ليلى كرم وكثيرون من الفنانين زملائي يلازمون الفراش، لا تملك ثمن الدواء في بلد يدعي الحضارة والثقافة). وأضاف: (ليلى، نحن زملاؤك ولن ننساك ولو تخلى عنك كل الناس).
بعد أن بدأ المرض يتسلل لجسد الفنانة “ليلى كرم”، ومع كبرها في السن، لزمت بيتها ولم يعد يتوفر لها من الموارد المالية ما يضمن لها حياة كريمة، ولأن الدولة اللبنانية -والدول العربية في العموم- لا تقدم ما يضمن للفنان حياة كريمة بعد تقاعده عن العمل، اضطرت لأن تلازم المستشفى أيام وليالي.
وفي يوم 2 ديسمبر للعام 2008م، أعلن في بيروت عن وفاة الفنانة “ليلى كرم”، عن عمر 80 عاماً، لتدفن في مدافن العائلة في (مار ضومط، – برج حمود)
وكانت الممثلة القديرة “ليلى كرم” قد أشارت في حديث صحافي سابق: (أنهم لا يتذكروننا إلا عندما نموت، هذا إذا فعلوا، فلماذا علينا أن نذكرهم نحن أو نبدي إعجابنا بهم).