حكايات ليبية
1
نعم، الكهرباء حياتنا، إيدينا ورجلينا، وحتى دماغنا.
الكهرباء الأزمة الكبرى التي يعيشها المواطن الليبي منذ أكثر من شهرين، تتفاقم في كل يوم، فبعد الساعتين، صار انقطاع الكهرباء يستمر لأكثر من 12 ساعة، وإلى اليوم واليومين، وأكثر.
أذكر قديماً، أن مشكلة انقطاع الكهرباء كانت تظهر بشكل كبير في فصل الشتاء، حيث يحدث كثيراً أن يسقط أحد خطوط الكهرباء المعلقة، فتنقطع الكهرباء عن الحي، أو أن تتسلل المياه لأحد الغرف، فنسمع صوت شقشقة يتبعها انقطاع للتيار الكهربائي، وكالعادة، إما اتصلنا أو يكون أحد الجيران سبقنا للاتصال بوحدة الصيانة السريعة للكهرباء لإصلاح العطب. وللأمانة، كان المعتاد أن يستجيب فنيو الصيانة.
وما زلت أذكر أطوف فترة قضيناها بدون كهرباء، وكانت في الثمانينيات.
كان الحي هادئاً، بعد أن سكن الجميع بيوتهم، هرباً من العاصفة التي كانت قوية بالخارج، وعند صلاة العشاء سمعنا صوت انفجار قوي، انقطعت على أثره الكهرباء، تبعه صوت يشبه الرشاش، خرج الجميع لنكتشف أن صندوق الكهرباء الموجود في أحد المزارع محترف ومتفحم، واكتشف جارنا صاحب المزرعة، إنه نتيجة لهذا الحادث قد فقد العديد من الدجاجات.
ولحوالي ثلاثة أيام كاملة، كنا فيها بلا كهرباء، وكانت فنيو الكهرباء يعملون بجد وكد، حتى تكون في مثلث الحي مكعب حديدي، حالما انتهى عادت الكهرباء إلى الحي.
وفي التسعينات عندما بدأ مشروع الكوابل الكهربائية، تم بناء غرفة خاصة لهذا المكعب المعدني والتي لازالت حتى اللحظة.
الانقطاع الكبير الذي عرفته طرابلس حسبما اذكر حدث في العام 2000 وتقريباً في شهر يونيو، حيث اقطع التيار الكهربائي لليلة تامة شمل طرابلس وضواحيها على ما أذكر، ولحظتها انتشرت الكثير من الشائعات كالعادة، ولكن تصادف أنه في تلك الليلة عرض أحد حلقات برنامج (قناديل في الظلام) للشاعر “محي الدين اللاذقاني” وكانت عن ليبيا، على قناة (ANN)، ومن ضيوف الحلقة السيد “محمد الرضا السنوسي”، والسيد “عاشور الشامس”. ولقد أثارت هذه الحلقة الكثير من القضايا حول نظام القذافي، وكانت شغل الشارع الليبي لفترة، فالليبيون كانوا حديثي عهد بالفضائيات، وكانت تبحث عن مواضيع مثيرة، فلم تجد بعضها أفضل من ليبيا المسكوت عنها.
يخطر على بالي الآن، قصة التحول من نظام الـ110 فولت إلى الـ220 فولت، وكيف سبقته ضجة، وحملات وتوعيات، بضرورة أخذ الحيطة من ضرورة تحويل الآلات الكهربائية إلى النظام الجديد، فاشترى والدي محولين لهذا الغرض، وبعد فترة لم يعد لهذين المحولين من حاجة، حتى قمت باستخراج احدهما واستعماله لسخان ماء قديم بالبيت.
2
كما أسلفت، نعيش في ليبيا هذه الأيام أزمة كهرباء كبيرة وعويصة، وماليهاش حل. انقطاع بدأ بساعتين وتطور إلى أيام. ولأن مشكلة الكهرباء بدأت مع أحداث ثورة 17 فبراير ورافقتها حتى اليوم، فإن خبرة ثلاث سنوات مع هذه المشكلة أعطت الليبيين الكثير من الأفكار للتغلب عن هذه المشكلة، إذ استخدام الشمع لم يعد مجدٍ وفعال. وموازاة، صار الليبيون على دراية بالكثير من المصطلحات الفنية الكهربائية، خاصة مسألة مصطلح (الطرح اليدوي)، التي تفضل جارنا بشرحها وتفسيرها لي. وأيضاً أسماء المحطات وأنواعها الفرق بين المحطة البخارية والغازية.
أولى الحلول، وأوفرها، كانت المصابيح القابلة للشحن، وكانت جيدة وفعالة خاصة وإن الكهرباء كانت لا تنقطع لفترات طويلة، لكن السحب عليها، جعل سعرها يقفز أضافاً مضاعفة، خاصة في عدم وجودها بشكل كبير. وكالعادة، بعد الشح توفرت هذه المصابيح بأشكال وأحجام مختلفة، وصارت متوفرة للدرجة التي تجد أشخاص يتخذون من الدوّارات والساحات وجوانب الطرق أماكن لبيع هذه السلعة.
الحل الثاني، كان من خلال اقتناء مولد لتغطية فترة انقطاع الكهرباء، بعد أن صار الانقطاع مستمراً وطويلاً، ومخافة فساد ما تحتويه الثلاجات والمجمدات.
العلاقة مع المولدات بدأت بالحاجة لتشغيل مصباح أو مجموعة مصابيح، ثم بدأت الحاجة تتعدى مجردالنور، الأمر الذي جعل من الموان الليبي، يعيد دروس الفيزياء لحساب مقدار الطاقة المستهلكة في بيته، لشراء المولد المناسب، لتشغيل أنوار البيت والتلفزيون والأقمار الاصطناعية، ومكيف والثلاجة. مع الخبرة صار بإمكان هذا المواطن إدارة الأمر بذكاء لاستغلال كل الطاقة التي يمكن للمولد إخراجها. وعلى ذات الجانب صار خبيراً في أمور المولدات، ويتبرع بإعطاء النصائح لمن يرغب؛
- مولد البنزينة رخيص، لكن النافطة أحسن ويمشي أكتر.
- تبي مولد، ما تشريش أقل من 6 كيلو واط.
- فكك مالصيني، أدفع فلوس في حاجة باهية تقعد وتستفيد ومعاش تصين طول الوقت.
الحل الثالث، استخدام العاكس أو الانفيرتر، وهو يشبع المولد في عمله، لكنه يحتاج إلى بطارية أو مصدر تيار ثبات ليحوله إلى تيار متردد 220 فولت، وبطاقة استهلاك تختلف بحسب الحاجة، وهذا احتاج إلى تعمق أكثر في دروس الفيزياء، كون الأمر يختلف قليلاً في مبدأ العمل.
وبالرغم من نظافة هذا الحل، وعدم الحاجة للبحث عن وقود لتشغيله في ظل أزمة الوقود التي تعيشها البلاد، إلا أن المشكلة الأساسية كانت في طريقة شحن البطارية التي سيعمل عليها الأنفيرتر، فكان البعض يقوم بتوصيله ببطارية السيارة، وبعد مرور وقت معين، يحسب بالخبرة، يعمد لتشغيل السيارة لشحن البطارية. أو شراء جهاز شحن لشحن البطارية، لكن المشكلة كما أثيرت على الفيس تتوقف على سعة البطارية وزمن الشحن اللازم، والذي قد لا يسعفك به التيار الكهربائي.
أحد الأصدقاء أخبرني عن مشروعه المقبل، والذي سيبدأ به حالما تهدأ الأمور في البلاد، والمتمثل في تركيبه لمجموعة ألواح شمسية للتزود بالطاقة الكهربائية، وإجراء دراسة عن إمكانية الاستفادة من هذا التطبيق في مدن الشمال الليبي.
صديق آخر ، طلب مساعدتي في تصميم مروحة (أو عنفة) للاستفادة من طاقة الرياح، فقدمت له بعض التوجيهات والمراجع.
لكني حقيقة في انتظار مشروع الطاقة الشمسية، لاعتقادي بأنه أقدر على دعم شبكة الكهرباء المحلية في ليبيا، ورفع بعض الحمل عنها.
3
الكهرباء حياة.
نعم، فلقد أثر الانقطاع اليومي والطويل والمستمر للكهرباء على طبيعة الحياة ونمطها، ففي طرابلس على سبيل المثال، الكثير من المحال كانت تعمل نهاراً وتقفل أبوابها بحلوب الغروب.
محال بيع المواد الغذائية، اعتمدت بشكل كبير على المولدات، ولأن تزويد محل يحتوي على 8 ثلاجات ومكيفان وإضاءة، يحتاج مولداً بمواصفات معينة، كما هو حال المحل القريب من البيت، فإن صاحبه، يعمد إلى تشغيل مكيفٍ واحد، ونصف عدد الثلاجات ونصف مصابيح الإضاءة. أما المقهى القريب من البيت، فقد أغلق أبوابه، جاره بعد شهر من الإغلاق عمد إلى شراء مولد:
- وقف حالنا يا خوي!!!
أغلب المصالح والجهات والشركات عمدت إلى تركيب مولدات، لتسيير أعمالها والنظر في مصالح المراجعين، والشركة حيث أعمل، اتخذت ذات الإجراء، الطريف إن بعض الموظفين كانوا بعد توقيعهم للانصراف يعودون إلى مكاتبهم:
- شنو، ماكمش مروحين!!!
- لا لا لا.. الحوش مافيه ضي، خلليني في المكيف خير!!!؟؟؟
أما الإشكال الأكبر في رأيي، الإشارات الضوئية، فمع عدم احترام أغلبية السائقين للإشارة الضوئية، زاد انقطاع الكهرباء الوضع سوءً. فتنطلق السيارات بدون مراعاة، أو تتعانق وتتعاشق في التقاطعات، ولا حول ولا قوة لرجل المرور الذي يحاول، ولا الشباب الذين يجتهدون.
وعلى هامش ازدهار تجارة المولدات، نشأت مصلحة تصليح المولدات، وتركيبها، واختراع حلول (موديفيكات) للمشاكل التي تحدث، كمسألة المحول (القلاب) التي وجد لها البعض حلاً، أو صغر حجم الخزان، أو طريقة التوصيل، والتغلب على الضجيج، إذ أطلعني أحدهم على طريقة قاموا بها كأخوة للتغلب على ضجيج المولد الذي يزود البيوت الأربع، بحيث تم وضع المولد في غرفة تحت الأرض، مزودة بفتحتي دخول وتهوية.
هناك أيضاً من يقوم بسرقة خطوط تمديد من مولدات الجهات، خاصة البيوت القريبة والتي تشترك في الحدود معها. وبمناسبة الحديث عن السرقات، لابد من ذكر ما تعرضت له بعض المحطات والمخازن التابعة لوزارة الكهرباء من سرقات واقتحام، أو سرقة كوابل خطوط الكهرباء من أجل الحصول على النحاس.
في هذه اللحظة التي أنهي فيها كتابة هذه التدوينة، أثني على جهود رجال الكهرباء الذين يبذلون ما أمكنهم لحل الكثير من المعضلات والمشاكل، وحيث خفت كثيراً فترات انقطاع الكهرباء، فشكراً لهم.
أشكرك على هذا التوثيق والسرد الجميل.
في انتظار بقية حكايات الأزمة