
في الأيام الماضية، اهتزت منصات التواصل الاجتماعي على وقع خبر وفاة المدون المصري شريف نصار، بعد تعرضه لموجات من التنمر والسخرية القاسية على محتواه. لم يكن الحادث مجرد خبر عابر، بل هو ناقوس خطر يُقرع بقوة في وجوهنا جميعًا، لنراجع أنفسنا، وعلاقتنا بالآخرين، ومدى صلابتنا النفسية في وجه هذا العالم المتقلب.
ورغم أنه لم يثبت أن الوفاة على علاقة مباشرة أو سببا في الوفاة، إلا أن المدون المصري نصار، وجه في مقطع فيديو نشره عبر منصة تيك توك قبل وفاته بأيام رسالة لمن تنمروا عليه قائلا: (إلى من تعمدوا إحزاني ومضايقتي أنا وأهلي بالتنمر علي وعلي فيديوهاتي، على وسائل التواصل الاجتماعي: حسبي الله ونعم الوكيل وأفوض أمري على الله). إلا إننا سنتوقف في هذه التدوينة -القصيرة- مع مسألة التنمر وعلاقتها بالهشاشة النفسية.
ما الهشاشة النفسية؟
الهشاشة النفسية ليست مرضًا، بل حالة من ضعف التماسك الداخلي تجعل الفرد أكثر عرضة للانهيار أمام الضغوط أو الإساءات. قد تبدو كأنها “حساسية زائدة” أو “ضعف شخصية” بنظر البعض، لكنها في الحقيقة تعبير عن حاجة عميقة للأمان والتقدير والدعم.
في بيئة مشبعة بالآراء والانتقادات والتهكم، يصبح الأشخاص الذين لم تُبنَ في داخلهم حصون من الثقة بالنفس والدعم الذاتي، أكثر عرضة للانكسار. الهشاشة النفسية تُصنع في الطفولة، وتُغذّى بالإهمال العاطفي، وتُفاقمها المقارنات الدائمة وضغوط الصورة المثالية على الإنترنت.
عن التنمر: لغة الضعفاء
الذين يمارسون التنمر ليسوا أقوياء، بل غالبًا ما يخفون جروحهم الشخصية خلف ستار السخرية. يطلقون الأحكام الجارحة من خلف الشاشات، معتقدين أن ما يقولونه “مجرد رأي”. لكن الكلمات تملك وزنًا، والتكرار له أثر، وقد تسقط كلمة واحدة في قلب هش كالصخرة في الماء الساكن.
ليس كل من يُنتقَد ينهار، لكن ليس كل من ينهار كان ضعيفًا. أحيانًا تكون آخر كلمة جارحة هي القشة التي تقصم الروح.
كيف نحمي أنفسنا من الهشاشة؟
- بناء الداخل أولًا: يجب أن نتعلم كيف نمنح أنفسنا التقدير والقبول، دون انتظار اعتراف الآخرين.
- فلترة المحتوى والتفاعل: ليس كل نقد يستحق الإنصات، ولا كل تعليق يستحق الرد. تعلم أن تغلق الباب أمام الأصوات السامة.
- طلب الدعم دون خجل: الحديث مع صديق، أو مختص نفسي، ليس ضعفًا بل شجاعة. لا تخجل من قول “أنا أتألم”.
- فهم قيمة الذات خارج المنصات: ما تنشره لا يعكس قيمتك كاملة. أنت أعمق من محتواك، وأغنى من تفاعل الآخرين معك.
- وضع حدود رقمية: قد تكون “إجازة رقمية” أو تقليل ساعات التصفح أمرًا منقذًا لصحتك النفسية.
خلاصة التدوينة – كيف تتجاوز الهشاشة النفسية والتنمّر:
- اعرف نفسك وقيمتك خارج العالم الرقمي.
- طوّر مناعتك النفسية بالوعي والدعم النفسي والتقدير الذاتي.
- تعامل مع التنمر كخلل في المتنمر، لا فيك أنت.
- اطلب المساعدة مبكرًا ولا تنتظر لحظة الانهيار.
- كن أنت الصوت الداعم، ولا تكن أبدًا مصدر أذى للآخرين.
ربما لا يمكننا منع كل أشكال التنمر، لكن يمكننا أن نكون شبكة أمان لبعضنا البعض. في هذا الزمن القاسي، يكفي أن نكون طيبين لنصنع فرقًا.