الحدث في ذاته، قد يكون محدود التأثير، في علاقة مباشرة مع حجمة، فالأحداث الكبيرة، تخلف آثاراً كبيرة تناسبها، وإن لم يكن تأثيرها ظاهرياً، فإن ذلك يعني أن حجم الأثر الداخلي أكبر. وفي المجتمعات الإنسانية، قد يمتد التأثير إلى أبعد من ذلك، ليمس ثقافة المجتمع وتقاليده. والمجتمع الليبي –موضوعنا- شهد الكثير من التحولات التي غيرت في ثقافتة، فسحبت وأضافت. فسحب المجتمع من ذاكرته ما اعتبره صوراً وأحداثاً إما صارت قديمة لا تفيد واقعه في شيء، وإما أجبر على إقصائهاـ وأضاف ما رآه مواكباً لمرحلته ومعبراً عنها، أو ما يثبت علاقته بالمحيط من حوله، أو ما أدخل في ثقافته بشكل ممنهج.
وثقافة المجتمع، أحد أهم المرتكزات في بنائه، كون المركب الثقافي يعكس علاقة المجتمع بتاريخه وحاضره، وكيف يتطور هذا المركب الثقافي إلى سلوك، وهذا السلوك قد يأخذ بعض الوقت ليظهر أو قد يكون سريعاً لمواكبة الحدث، والمجتمع يرتضي هذا السلوك على مبدئ التواطؤ، حتى وإن أعلن استنكاره له. وهنا يمكننا القول بإن السلوك أو الثقافة –ثقافة المجتمع- تتغير وتتطور بتوطر المجتمع، وهي أيضاً تسجل لأهم مراحل المجتمع وتغيراته تاريخياً.
وغير خافٍ على أي متابع حجم التغير الثقافي الذي أحدثته ثورة 17 فبراير المباركة، في المجتمع الليبي، بدخول الكثير من المفردات الجديدة، وبالتالي المركبات الثقافية التي تحولت إلى نمطٍ سلوكي، وحتى لا نضيع في الزحمة، نقصد هدفنا مباشرة.
لا يوجد ليبي لم يسمع بمصطلح (تمشيط) وهو خارج سياقه اللغوي والاصطلاحي، يعني –تواطؤاً- ما تم الاستلاء عليه وما وجد خلال عمليات تمشيط المواقع العسكرية والمعسكرات التابعة لكتائب الطاغية، والمواقع والمساكن التابعة للنظام وأزلامه، بدعوى إنها من الغنائم. وإن كان المفتي قد أعلنها صراحة أن هذه لا تعتبر غنائم، إلا أن الكثير استمرئ الأمر. وبدخول المصطلح دائرة الكلام، فإنه يتخذ تمظهرات حالة الكلام، فعلى الصعيد اللغوي نسمع مشتقات المصطلح: مشط، يمشط، مشطها، امّشط، امّشطة. وهي تصريفات تصف واقع الحال. أما على الصعيد الثقافي، فلقد تواطئ المجتمع على قبوله اسماً ومادةً. وصار من المعتاد السؤال: شنو، أمالا امشطها. أو:اليوم مشطت شكارة فحم.
مصطلح آخر يسير في ذات الدرب، هو (التكبير)، وهي محاولة لتجاوز مجانية ومشكوكية (التمشيط)، لمنح شرعية الأخذ من خلال التكبير (الله أكبر). فيقال: شاريها ولا الله أكبر (مكبر عليها). والتكبير يكون بقول (الله أكبر) حال وضع اليد على الشيء المراد أخذه بنية التملك.
هذان المصطلحان يعكسان من ناحية وعي المجتمع ثقافياً بحقيقة الحدث أو مشروعية العلاقة التي بنيت على هذا التأسيس (التمشيط والتكبير)، لكنه في ذات الوقت يتعامل معهما من باب المصلحة ومقتضيات الضرورة، سياسة الغاية تبرر الوسيلة. بمعنى: لو كانت السيارة جيدة وفي حالة ممتازة وسعرها المعروضة به مغرٍ، مقارنة بالسوق، فإن صاحبنا سيتغاضى عن مسألة مشروعية تملكها من قبل العارِض، سواء كانت تكبير ولا تمشيط.
وهذا ما يخلق حالة من اللا توازن في تعامل المجتمع ويشكك في مستوى تكوينه الأخلاقي، فهذا العرف عندما ينتشر في المجتمع ويتحول إلى جزء من منظومة تعامله اليومي، يتحول في يد البعض إلى وسيلة استغلال همها المصلحة الشخصية، مصلحة فردية، لا علاقة لها بالمجتمع ولا تضيف له شيئاً إيجابياً، بقدر ما تنشره من سلبيات تكون قادرة على استقطاب ضعاف النفوس إليها. وهذا يعكس من ناحية أخرى، تأثير حقبة الطاغية على المجتمع، وما أفرزته من سلوكيات تقوم على تأصيل العمل الفردي، بأي شكل، وبأي وسيلة، دون العمل الجماعي الذي يخدم الفرد والمجموعة، ويعمل على حمايتها والأخذ بيدها. لكنا في هذا المرحلة نعول على وعي المجتمع، وعمله من أجل التخلص من أدران وأمراض الماضي، والنظر بعين التفاؤل إلى الغد، لبناء ليبيا جديدة (كون ليبي صح باش تخدم ليبيا).