1
في موضوعاتي السابقة تحت سلسلة (ليبيات) أشرت للحراك الذي تعيشه ليبيا الآن؛ وأقصد الصراع الذي حدث –ومازال- بين التشكيلات المسلحة، والمواطنين، في طرابلس وبنغازي وفي أكثر من مدينة ليبية. وقلت بين التشكيلات المسلحة والمواطنين، كون الحكومة من الضعف بما لا تستطيع معه فرض سيطرتها على هذه التشكيلات، لمجموعة من الأسباب –في تقديري-، أهمها:
– سرعة نمو هذه التشكيلات، وتمكنها من مواقعها وانضمام الكثير من الشباب لها. وامتلاكها للسلاح.
– حصولها على غطاء شرعي، منحها القوة والسلطة لممارسة أدوار ومهام على أرض الواقع.
– الأمر الذي صار معه من الصعب على الدولة، تفكيك هذه التشكيلات، وتوزيعها في الجيش والشرطة.
الأمر الذي وضع الدولة في مشهد هزلي تقاتلُ فيه ذاتها، أو بمعنى آخر تواجه فيه بعض من أدواتها التي أنشأتها.
التشكيلات المسلحة، كما هو الدارج الآن على لسان الحكومة والمؤتمر الوطني العام، والإعلام، هي ما كان يشار إليها بالمليشيات المسلحة حتى فترة قريبة، ومن قبل كتائب الثوار. وهي تمثل الثوار الذين انضموا في تشكيلات عسكرية (كتائب) إبان فترة التحرير، وكان الثوار يمثلون مختلف المناطق الليبية، مدناً وبلدات، ومختلف التوجهات، ومختلف الأطياف، والمستويات العلمية والثقافية، كان الهدف واحداً هو تحرير ليبيا من نظام القذافي.
في المناطق المحررة، اتخذت هذه المجموعات (كتائب الثوار) من بعض المباني التابعة لنظام القذافي أو منازل كبار مواليه مقاراً لها، للعمل من خلالها وتجميع أفرادها فيها، وبعد تحرير طرابلس وباقية المدن الليبية، جرى الأمر على ذات السياق. ففي طرابلس تحولت بعض أملاك عائلة القذافي إلى مقار كتائب؛ كما في منزل (المعتصم)، وكذلك منازل المواليين كما في منطقة (غرغور) و(طريق المطار) على سبيل المثال. وتولى رئاسة هذه المجموعات والتشكيلات أشخاص ليس لهم خلفية عسكرية أو أمنية –في معظمهم-، وبعضهم له سجل سوابق.
2
في ظني، إن عملية خطف رئيس الوزراء السيد “علي زيدان” هي القشة التي قسمت ظهر بعير التشكيلات المسلحة في ليبيا، إذا ظهر للعيان فداحة الخطأ في تركها حتى تاريخه، تعمل بشكل مستقل عن أجهزة الدولة، من خلال أوامر أمرائها أو قادتها، والذين بطريقة ما ينفذون ما يوافق مصالحهم الشخصية، ومصالح تيارات وتوجهات ممثلة في أشخاص وأحزاب.
وفي ظني –أيضاً- إن السيد “علي زيدان” استطاع أن يستغل هذا الحدث، في أن يخلي المسرح ليشاهد المواطن كيف تتصارع هذه التشكيلات فيما بينها، دون النظر لمصلحة البلاد والمواطن. مما أوجد حالة من الغضب والاحتقان الشعبي اتجاه هذه المجموعات المسلحة، وبمرور الأيام بدأ هذا الغضب يتراكم حتى تاريخ 15-11-2013، تاريخ المسيرة السلمية لسكان مدينة طرابلس، أو ما صار يعرف بـ(الجمعة الحزينة).
أما لماذا خرج المواطن ضد هذه التشكيلات، فهذا يرجع لمجموعة من الأسباب، أرى أهمها:
– تحول بعض هذه التشكيلات لبؤر فساد وممارسة الرذيلة.
– اعتماد بعض هذه التشكيلات على ممارسة القوة ضد المواطنين؛ كأعمال السلب والنهب والخطف.
– بالرغم من غطاء الشرعية، هذه المجموعات والتشكيلات تنفذ أوامر أمرائها ورؤسائها، وهي تعتمد في ذلك على ما يوافق مصالحها. خاصة بعد ما رأينا ما حدث من كتائب (أنصار الشريعة) ببنغازي
– سيطرة هذه التشكيلات على مقار ومراكز في داخل المدينة، الأمر الذي يعرض المساكن المحيطة بها للإصابة المباشرة.
3
إن المستفيد الأكبر من هذا الحراك هو المواطن (الشعب)، وعلى ذات الخط، تبرز أهمية هذا الحرك في دعمه للحكومة. فالحكومة وهي عاجزة، وجدت في الشعب الليبي النصير الذي مكنها من تنفيذ قرار إخلاء طرابلس والمدن الليبية من مظاهر التسلح، وفرض سيادة الجيش والشرطة.
إن الاستفادة الكبرى من هذا الإنجاز، هو أن تقوم الحكومة بحركة استباقية لفرض سيطرتها على مفاصل الدولة وبسط سلطة الجيش والشرطة. الأمر الذي يعزز ثقة المواطن بالحكومة، ويحصر هذه التشكيلات، فلا يعود لها من حل إلا الانضمام طواعية وفرادى للجيش أو الشرطة، بعد تسليم السلاح للدولة.
ليبيا تولد من جديد.
نعم ليبيا تولد من جديد، يمكن اعتبار ما حدث في بنغازي وطرابلس ثورة تصحيحية، المستفيد الأول منها الشعب، والأكبر هما الحكومة والمؤتمر الوطني العام، الذين عليهما استغلال الفرصة لدعم هذا الحراك الشعبي، وتنفيذ ما استعصى من قرارات خلال الفترة الماضية من عمر حكومة “زيدان” وخاصة فيما يتعلق بموضوع النفط وإقفال الحقول النفطية والموانئ، بالضرب بقوة على يد كل من يعطل مسيرة الدولة.
الوقت ملائم لتنفيذ القرارات المعطلة لقيام الجيش والشرطة، خاصة في المدن الكبرى والرئيسية، وتنفيذ برنامج البلديات، وتخصيص الميزانيات لها، لوقف أي مطالبة بالفدرالية. ليبيا على المحك الآن، والشعب الليبي دفع من دمه الكثير، وسيدفع، من أجل أن تنهض البلاد من جديد، وتكون في مصاف الدول الكبرى وذات الثقل في المنطقة. إن التجربة التي عاشها المواطن الليبي خلال السنتين الماضيتين أثبتت له، إن ما يحدث في البلاد إنما هو حراك مصالح، وأن التشكيلات الثورية –كما تدعي- إنما ارتدت ثوباً جديداً هو مصلحتي ومن بعدي الطوفان. الشعب يدعم الحكومة وعليها استغلال هذه الفرصة لإثبات وجودها على أرض الواقع وتحقيق طموحات المواطن البسيط.
إن الظرف يجبر الحكومة على تحمل مسؤولياتها كاملة أمام هذا الحراك الشعبي، الذي أظهر كم الشعب الليبي واع وقادر على الحسم، لكنه يريد جيش وطني يقف إلى جانبه، همه الحفاظ على أمن وأمان البلاد والعباد؛ وحكومة تبني وتشيد للرفع من شأن المواطن.
*
حفظ الله ليبيا