عــزل
يكثر في هذه الأيام الحديث عن قانون العزل. وبغض النظر عن مشروعية إصدار هذا القانون من عدمه في غياب الدستور، إلا أن هذه لا يغير من حقيقة الأمر، ومدى إخلاص النية في إصدار مثل هذا القانون.
فإن كان القصد من القانون هو عزل كل من عمل في نظام الطاغية، فإن المنطق يقول بعزل (إقصاء) كل من عمل مع النظام طوال الـ42 سنة الماضية، في أي منصب أو وظيفة تحمل طابع المسؤولية، شاملاً كل من تصالح مع النظام وسايره، حتى يكون لهذا القانون معنى، بحيث لا يقتصر على من عمل مع النظام خلال السنوات الأخيرة أو من عمل ضد ثورة 17 فبراير المجيدة، وإلا فهو قانون يتم تفصيلة لعزل وإقصاء مجموعة بعينها، مما لا يبشر بسلامة النية من وراء هذا القانون، الذي نفترض إن الغاية منه هو المحافظة على ثورة 17 فبراير من المتسلقين وممن قد يؤثرون في مسيرة البلاد والخروج بها من إرث الجهل والتخلف.
وبالرغم من إيماني بضرورة العمل الجماعي والمشاركة بين كل الليبيين، دون النظر لخلفياتهم، وأن ليبيا تحتاج الجميع من أجل المرحلة القادمة، إلا أنني أؤمن بهذا القانون لعزل كل من استفاد وصعد على أكتاف الليبيين –حد الإدماء- لأجل مصلحته الشخصية، دون النظر لمصلحة البلاد، ولكل من كانت له يدٌ في استغلال العرق والجهد الليبي، واستحلال دماء الليبيين من أجل أن يستمر نظام الطاغية. ولكي يكون قانوناً حقيقياً، لابد أن يكون عادلاً في نظرته وآلية تطبيقه، ولابد أن يشرح بالشكل الصحيح للمواطن حتى يكون على مستوى من الوعي يمكنه من متابعة تطبيق القانون. وإلا دخلنا في دوامة التطبيق، بحيث يُساء استخدام القانون، ليتحول إلى وسيلة لحبس وإقصاء الغير، أو جسر لبلوغ مصالح شخصية، أو مشجب تعلق عليه الأخطاء.
فالشارع الليبي يعاني من حالة من عدم الفهم، وبمعنى أصح الوعي بماهية العزل السياسي أو الغاية منه، خاصة وإنك تسمع رجل الشارع يتحدث عن ضرورة السرعة إصدار هذا القانون وتطبيقه، لأن الموظف يريد إقصاء رئيسة المباشر في إدارته، والمدرسة تريد عزل مديرة المدرسة، والطالب يريد أن ينحي أستاذه، وبالتالي سينقسم المجتمع بين مطالبين بالعزل ومعزولين، ومن بعد سيتطلب الأمر قانوناً آخراً للتعامل مع من تم عزلهم،. والمعنى إنا سنجد أنفسنا دوامة، نحن كمجتمع في غنى عنها، ليكون اهتمامنا موجها لبناء ليبيا ومنصباً حول السبل والوسائل للخروج من إرث التخلف والخرف الذي عشناه لـ42 سنة.. والله من وراء القصد.
غــزل
لا يمل مؤتمرنا الوطني من مغازلة المواطن الليبي، ليس حباً –كما أظن-، بل محاولة لمص الاحتقان الذي يشعر به المواطن، وما يمر به من ظروف اضطراب الحالة الأمنية في البلاد، وفي ذات الوقت، دغدغة يقصد منها أن المؤتمر –ممثلاً في أعضائه- يعي حاجة المواطن الليبي واحتياجاته.
وتتمثل هذه المغازلات، في مجموعة من القرارات والنقاشات تمس المواطن اقتصادياً، فمن نية بإيقاف الفوائد على السلف والقروض، إلى زيادة علاوة العائلة، وزيادة علاوة السكن، والمرتبات، والعيديات، والمنح المالية للأسر والثوار، وغيرها. وفي ظني إنها محاولات الغاية منها كسب رضا المواطن، أو تسكينه، أو تخديره لبعض الوقت –كما يعلق أحدهم-، وهو أسلوب تعوده الليبي من قبل، ولم يعد يثق إلا فيما يتحقق من وعود أو قرارات، وفي ذات الوقت ينتظر أن ينتصر له المؤتمر ولحقوقه المسروقة منه لأكثر من 40 عاماً، عانى في ضيق العيش، حد أن يضطر فيها لاستحلال الربا من أجل بناء 90 متراً (يدك فيها راسه هو وعويلته). والمواطن الليبي بقدر حاجته الاقتصادية، إلا إنه يؤمن بضرورة أن تقوم البلاد على أسس اقتصادية تضمن مساواة فرص العمل، وأن يكون العطاء بقدر الجهد المبذول والتعب والتحصيل المعرفي (فأنا ما نطلبش ولا بناخد حاجة مش ليا، أنا نطالب بحقي، وحقي المفروض يكون على حسب شهادتي وجهدي، مش أكثر، عاملوني صح واعطيني عرقي، مش تخليني نخدم على تاكسي وتقولي خيرك ما تجيش الخدمة).
وأريد أن أنبه إلى نقطة مهمة –وأزعمها خطيرة- هي فقد المواطن الليبي الثقة في حكومته ممثلة في المؤتمر الوطني و الحكومة المؤقتة، لسببين؛ الأول خبرته السابقة في عهد الطاغية، والثاني التعالي في التعامل مع عقلية المواطن. مما ينعكس سلباً على أداء المواطن في المرحلة القادمة، مرحلة البناء والتعمير. والله من وراء القصد.
________________________________
نشر بصحيفة الكاف الإلكتروية
حق أريد به باطل