1
الكل يذكر هذا السؤال الذي أطلقه المقبور ذات شطحة، وكيف استطاع من خلاله أن يعيد تشتيت عقولنا وتمرير الكثير لسرقة الكثير، وشغلنا عن همنا في البحث عن إجابة لهذا السؤال، الذي ظل عالقاً بلا إجابة، لنه لم يكن له من إجابة، إلا اشتغالنا به!!!.
للحظة، دار بخاطري إن 17 فبراير كانت الإجابة على سؤال (ماذا يريد الليبيون؟)، في الخروج لغاية واحدة؛ هي الحرية وإخراج الطاغية وزبانيته من المشهد. لكني اكتشفت إن 17 فبراير المجيدة، كانت لإعادة ترتيب المشهد في شكله الصحيح؛ للإجابة على السؤال بشكلٍ حقيقي من بعد، وللعمل على تحقيقها دون زيف.
2
لازال السؤال بلا إجابة، أو ربما كان هو السؤال الذي لا إجابة له!!!، مع ظني أنه لا سؤال بلا إجابة، خاصة في عالم يعطيك من الخيارات ما يجعلك تحار أحياناً في الإجابة التي تحقق المعادلة. فبالرغم من أن الرياضيات تقول أنه ثمة حل وحيد للمعادلة –حتى وإن كان فئة عددية-، وأنه يمكن الوصول إليه بأكثر من طريقة، إلا أن الواقع يؤكد أنه للسؤال الواحد، ثمة أكثر من إجابة صحيحة. وسؤالنا يبحث عن إجابة وحيدة.
3
أهو بهذه الصعوبة؟.
أذكر إنه عندما خرج علينا الطاغية بهذا السؤال؟، انشغل الليبيون بالبحث عن إجابة لهذا السؤال، فعرضت نشرة الأخبار اجتماعات وندوات تحلق فيها المتخصص والباحث وغير الباحث وغير المتخصص، وركزت بشكل مباشر على وثائق العهد والمبايعة. كتب الكتاب وغير الكتاب مقالات وأعمدة وزوايا وصفحات أخيرة وغير أخيرة، مركزين على أهمية الفرصة الممنوحة لتقرير المصير. الصحفيون انطلقوا في الشوارع يبحثون على صفحات الوسط الملونة إجابة السؤال المعجزة، وأكد الجميع أهمية هذه الهبة والفرصة التي لا تتكرر إلا في البلاد الخضراء.
4
أم هو من السهولة بمكان، جعلنا فيه محصورين عاجزين عن استيعاب بساطته؟
لا أقول ببساطته ولا أؤكد صعوبته، ولكنه من نوع الأسئلة التي تربكك، بغاية إشغالك ومعرفة ما يمكن اقتراحه من إجابات. هذا السؤال بشكل خاص يذكرني بقصة كيس الفئران*، ولقد استطاع بكل جدارة أن يشدنا إليه أو يبقينا إليه أكثر مما توقع السائِل. لماذا؟، والسبب ببساطة لأنه من أسئلة الحلم، كأن يسألك أحدهم: ماذا تفعل لو أعطيتك مليون دينار؟، فتجد نفسك قد امتلكت العالم. لقد وضع الليبيون ما يمكنهم من أحلام وأماني إجابة لهذا السؤال، كل وضع حلمه الخاص ولم يلتفت كثيراً للحلم أكبر، ليبيا.
5
أعتقد جازماً أن الوقت حان للإجابة فعلياً على هذا السؤال، وحشد ما يمكن لإجابة عليه، حتى تكون الإجابة حقيقية جادة، كخطوة أولى لبناء بلادنا من جديد على قدر من المسؤولية والوعي بما نريد كأفراد لخدمة الإجابة الوحيدة لهذا السؤال. الإجابة التي كان الطاغية يحاول حجبها بعيداً عناً، وتشتيت أجزائها، وبعثرتها في أحلامنا الصغيرة، حد قتلها وتوزع دمها فينا، فكلنا يحمل من دمها ما يوكّله بدفع ديتها، والوقت حان لدفع هذه الدية، والعمل على جبر الكثير الذي أحدثه تخلينا عنها، إجابة كانت ستوفر علينا الكثير من الوقت والجهد، والدم.
إجابة واحدة تجعل من المعادلة صحيحة 100%ـ إجابة واحدة كانت تحقق المعادلة وتجعل منها معادلة قابلة للحل، والحصول على ناتج صحيح لا تخيلي، ينفتح على فئة صحيحة من الأحلام والأماني القابلة للتحقق، واقعاً نساهم كلنا فيه بنائه.
إجابة واحدة لسؤال لا يحتمل أكثر منها إجابة، كان الطاغية على ثقة من عدم قدرتنا على الوصول إليها، مثبتاً نجاحه في تدميرنا وحجزنا في الركن البعيد عنها، وقتلنا.
ماذا يريد الليبيًون؟
يريدون ليبيا.
_________________
* يحكى، أن أحد الحكام أراد اختيار رئيساً لشؤون الدولة، وبعد المشاورة وقع الاختيار على اثنين، وللمفاضلة اقترح الحاكم أن تقام مسابقة فيما بينهما. وفي اليوم المقرر للمسابقة، أعطى الحاكم لكل منهما كيساً يحتوي على مجموعة من الفئران، وطلب منهما الذهاب لمسافة والعودة، وعند وصولهما مقر الحكم، وعند سؤال الحاكم عن الأكياس، تقدم الأول ومد كيسه وكان فارغاً، فقال: لقد ثقبت الفئران الكيس وهربت، لكني حافظت على الكيس لأضعه بين يديك مولاي.
أما الثاني، فقدم كيسه وكانت الفئران لا زالت فيه، فسأله الحاكم، كيف فعلت؟، فأجاب: كنت كلما شعرت بهدوئها، أقوم برج الكيس بقوة، فتظل مشغولة ببعضها لبعض الوقت، وهكذا حتى وصلت بين يديك سيدي. فأوكل له الحاكم المنصب.