الأسبوع الماضي ساقتني الأقدار لأكون رفيقاً أحد الأصدقاء في واجب عزاء. كانت البداية من مهاتفة لأخباري بموعد وصوله، وحال صعودي السيارة أخبرني أنه سيمر بصديق آخر، كنت قد التقيته مرة أو اثنتين من قبل، وهو كما أُخبرت عنه (طالب علمٍ شرعي).
كان حديثنا ينصب حول الانتخابات وخاصة المرتشحين لانتخابات المجلس الوطني، فصورهم موزعة في الشوارع وعند إشارات المرور، كل حسب منطقته. إشارة المرور بطيئة، منحتنا فرصة قراءة الأسماء والمؤهلات والتمعن في الصور، والتعليق عليها، وإلا (ما ناش ليبيين).
وصلنا بيته، لنجده واقفاً عند المدخل الرئيسي للبيت، سلم وصعد السيارة. وبعد السلام والسؤال على الأهل، طلب من صديقي فتح الراديو على قناة 105 إف=إم. وكان على البث درس ديني. سأله صديقي:
– من الشيخ؟
– الشيخ “مقبل”.
كان حديث الشيخ حول حل الانتخابات وجواز الانتخابات، استمعت للدرس، حتى أن وصل صاحب الدرس إلى: (ففتوى الشيخ بن باز، بجواز الانتخابات باطلة، وفتوى الشيخ بن العثيمين باطلة، وفتوى الشيخ الألباني باطلة)، واستمر يستعرض بطلان الفتاوى حتى قوله: (ولا بد إنهم أرسلوا للفتوى، رجلاً في مظهر أهل السنة، لحيته إلى سرته، وجعل يقول للشيخ، يا شيخ إن لم ندخل الانتاخبات فإن الشيوعيين والماركسيين، سيكون لهم السبق، ولا يعود للدين من مكان).
التفت إلى صديقي، فابتسم في وجهي، ولم ينبس ببنت شفة، كان الشيخ في محاضرته أو درسه يشن هجمة قوبة على الانتخابات ومن يدعو لها وإلى الديمقراطية، وهو يقول إنه لا شيء في الكتاب والسنة يقول بالانتخابات وإنها دعاوى تضليل ليصل لفتواه (فكل من قال بالديمقراطية والانتخابات هو كافر)، عندها وجدتني أقول:
– لله الأمر من قبل ومن بعد. إنا لله وإنا إليه راجون.
انتبه صديقي إلي، لكنا وصلنا محل العزاء، وكانت صلاة العشاء قائمة، فأسرعنا باللحاق بها، وصلينا في ذات الصف. ولا أعرف كيف نسيت موضوع الدرس والفتوى، ربما وجب العزاء، وحديث الأنس الذي دار. حتى صعودنا من جديد السيارة وسؤال صاحبنا:
– هل القناة مازالت موجودة.
وانطلق صوت الشيخ “مقبل” من جديد، بدرس آخر لحظتها التفتت إلى الخلف:
– عفواً، ما اسم هذه القناة.
فرد:
– لا، إنها ميزة بجهازي النقال تمكنه من البث عبر جهاز الراديو.
لحظتها قفزت إلى قمة منحنى الغضب (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وأصمت، تركتهما في حديثهما، وغالبت نفسي، حتى وصوله بيته، ونزوله. لأنفس عن نفسي قليلاً بالحديث مع صديقي، بفاجعتب بما سمعت وتطرف البعض لهذا الحد. ألا يكفي أنهم دعوا إلى التزام البيوت (اتقاءً للفتنة) و(عدم الخروج على ولي الأمر) حتى لو ركب ظهري. وها هم اليوم يقولون بحرمة الانتخاب، وأن من يقول بها وبالديمقراطية كافر:
– والله عجيب، كيف صلى إلى جانبي، أم إن صلاتي لا تقدم و تؤخر، أم أني لا شيء.
حاول صديقي تهدئتي، وأن ما حدث ما هي إلا محاولة من صاحبنا لتوعيتي أو إعلامي برأي الدين:
– كانت نيته أن يعرض عليك وجهة نظره.
– أي وجهة نظر هذه، التي يعلن فيها كفري، حكماً قاطعاً بطردي من رحمة الله، وأن جهنم مصيري ومآلي. فإما رضيت بما يقول وإلا ناراً ذات لهب.. لله الأمر من قبل ومن بعد.
كنت قبل فترة قد خضت في حديث معه، حول رأيي الشخصي حول الجماعات الدينية، من الإخوان إلى السلفية بمختلف مرجعياتها، وأنهم كلهم خير وبركة، وأني لا أرفض إلا من يناطح ويجبرني على الأخذ برأيه، خاصة في المسائل الخلافية، فالخلاف رحمة وسِعة، وإلا لأستمر نزول الأنبياء والرسل لتصحيح ضلالات الأمم. ألم يختم عز وجل رسالته التي حملها آخر أنبيائه الكرام بقوله: (..اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا../ المائدة – آية 3)، إنه في هذا الإعلان يؤكد أن رسالة السماء قد توقف، لتستمر رسالة الأرض، رسالتنا، الأمانة التي حملها الإنسان وارتضاها (إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَىٰ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا/ الأحزاب – آية 72)، بما فيها من مسؤولية وتبعات. وعن نفسي لن أسمح لأحد بأن يرسم لي طريقي ونهجي، أو أن يقوم بدور الرقيب الموجه، أرفض وبقوة أي تدخل في علاقتي بربي الأعلى، ولن أرضى بأن تُـفرض علي وصايا وشروط، تعبر عن وجهة نظر أصحابها واجتهادهم، فلكل مجتهد نصيب (من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب، فله أجر واحد/ حديث شريف)، لن أرفعهم إلى مراتب الأنبياء، أو أن يتحولوا إلى أيقونات، يؤخذ عنها ولا يرد (كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر/ الإمام مالك بن أنس)، ألم يراجع “الإمام مالك بن أنس” في أكثر من مسألة أجاب عليها بـ(لا أدري). ومن تلك الليلة، وأنا أعيد السؤال، وسأظل: هل أنا كافر؟.
______________
نشر بصحيفة الكاف الإلكترونية (هـــــنـــــا)