بشغفٍ ونشوة، شاهدت خلال المدة الماضية ما يربوا عن الـ100 مقطع مصور على اليوتيوب، لمن يسكنون في بيوت صغيرة المساحة، وعندما نتكلم عن مساحة صغيرة أعني بيوتاً تقل مساحتها عن 20 متراً مربعاً، وفي العموم هي مساكن مساحتها أقل من 90 متراً مربعاً.
قد يستغرب البعض هذا الأمر، لكنه حقيقة واقعة.
شغفي بهذا الموضوع، يعود للعام 2003 تاريخ زيارتي الأولى لمدينة زيورخ (سويسرا)، عندما شاهدت في أحد المعارض (IKEA)، فراشاً علوياً أسفله ما يمكن استخدامه كمكتب أو الاستراحة والجلوس، وممارسة الحياة اليومية، وعلى أحد الجوانب تتمركز خزانة الملابس. بالسؤال عرفت أنه ثمة نظام عمارات سكنية تتكون من شقق صغيرة، أو محدودة المساحة، لأكثر من 60 ساكناً للعمارة التي تنتصب كبرج.
بعد فترة، شاهدت شريطاً مصوراً عن شاب حول حجرة ملحقة بأحد البنايات بأحد العواصم الأوربية، إلى بيت، بسبب غلاء إيجارات الشقق. الرائع في الأمر هو ملكة الإبداع في تحويل هذه الحجرة المربعة إلى بيت مكون من؛ صالة معيشة، غرفة نوم، مكتب للعمل، مطبخ وحمام. هذا الشاب استغل كل المساحات المتاحة بطريقة عبقرية ومبهرة، وباستثناء حائط المطبخ، والحمام الثابتين، فكل شيء قابل للتحول والتشكل ديناميكياً. بالمناسبة مساحة البيت 400 قدم-مربع، أي 37.16 متر-مربع.
وكوني من محبي وممارسي الأعمال اليدوية المنزلية، اشتركت في أحد القنوات على اليوتيوب للاستفادة من بعض الأفكار، وعند مراجعتي للقائمة الجانبية، وجدتني أضغط على رابطٍ لمقطع يعرض لشابة تسكن في بيت إبعاده (3.50 × 9.00 متر)، ليعود شغفي وأقضي أكثر من شهر مشاهداً لسلسلة من المقاطع حول ذات الموضوع، فاقت الـ100 حملت حوالي 20 مقطعاً منها.
ولقد خطرت لي فكرة، وهي سؤال الأصدقاء في العمل: هل يمكنك العيش في بيتٍ 20 متر مربع؟
ولا أريد التفصل في الإجابات، التي أكدت –في أغلبها- استحالة العيش، وأن الأجانب ليسوا مثلنا، وأنه: حيكون حوش (يضيق الخلوق)، وليس صحياً، وقائمة طويلة من الحجج، لكني لفت ظرهم إلى نقطة مهمة بسؤال:
- – كلنا عملنا في الحقول النفطية، وكنا نقيم بحجرات مساحتها تساوي أو أقل من 20 متراً مربعاً، مزودة بدورة مياه؛ كيف كنتم تعيشون في هذه الحجرات؟
وكان الجواب الموحد، إنها كانت للنوم، وليست للإقامة، فعلقت: وهل تعتقدون أنهم يستخدمونها لأكثر من هذا!!!.
حقيقة، لا أخفي انبهاري بما شاهدت، أو رغبتي الحقيقية في العيش في أحد هذه البيوت، خاصة وإن بعضها يحوي قدراً عالياً من الابتكار، والذكاء. خاصة وإن الأمر تحول إلى ظاهرة، تم رصدها في أكثر من بلد، فلقد شاهدت مقاطع لبيوت في: فرنسا، إسبانيا، بريطانيا، أمريكا، اليابان، وغيرها. فالأمر وكأنه تحدٍ ومحاولة لتجاوز الحدود، وهو أمر لا يخص البيوت أو المنازل، إنما حتى المكاتب، ففي فرنسا على سبيل المثال حولت مجموعة من الشباب، غرفة المصعد الموجود على سطح أحد البنايات إلى مكتب لممارسة عملهم، إذ تم استغلال مساحة المكان بالكامل، وحتى كتلة الإسمنت التي كان من الصعب إزالتها، تم استخدامها في إعادة التصميم.
ومن خلال هذه المشاهدات، تكوت لدي مجموعة من الملاحظاتِ:
الشخصية؛ هذه البيوت في مجملها تعكس شخصية أصحابها. فهم من اختار البقاء في هذه المساحة واستغلالها، وترتيبها بالشكل الذي يتلاءم مع حاجاتهم، وطريقة استخدامهم اليومي. فهم من صمم قطع الأثاث والديكور، ورتب ركن المطبخ، وغيره من المستلزمات، أو قام باختيار ما يتوافق مع احتياجاته.
الاستغلال الأمثل؛ تمثل هذه البيوت مبدأ لاستغلال الأمثل للمساحات، والزوايا، والحوائط، وإدراك وفهم الأبعاد وتخيلها. حتى يمكن إعادة تهيئة البيت أو المساحة المراد شغلها. فمن ضمن الأفكار التي تستخدم، الأسرة القابلة للطي؛ فخلال اليوم يكون السرير مطوياً داخل الحائط أو خزانة خاصة، في شكل مكتبة، أو ما شابه، بحيث تكون المساحة الفارغة من البيت أو الغرفة، لممارسة الحياة اليومية والعمل، وعند الحاجة للنوم، يتم إخراج السرير والنوم.
كما يمكن تقسيم المساحة من خلال حوائط متحركة فيمكن بالتالي اقتسام المساحة بين شخصين، و في حال لو كانت المساحة ذات سقف مرتفع، استغلال هذا الارتفاع لتقسيمه لأكثر من مستوى.
الابتكار؛ تتميز هذا المساكن بقدر عالٍ من الابتكار، سواء على مستوى التصميم الداخلي (الديكور)، أو ابتكار أجهزة وأنظمة مساعدة. كأنظمة التحكم في الإضاءة، أو تحريك بعض الموجودات كالحوائط والفواصل، أو التحكم في أنظمة الطاقة.
فعلى سبيل المثال أحد المصممين (مهندس)، قام بابتكار طاولة، يمكنها الحركة عمودياً، ومحورياً (تغيير زاوية استوائها)، وضبطها بما يلائم استخدامها كطاولة رسم هندسي، أو عند الحاجة ضبطها كطاولة طعام، أو طاولة عمل (مكتب)، وهي تحتوي على أدراج مخفية ومصادر تزود كهربائية متعددة الاستخدامات.
اختلاف؛ الجميل في هذه البيوت، اختلافها عن المألوف، بحيث إن بعضها يمثل تحدياً أو لنقل، مغامرة. فأن يكون منزلك بعرض 1.5 متر، فهذا أمر مختلف ويخالف المألوف، أو أن يكون ارتفاع السقف أو المستوى الثاني، يعلوك بـ5 سنتيمترات. أو أن يكون منزلك يعتمد على الفرغات، أو الفراغات المهملة في المباني.
ابتكار موازي؛ وأقصد به، الابتكارات الخدمية، كالأثاث وأنظمة الإضاءة، وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية، والتي قامت الشركات والورش بتصميمها تلبية لحاجات المستخدم لهذا النمط الحياتي.
فقطعة أثاث واحدة، يمكنها التحول والتشكل حسب الحاجة، كطاولات متعددة الاستخدام، أو الدواليب، أو الأسرة المطوية، وغيرها.
ابتكارٌ آخر على مستوى المصطلح، فمن مصطلح شقة، أو غرفة السكن (Apartment)، نتج Micro Apartment، ومن منزل (House) خرج (Tiny House). وذلك لتوصيف الحالة، وبالمناسبة بعد المدن والمقاطعات، بدأت بتنفيذ هذا النوع من المساكن الـ(Tiny) والـ(Micro) في شكل مشاريع، لحل أزمة السكن كما في اليابان وأمريكا.
مميزات؛ كل من يتم استضافته في هذه المقاطع، يُسأل عن ميزات السكن في مثل هكذا بيوت، الأكثير أجاب بأن هذه البيوت توفر لهم مكاناً للسكن، خاصة لمن يسكنون العواصم الكبيرة، وليس بمقدورهم الإيفاء بتكاليف الإيجارات العالية، كلندن ونيويورك وباريس. وهذا السكن يلبي حاجاتهم لممارسة حياتهم لما بعد العمل، في مكانٍ للراحة والاسترخاء، ومشاهدة التلفزيون أو العمل على حاسوب، للأعمال الخاصة.
البعض نبه إلى أن هذه البيوت تجعل الأشياء قريبة، وإنها ركنٌ خاص ومعزول يوفر الاستقلالية، والسكينة. وكما أشرت، فهذه البيوت تعكس شخصيات وأنماط سلوك أصحابها. فأحدهم كان هدفه من تحويل حافلة جده –وكانت مكتبة متنقلة-، إلى مكان للإقامة، توفير مساحة خاصة لدراسته العليا، من بعد رأى إنها تلبي حاجاته للسكن رغم وجودها بحديقة منزل الأسرة.
في الختام؛ في ظني إن هذا النوع من النمط المعيشي، لا يتوافق معايير ثقافتا المحلية وعاداتنا. فنحن كشعب، مازالت العلاقات الاجتماعية مفصلاً أساسياً في حياتنا، ولا يمكن للفرد الانفصال عن الجماعة سواء كانت أسرته، عائلته، أقربائه، أو أصدقائه ومعارفه. كما إن هذا النمط أنتجته حياة الكد والعمل اليومي لساعات طويلة، وهي نمط لا نعرفه في مجتمعنا الليبي.
افكار رائعه الحقيقة اعجبتنى انا ضد المساحات االشاسعه والغير مستفاد منها ….اعتقد اننا بعد الحرب نحتاج لتقليص كل شئ الى اعادة ترتيب بيوتنا وانفسنا واحتياجتنا …شكرا لهذه المعلومات الرائعه
أشكرك على هذا الموضوع الجميل. والحقيقية إنها المرة الأولى التي أعرف فيها هذا النوع من المنازل. ومالاخير حوش هكي يضيق الخلوق.
طبعا مجتمعنا مع ثقافة البيت الواسع المشمس …نقطتنان تجعلنا نحب مكان كهذا..1 ان يكون هذا خيارانا بارادتنا ..اي ان نفعله باستمتاع مقررين الابتعاد عن الحياة بتعقيداتها ..او او يكون لديك شريك يجعلك تحس ان هذا المكان قصر لمحرد انك معه ^^ . تحياتي
السلام عليكم
هذا النظام لا يمكن أن يتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا الليبية التي تحتفي بالأسرة والعائلة، يمكن أن يكون حل كمرحلة اولى قبل الزواج لكن ليس لبناء عائلة ليبية.