المعادلة الليبية 1
(ليبيا بدويةٌ شرسةْ
تحب حين تحب من تشاءْ
وتكره حين تكره من تشاءْ
تسقي العابرين القاحلين،
بدلوٍ من أجاجٍ وغناءْ
وتستسلم لمن يطوقها بالقوافي
وينفذ إلى قلبها على صهوة الخيالْ)*
هذه هي المعادلة الليبية، معادلة لا تقبل الحلول الوسط، أو تساوي الطرفين، فهي لا تعرف بعلامة (يساوي/ = )، كونها معادلة صفرية، بمعنى؛ إما انزياح تام لليمين (تحب حين تحب من تشاءْ)، أو انزياح تام لليسار (وتكره حين تكره من تشاءْ). الكل –على الطرف- يساوي صفراً في المعادلة لصالح الطرف الآخر (ليبيا بدويةٌ شرسةْ). ولعل هذا يفسر الكثير من سلوك/سلوكيات المجتمع الليبي، الذي ينحاز جملة لاتجاه ما، ويعيد تغيير اتجاهه جملة في ذات الوقت وبسرعة في الاتجاه الآخر (المعادلة الليبية 3). وهذا ينعكس بشكل مباشر وواضح على السلوك الفردي.
ولعل الأحداث الأخيرة في ليبيا، بداية من 17 فبراير وحتى اللحظة، تترجم هذه المعادلة وتثبت صحتها، خاصة خروج مدينتي بنغازي وطرابلس في جمعة الإنقاذ بالأمس (21-9-2012)، في دعوة لإيقاف التشكيلات العسكرية العاملة خارج نطاق الشرعية، واقتحامهم لمقارها، إلا إثبات صريح لانحياز المعادلة لاتجاه واحد، ليكون هذا الخروج، لأنه لو تساوت أطراف المعادلة (بعيداً عن الصفر) لأمكن حل المسألة بشكل أسهل وأيسر. ولا ننسى إنه ذات الخروج الذي كان بحمل السلاح.
صورة أخرى لهذه المعادلة، هو الاشتباكات التي تحدث بين الفينة والأخرى، في أكثر من منطقة في ليبيا، إذ تفسر هذه الاشتباكات الحل الصفري للمعادلة، فالمعادلة الصفرية، معادلة انحازت بالكامل لطرف واحد، فالصفر محايد لا معنى له في ذاته، الذي يعني رفضه لأي حلٍ آخر، ولا يكون إلا بمنزلة على اليمين، ليكون.
وحل هذه المسألة يتمثل في فرض حلول غير الصفر للمعادلة –إضافة تنزل الصفر يميناً-، بمعنى ضرورة قيام الدولة، ممثلة بالمؤتمر الوطني، بالدور المنوط بها، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة ونخسر في كل مرة، وهذا يعني توطيد النظام والأمان للمواطن، وفرض هيبة الدولة، بحيث يمكن للمسألة أن تتوازن، أو إيجاد حلول أخرى يحول الشعب معها المعادلة باتجاهه مرة أخرى.
المعادلة الليبية 2
(ليبيا فرس جامحة
لا يمتطيها إلا من يركب الريح،
بلا سرجٍ ولا لجامْ .
ليبيا نخلةٌ سامقة
لا تمنح عراجينها،
إلا لمن يعبر الأشواك
وتذبح كفيه الحبالْ.
أنثى بشهوة محمومة
يمر فوقها السحاب بارداً
لاشيء يدركه البللْ
سوى نهديها المتباعدين
وهذا العنق الهارب نحو البحر
مثل حصان مجنونْ .)*
وجهة آخر لهذه المعادلة، هو إنها تقبل دخول معاملات غريبة إليها. رياضياً تعمل هذه المعاملات على التغيير من قيمة الحل (عددياً)، لكن الواقع يجيب بقدرتها –أي المعاملات- على الحفاظ على ذات الحل، بمعنى إن الفرق الذي من المفترض حسابه بدخولها لا نجده متمثلاً في حل المعادلة، فأين المشكلة؟!!!؟
في ظني، أن هذه المعاملات الخارجية –غريبة من خارج ليبيا-، تأتي في قيمة أقرب للصفر، أي لا تأثير لها في المعادلة فعلياً، بينما نظرياً يوجد لها تأثير ولو طفيف. هي تعرف –مسبقاً- وتدرك حجم التأثير الذي تحدثه، بحساب الفرق، فتعمد إلى استقطاب هذا التأثير بشكل بطيء فتنمو داخلياً، لا ظاهرياً، وحال أن لا يعود ممكناً، تغادر المعادلة، ليحل غيرها من جديد.
هذه المعاملات الغريبة، لها القدر على الاستفادة من الفروق بشكل كبير وذكي، بحيث تظل المعادلة الأصلية –المعادلة الليبية- بعيدة عن أي تحديث أو تغيير.
المعادلة الليبية 3
(دليني كيف نتـفق
أيتها الأنثى المكابرة؟
وأرفقي بحبي المبصر
وقدري الكفيف.
دليني كيف أبثك
حنيني النخيل ؟
وكيف أتماسك في حضرتك
بوجداني المشطور؟.
أرحل هارباً منك
وكأنني أهرب من هواجسي.)*
الأمر المحير في هذه المعادلة، إنك مهما قلبتها تكون بذات النتيجة، دائماً ثمة حل واحد، لا غير. وبقدر ما تمنحها هذه الخاصية توازناً ظاهراً، إلا أنها تربك المواطن الليبي كأحد عناصر المعادلة، الذي عليه التكيف مع حالة الوجهين في ذات الوقت. فدائماً ثمة قراءة أخرة للأمر.
فـ(ليبيا) التي تقرأ من اليمين، كما تقرأ من اليسار، كما يؤكد الجميع كظاهرة غير مسبوقة، ليست بهذه السهولة الظاهرة، أو الشكلية لقلب اتجاه القراءة، لأن الأمر سيكون مختلفاً تماماً عن القصد. الإجراء الصحيح هو أن توضع مرآة في مواجهة الاسم، لقراءة الصورة المنعكسة، والتي ستعطي القراءة الصحيحة في الاتجاهين. لذا على كل مواطن أن يصحب في جيبه الخلفي أو الأمامي أو الجنب مرآة صغيرة، تمكنه من قراءة الأمور بشكلها الصحيح.
___________________________
* نص (بلاد تحبها وتزدريك) للشاعر: عمر الكدي.