غناء باكستاني
تعرفت إلى الغناء الباكستاني في نهاية العام 1997م، حيث كنت في زيارة عمل، وطلب مني الانتظار في أحد المكاتب حيث كانت ثمة موظفة تجلس إلى مكتبها، أستمع إلى جهاز تسجيل بجانبها. دعتني إلى الجلوس ريثما أتمكن من الدخول الى مدير الدار، حيث كنا كمجموعة شابة نعد لنشاط يحتفي بالطفولة.
سألت: هل أقفل المسجل؟
لا.. ولكن ما نوع هذه الموسيقى؟ سألت.
هذه موسيقى باكستاتية.
واو، هل تتكلمين الأردوا؟ سألت متعحبا.
لا، ولكني أفهم بعضها.
من خلال الحديث، عرفت أنها أحبت هذا النوع من الموسيقى من خلال إحدى العائلات الباكستانية المقيمة في ليبيا، والتي كانت تجاورهم، ولأن معرفتها بهم بدأت منذ طفولتها كان من السهل عليها التقاط اللغة، ومن خلال لعبها مع أطفال العائلة واختلاطها بهم، أحبت موسيقاهم، وتعلقت بها. طوال فترة الانتظار، حافظت على هدوئي، بعد أن أنتهى الحديث بيننا، واستمتعت بصوت المغني، وهو يصدح، صوتها بمساحته الواسعة، بأسر القلب، ويسرح بالفكر.
عجباتك؟
لم أجب، فقد حلقت.
لقاء
ولأن مصادر البحث لم تكن متاحة كما هو الآن مع السيد “جوجل”، ظلت تلك الموسيقى طيفا يزورني بين السفينة والأخرى، حتى قدر أن ألتقي بالسيد “نصرت فاتح علي خان”، في 2007 في بريطانيا، لأجدني أترك الغناء الباكستاني، القريب جدا من الغناء الهندي، إلى فن خاص، يدخل الروح ويأسرها ألا وهو (فن القوالي).
القوالي
فن القوالي؛ هو إحدى أشكال الموسيقى الدينية الصوفية، ومفردة (قوالي) جاءت من الكلمة العربية (قول)، والمهنة إن من يؤدي هذا النوع من الغناء إنما يقول، أو يتكلم بالكلمات.
ينتشر هذا القالب الغنائي في البنجاب والسند في باكستان، وفي الكثير من المناطق في الهند بما في ذلك؛ حيدر آباد ودلهي، والكثير من المناطق في بنجلاديش.
يعد البعض فن القوالي تاريخيا إلى أكثر من 700، وهو يجمع بين العديد من ثقافات المنطقة، ولقد تأثر بفن الموشحات العربية، التي وصلت المنطقة من العراق.
يؤدى هذا القالب الموسيقي، في الأضرحة الصوفية في جنوب آسيا، شاع واكتسب جمهورًا دوليًا في أواخر القرن العشرين. ساهم المطربون الباكستانيون أمثال “نصرت فتح علي خان” والأخوان “صبري” في نشر هذه الموسيقى في العالم، بسبب إصدارات أعمالهم في ألبومات والعروض المباشرة في مهرجانات الموسيقى. من بين المطربين المشهورين أيضًا للقوالي “أمجد صبري” و”راهت فتح علي خان”.
القوالي والثقافة الإسلامية
تعود جذور القوّالي إلى القرن الثالث عشر، وهو يعدّ جزءا من الهويّة الوطنية للباكستانيين، وقد شكّل على مدى عصور طويلة رابطا اجتماعيا قويا يجمع سكان المدن بأهل القرى في الاحتفالات الدينية والمحلية.
يعيد البعض نشأة هذا الفن إلى وصول بعض العلماء والأولياء المسلمين إلى شبه القارة الهندية، كما إن البعض يرى إن منشأ هذا الفن كان في إيران، في القرن الثامن ميلادي. أما الشكل الذي وصلنا فهو يعود للشاعر “أكثر خوسرو” في نيودلهي، نهاية القرن الثالث عشر الميلادي.
ويتم أداء هذه الموسيقى في غناء جماعي، يقوده مغني رئيسي، أو اثنين، بمرافقه عزف على آلة الأرمنيوم ومجموعة الآلات الإيقاعية، بمصاحبة التصفيق حسب الإيقاع.
وتمتاز موسيقى القوالي بتعدد إيقاعاتها الموسيقية، وتردد الفرقة أبياتا من قصائد شعراء صوفيين مثل جلال الدين الرومي والشيرازي، ممزوجة بابتهالات دينية محلية، ما يثري حسب المنشدين المقامات الموسيقية بنبرات صوفية. وتمتد الاحتفالات الصوفية على ساعات عدة، يجول فيها المنشدون بين التآلفات الموسيقية والارتجالات المتقنة، فيما الجمع من الحضور في حالة من النشوة.
وتعتبر التسجيلات والحفلات الغنائية للفنان القدير السيد “نصرت فاتح علي خان” أول من قدم موسيقى القوالي للجمهور الغربي، حيث تجاوز غناءه حواجز اللغة والثقافة ووصلت روحه وحركت كل الناس في جميع أنحاء العالم، واليوم تعتبر القوالي واحدة من أكثر أشكال الموسيقى روحانية وتأثيراً في العالم.
نصرت فتح علي خان
يلقب بالـ(شاهشناه القوالي) أي (ملك ملوك القوالي)، ويعود الفضل إليه في التعريف عالميا بهذا الفن، كما إنه من المجددين فيه، ومن أصحاب الأصوات المميزة، التي كانت تؤدي بذات المستوى لساعات طويلة.
ولد خان في فيصل آباد، باكستان؛ في 13 أكتوبر 1948م، لعائلة تمتهن فن القوالي. وأدى لأول مرة أمام الجمهور عندما كان في السادسة عشر من عمره وذلك في أربعينية والده. وأصبح قائد مجموعة القوالي في عائلته عام 1971. وفي أوائل الثمانينات قام بالتعاقد مع شركة التسجيلات في برمنغهام بإنجلترا لنشر اسطواناته وحفلاته. وقد أصدر خان عشرات الألبومات والإسطوانات الموسيقية للأفلام في أوروبا، الهند، اليابان، باكستان، والولايات المتحدة الأمريكية. وقام أيضاً بالتعاون مع فنانين غربيين مصبحاً بذلك فناناً معروفاً في مجال موسيقى العالم. كما قام بجولة عالمية على نطاق واسع وأدى في أكثر من 40 بلداً.
وفقا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية، فإن “نصرت فاتح علي خان” يحمل الرقم القياسي العالمي في الإنتاج الغنائي لفنان القوالي، وهو ما مجموعه 125 البوم اعتبارا من عام 2001م.
أصيب “خان” بوعكة صحية، حيث أصابه الفشل الكلوي وضعف في وظائف الكبد في 11 أغسطس 1997م، في لندن، وهو في طريقه إلى لوس انجليس من أجل إجراء عملية زرع الكلى. ليتوفي نتيجة سكتة قلبية مفاجئة في مستشفى كرومويل في لندن، يوم السبت 16 أغسطس، 1997، عن عمر يناهز الثامنة والأربعين. وأعيد جثمانه إلى فيصل آباد ،في باكستان، وحضر جنازته جمهوره العريض.
بعد وفاته، استخدم “بيتر غابرييل” أغنية (Solemn Prayer)، التي قدمها “نصرت”، وكذلك في الموسيقى التصويرية لفيلم (Blood Diamond).
عابدة بروين
بالرغم من أن فن القوالي، فن ذكوري بامتياز إلا أن النساء في الباكستان استطعن أن يثبتن حضورهن في هذا الفن، وتعد “عابدة بروين” أحد أهم الأصوات في الغناء الصوفي في الباكستان، وهي ملقبة بـ(ملكة الغناء الصوفي).
ولدت “عابدة بروين” بمدينة لاركانا في 20 فبراير في العام 1954م، لعائلة موسيقية، حيث تعلمت العزف على مجموعة من الآلات الموسيقية التقليدية، وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي بدأت الغناء أمام الجمهور. في التسعينيات بدأت جولاتها ليتعرف عليها العالم وتصير أحد نجوم الغناء الصوفي.
ختاماً
الجميل إن هذا الفن يلاقي رواجا على مستوى العالم، وتم تجديد الكثير من أغانيه من قبل بعض الشباب، ولعل مشروع (Coke Studio) هو أحد هذه المشاريع التي أعادت تقديم القوالي بطريقة جديدة وحديثة، لاقى هذا المشروع بعض المعارضة، كونه حرم القوالي من اتصاله الروحي بمحبيه ومستمعيه.
فن القوالي مازال يلاقى الكثير من الحضور في باكستان، بشكل خاصة وبعض المناطق في الهند وبنغلاديش، وبالرغم من حادثة قتل فنان القوالي “أمجد صبري”، على يد أحد الجماعات المتطرفة؛ في 2016م، يظل لهذا الفن محبيه الذين يسافرون من أجل ساعات تجلي، تسموا فيها الروح وتتخلص من همومها.
أنشودة سونسون كي مالابي في شكلها القديم
ذات الأنشودة محسنة
وهنا بشكل أكثر حداثة من خلال الموسيقى