اميه مالحة
– الميه المالحة كلت الطبوات.. لابد من تغييرها.
هكذا قرر أبي البدء بأعمال صيانة دورة المياه والمطبخ، بعد أن صار من المتعذر استخدام شبكة المياه بسبب المياه المالحة التي تدور بها. عندما بدأ العمال التكسير وقلع بلاط الحوائط الأبيض، بالكاد كان يمكن إخراج أنبوب أو وصلة على حالها، فالصديد أكل وحت فيها، في وصلة قاعدة الحفية، أشار العامل:
– بص يا حج، الملح سادد المسورة ازاي.
نعم، كانت المياه مالحة في كل مكان في طرابلس، في البيوت في المدارس في الحدائق في المساجد. الماء مالحٌ للدرجة التي يستحيل معها استخدامه حتى في المضمضة للوضوء. وكنا في بداية الثمانينات عندما قرر بعض الجيران حفر بئر، أو اشتراك البعض في حفر بئر مشترك.
في الخارج كان صوت الحفار يدق الأرض بقوة وراء الماء، وكأنه يقول: وينك، وينك، وينك. كان علينا تنظيف المكان من الطمي، وأعجبتنا اللعبة، وقتها كنت بعد في بداية المرحلة الإعدادية، وكان علي بشكل روتيني إيصال خرطوم الماء من بئر الجيران إلى خزان البيت السفلي، وتعبئته، ومن بعد تشغيل مضخة المياه لملء الخزان العلوي ومن بعد معاودة ملء الخزان السفلي. أما ماء الشرب، فوقتها لم تكن قناني المياه متوفرة كما هي الآن، فكان علينا حمل (البوادين) إلى أحد حنفيات المياه الحلوة وتعبئتها، والعودة بها، والجميل إنك تجد نفسك في كل مرة تعبئ (البوادين) من مكان، نحن الصغار نلعب، والآباء يقفون في طوابير المياه.
وكوني أحب العمل اليدوي، تعلمت باكراً كيفية صيانة مضخات المياه وعمل (الزبورقو) لها، وأيضا صيانة الملحقات الكهربائية، بمهارة أحسد عليها.
الـــنهـــر
لم أجد ليبياً –وقتها- مقتنعاً بهذا النهر الصناعي، إلا ما ندر!!!.
ومع هذا هلل الجميع يوم إعلان وصول مياه النهر الصناعي، لطرابلس، وما صاحب هذا الحدث من احتفالات ومهرجانات، وتعليقات وبحوث (هل هو النهر الصناعي أم النهر الاصطناعي). المهم إنه قبل وصول مياهه لطرابلس، حذرت الجهات المختصة من احتمال انفجار أنابيب شبكة توزيع المياه لقدمها ولقوة الضخ التي ينساب بها النهر، وضرورة التبليغ عن أي تسريب أو عطب يصيب شبكة المياه، ريثما يتم تجديدها.
وجاء اليوم الموعود مع آذان المغرب، وصلت المياه طرابلس، وغرقت شوارعها في مياه النهر التي لم تحتملها شبكة متهالكة أكلها الملح، بلغنا عن التسرب الكبير الذي في حينا، وبعد أسبوع من تبليغنا تمت المعالجة.
الجميل في الأمر، أنه من تاريخ وصول مياه النهر لطرابلس، ارتحت من جر المياه للخزان، وأعاد أبي تجديد شبكة المياه ببيتنا، وبعد فترة وجيزة، تخلصنا من الخزانات. الأمر الثابت حتى اللحظة، هو مياه الشرب التي ظللنا نستخدم (البوادين) لتعبئتها من حنفيات الجوامع، حتى صارت مياه القناني ووحدات التحلية وثلاجات المياه متوفرة بشكل كبير.
العودة لنقطة البداية
عقب تحرير طرابلس بيومين، انتشرت شائعة تقول بتسميم مياه المدينة، وأنه تم غلقها لهذا السبب. وانتشرت أخبار عن حالات تسمم مصاحبة بتشنجات وصلت لمركز طرابلس الطبي، والمركزي. لكن سريعاً ما علم أن الأمر تم بفعل فاعل. وأنه نحتاج بعض الوقت لإعادة ضخ المياه من جديد.
في منزلي، لم يكن متوفراً لدي لا خزان ولا بئر، لذا فضلت أن تظل زوجتي في بيت أهلها، وأظل في بيت أهلي حيث الماء.
وانقطعت المياه للمرة الثانية، مرافقة لعملية تحرير بني وليد –كما زعموا-، وكان علينا هذه المرة –كأسرة- مواجهة قدرنا في انقطاع المياه، حيث لا خزان ولا بئر، ولم أكن وحدي، كنت أشترك وجيراني في ذات المشكلة، إلا أن أحد الجيران –بارك الله فيه- عاود تجديد بئره القديم ليقوم بتزويدنا بما نحتاج من ماء. وكان المجلس المحلي طرابلس قد قام بنشر مجموعة من الخزانات المتنقلة في أحياء طرابلس. لم تكن المشكلة في المدة، بل في مياه الشرب، التي نقصت وارتفع سعرها، فبعد أن كانت قنينة الماء عبوة 7 لتر تباع بـ750 درهماً، وصل سعرها إلى دينار ونصف، لتعود وتثبت على سعر الدينار.
وللمرة الرابعة، تنقطع المياه عن طرابلس، وهذه المرة بفعل فاعل، ومع سبق الإصرار والترصد، حتى يتم إطلاق “العنود” التي كانت لولا لطف الله، لكانت “بسوس” جديدة. وها هو اليوم السابع يمر علينا بدون ماء، ولا خبر حقيقي مسؤول يبشر بموعد وصولها. مياه الشرب متوفرة إلى حد ما، سعرها ثابت، ومازلنا نأخذ من ذات الجار المياه، حيث عدت لنقطة البداية، أجر خرطوم المياه للبيت، لأعبئ ما لدي من مستوعبات.
*
حفظ الله ليبيا
________________________________
* تم التعديل بعد التصحيح الذي أفادتنا به الأخت “ورد ليبيا” على الفيس؛ المرة الأولى: أغسطس 2011، والمرة الثانية: أكتوبر 2011، والمرة الثالثة: أكتوبر 2012، والأخيرة: سبتمبر 2013.
التفاعل في مدونات ليبية
التفاعل في مدونات ليبية