ليبيات 26
1
كل علاقتي بالنفط وقطاع النفط ومجتمع النفط في ليبيا، بنيت على السماع والقراءة، حتى مايو 2003 عندما بدأت العمل بـ(شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز) منتقلاً إليها من شركة (الخطوط الجوية الليبية) للعمل ضمن قسم النقل الجوي التابع لإدارة النقل.
منذ البداية لم استطع إخفاء انبهاري بالنظام الذي كانت تسير به الشركة –شركة سرت-، ورغم المعوقات التي فرضها نظام القذافي على القطاع، إلا أن الشركات النفطية كانت تتمتع بنظام إداري جيد جداً، وميزات خاصة للعاملين به، وكان الكل يعمل بجد، بوجود خبرات ليبية مميزة لا تقل عن الخبرات الأجنبية التي تعمل وإياها جنباً إلى جنب، بفارق هو المرتب.
بدأت علاقتي بالعمل النفطي، من خلال التعرف على المصطلحات التخصصية، والعمليات النفطية والصناعية المرافقة، لاستخراج النفط والغاز ونقلهما وتصديرهما. فتكون لدي كم كبير من المعلومات التي كانت ذخيرة جيدة لكل من يسأل عن النفط، حالما يعرف أنك ضمن العاملين فيه.
– شنو مانحصلوش برميل.
أو الرد على السؤال الشهير:
– مش صحيح، النفط الليبي أحسن نوع على مستوى العالم؟
لحظتها، علي سرد قصة النفط الليبي، وأنواع خامه، ونسبة مكوناته، وبشكل خاص الكبريت والشمع، ومن أين جاء الاعتقاد بأنه الأفضل.
النقلة المهمة في قطاع النفط، كانت بدخول السيد “شكري غانم” –رحمه الله- إليه، كأميناً للـ(المؤسسة الوطنية للنفط)، كما كانت تعرف سابقاً. حيث شهد القطاع العديد من التغييرات، أهماها الرفع من رواتب العاملين من خلال لائحة مالية جديدة، أنعشت حماسة الجميع للعمل بجد، خاصة وإن الخطة التي وضعت بإشرافه، هي العمل على الوصول بالإنتاج إلى 2,000,000 برميل يومياً، واستطاعت المؤسسة من خلال بعض الإصلاحات الإدارية والفنية الوصول بالإنتاج إلى 1,600,000 برميل يومياً وأكثر بقليل.
2
خلال أحداث ثورة 17 فبراير وما بعدها عرف القطاع الكثير من الهزات، وبالرغم من عودة الحقول النفطية للعمل، وبأيدي ليبية، والوصوب بالإنتاج إلى سابق عهده، إلا أن العديد استغل هذا المورد كوسيلة ضغط على الدولة ممثلة في (المؤتمر الوطني العام) و(الحكومة) سواء حكومة “الكيب” أو حكومة “زيدان”. فمن إغلاق الحقول وخطوط النقل، إلى غلق كامل للحقول والموانئ النفطية، ليهبط الإنتاج إلى ما دون الربع مليون برميل يومياً.
حيث تقوم أحد المجموعات المسلحة بأمرة “إبراهيم جضران” الذي يعلن نفسه (رئيس المكتب السياسي لإقليم برقة)، بغلق الحقول والموانئ النفطية، بدعوى أنه يتم تصدير النفط بدون معايير قياسية دولية (بدون عدادات)، وأنه يباع في السوق السوداء لصالح بعض الجهات.
وبالرغم من أنه لم يثبت حتى اللحظة صحة هذه الادعاءات، إلا أن السيد الـ”جضران” مازال يضرب حصاره على النفط الليبي. محاولاً من خلاله الضغط على المؤتمر والحكومة لتنفيذ خطة تقسيم ليبيا أو ما يسمى بـ(الفدرالية).
3
الثابت إن تاريخ ليبيا الحديث قد عرف تغيراً كبيراً باكتشاف النفط، هذا الاكتشاف الذي غير الكثير في حياة الليبيين، تاريخياً واقتصادياً واجتماعياً. لقد أحدث النفط قفزة كبيرة في البلاد، خاصة وإن ليبيا في ذلك الوقت كانت دولة فقيرة، منهكة من تاريخ طويل مليء بالحرب والدمار، آخره الحرب العالمية الثانية. كان الاستقلال حديثاً، والليبيون لا يعرفون ما هو النفط، إلا كونه مفتاح الثروة التي ستعود على الشعب. لكن الواقع يقول، إن الشركات الأجنبية، والأمريكية بشكل خاص، كانت هي المستفيد الأكبر من هذه الثروة، وأنها ستفعل أي شيء لضمان استمرار هذه الاستفادة.
كان يمكن لهذا النفط أن يكون نعمة، لكن واقع ما نعيشه يؤكد بأنه نقمة!!!
فهو من جاء بالشركات الأجنبية –الطامعة- وبلادها إلى ليبيا. وهي من عملت من خلال مخابراتها على إحداث التغيير بانقلاب 1969، في محاولة للتحكم أكثر، فانقلب السحر عليها وخرجت. ليتحكم “القذافي” في النفط الليبي، ويحوله إلى مصدر لتنفيذ مشاريعه وأحلامه. وعندما عادت الفرصة للأجنبي لرد السحر، والعودة. ها هو “جضران” يغلق السبل من جديد.
يبدو أنه كتب على الشعب ألا يستفيد من ثروته الوحيدة، وأن يظل يبحث عن البدائل. حتى يقضى الله أمره.
*
حفظ الله ليبيا