تعليقي حول منحة ليبيا لتونس

منحة ليبية بقيمة 200000000 مليون دولار لتونس.

وأين المشكلة، فهذا الرقم ليس بالرقم الكبير على دولة كليبيا، وتونس دولة شقيقة وسيكون من الأفضل أن تصلها ليبيا بالمعروف.

المشكلة.. هي أن بعض المناطق في ليبيا تحتاج أقل بكثير من هذا المبلغ لبناء مرفقي صحي أو تعليمي، أو إصلاح طريق.. فكان الأولى من حكومتنا أن تبدأ بالبناء والتعمير داخلياً، ومن بعد، يمكنها منح مساعداتها للآخرين.

والله من وراء القصد

الفجوة .. ولعبة التجار

ما يحدث في ليبيا يفتح الباب على سلسلة لا تنتهي من الأسئلة؟ تبدأ بالسؤال الأمني وتنتهي بحاجات المواطن الليبي البسيط. وحتى لا ندخل في متاهة هذه السلسلة وحلقاتها، ألمح بإيجاز إلى بعضها، أو بعض ما يتحدث الناس العاديون.

أول هذه الملاحظات، هو حجم الغابات التي تم تجريفها والأراضي التي استولي عليها وتم قسيمها وبيعها، دون حسيب أو رقيب، مناطق خضراء تحولت إلى مساحات وورش بناء.

ثانيها. الحركة التجارية النشطة في السوق الليبي، خاصة في تنوع وكمية البضائع المتوفرة، ونوعياتها، فلو صح إنه حتى شهر سبتمبر الماضي من دخول 170 ألف سيارة من ميناء مصراتة، فإن هذا يضعنا أمام ما يمكن أن دخول من المنافذ المماثلة؟.

ثالثها. أعمال الهدم والبناء للمباني والموجودة على الشوارع الرئيسية وتحولها إلى محال تجارية، في سرعة يحسد عليها.

رابعها. أسعار العقارات والأراضي التي وصلت إلى أرقام فلكية، حتى إن بعض الشقق في طرابلس صارت تباع بالمتر. المسألة أنه ثمة حركة شراء للعقارات والأراضي بشكل كبير ولافت للنظر، فهل ثمة نبتت الأرض بهؤلاء أم أمطرت السماء مالاً؟ أم…..؟

من أعمال الفنان الكبير “محمد الزواوي” رحمه الله

أتوقف عند هذا الحد، لأقول إن الفراغ الموجود في ليبيا الآن، ثمة من يستغله لصالحه، ولمصلحته الشخصية دون النظر للمصلحة العامة، وما لم تقم الدولة ممثلة في المؤتمر الوطني والحكومة المؤقتة بدورها فإن الأمر سيزيد تفاقماً لصالح هذه المجموعة. فمحاولة زيادة دخل المواطن الليبي عن طريق زيادة المرتب، والرفع من علاوة العائلة وغيرها من الإجراءات، هي إجراءات تصب لصالح هؤلاء القادرين على التحكم في السوق، لأن الدرهم الذي سيزيد في دخل المواطن سيستفيد منه التاجر، الذي في عدم وجود قوانين ولوائح سيقوم آلياً بالرفع من سعر سلعته ليستفيد من هذا الدرهم.

على الموكل لهم أمر البلاد، النظر بأكثر شمولية، وعدم دغدغة شعور المواطن الليبي البسيط، بزيادة الرواتب ورفع علاوة العائلة، بل العمل على إنشاء منظومة اقتصادية كاملة يكون للكل فيها دور وحركة، حتى يكون ثمة تساوي في الفرص. وإلا سنشهد ظهور الفقراء في ليبيا أكثر، مما كان عليه الأمر.

حفظ الله ليبيا

حِــكايــةُ جـــلال

حكايات 1

جلال شاب ليبي، وكأي شاب، كان أفق الأحلام لا نهائي، لا حد له ولا سقف. عند باب الجامعة اكتشف إن المسافة بينه وبين حلمه بعيدة، بعد العام الأول، تأكد أن المسافة تزيد، وعلى عتبة الثانية: (حلمي مستحيل).

عند رؤيتك “جلال” للمرة الأولى، يخيل لك إنك أمام أحد التماثيل الرومانية، في تناسق الجسم وفورته، والأنف الروماني الصغير الحاد. يمشي بخطوات متباعدة، مستقيم الجذع، موجهاً نظره للأمام. وكونه أكبر أخوته، فكان أن قرر أن يهتم بأخوته الأصغر ويساعدهم، فيخصص ساعتين لمتابعة دروسهم ومساعدتهم في أداء واجباتهم.

وكأي شاب ليبي، عشق كرة القدم، ولعبها في الشارع، شجع فريق (اليوفنتس)، وتعارك مع جاره الذي يشجع (البارشا)، وقاطعه لأسبوع عقب هزيمة (اليوفي) وسخريته من أداء الفريق. لعب في دوريات شهر رمضان وكان مشهوراً بـ(باص العيون) وتسديداته القوية، لعب قليلاً مع أحد الأندية المحلية، وتركها لأن إدارة النادي لم تكن قادرة على تدبير وجبة لائقة قبل لعبهم في مباريات الدوري، بينما رأيس النادي يقود سيارة (ثمنها الشيء الفلاني).

تربى “جلال” في أسرة متوسطة الحال، الأم مدرسة والأب موظف، حاولا جهدهما توفير مستوى معيشي يلبي احتياجات أبنائهما الأربعة: جلال، انتصار، وائل، طه، بما يكفل حياة طيبة بعيدة عن التكلف. تسكن العائلة ببيت (عربي) ورثه الوالد، بحي شعبي.

عندما تخرج من الثانوية، لم يطالب “جلال” بهدية تخرج، انتشى بالدموع التي ترقرقت في عيني والدته، وضمة والده إليه بقوة كادت تجمع ذراعية بصدره. استعداداً، استغل العطلة الصيفية للعمل وتجهيز نفسه للدخول للجامعة، وبالتحديد كلية الهندسة، وبشكل محدد الهندسة الكيميائية.

“جلال” الشاب ليبي، وجد في النت الكثير مما يفتقده، لم يذهب وراء المغريات، منذ البداية كان هدفه من هذه الشبكة واضحاً، المعرفة. فكان وسيلته في التعرف إلى آخرين يشاركونه اهتماماته، ويبادلونه الخبرات العلمية والعملية، تواصل معهم.

نحن لا نتحدث عن شاب مثالي، بقدر ما نتحدث عن إنسان، كل همه تحقيق حلمه، حدد هدفه، ورسم خطاً مباشراً إليه. لم يهتم بالسياسة أو ما يمت إليها، حد إنه كان يترك أصدقائه حال الحديث عن سياسة البلاد، لكن قلبه كان يعتصر ألماً لما تعيشه البلاد من حالة تخبط، ولخبطة، لذا كان لا يبخل بجهده من أجل المساعدة والتحرك في البرامج التي يرى إنها تساعد على النهوض بالبلاد. على (الفيس بوك) دخل في حوارات كثيرة مع آخرين –لا يعرفهم- عن كيفية، الأخذ بيد “ليبيا” لتكون في مصاف الدول الراقية. كان يرى إنه بالعمل يرتفع شأن ليبيا، لم يوافق على الدعوات التي بدأت تظهر على الفيس للعصيان المدني، والتحرك من أجل الثورة.

الثورة، كلمة لم تخطر بباله، ولم يستطع عقله استيعابها، بحر من الأسئلة اضطرم داخله، لا يريد الهدوء، يضرب شواطئ قلبه، يزمجر في رأسه، لا يمل، وفي كل مرة يضرب أقوى. هل الثورة الحل؟، جمع في بضع ساعات أكثر من 250 تعليق، بين مناصر ومعترض، ثم لاحظ إن ثمة خطاً رفيعاً يقود لنقطة مبهمة، كان ثمة حركة –منظمة إلى حدٍ ما- بدأت على الفيس لمواجهة ما يثار. الشاب الهادئ البعيد عن المشاكل، وجد نفسه في عين الإعصار.

في مارس 2011 قبض على “جلال”، ولم تفلح دموع أمه في ثنيهم: ما تخافيش يا حاجة؟ شوية ويكون عندك!!. مضى شهر ولم يعد. جرّد الوالد ما يستطيع من معارف، وواسطات: مافيهاش كيف، ولدك كاتب في الفيس بوك كلام كبير!!!.

يصمت “جلال” عن الكلام، يزفرُ بقوةٍ قافزاً إلى لحظة خروجه من محبسهِ عند تحرير طرابلس. وكيف انضم للثوار. لم يمكث بين أحضان والديه وأخوته أكثر من يومين. اتجه بعدها صوب (سرت)، حاملاً سلاحه وبعض متاع. على حدود سرت كان المقاومة قوية، والهجوم عنيفاً: في اليومين الأولين ما قدرتش نطلق حتى طلقة وحده.. وبعدين تسرحت.

عندما تم القبض على (الطاغية)، كان في حالة هستيرية وهو ينقل لوالدته الحدث: شديناه يام.. الطاغية شدينااااااااه.. الله أكبر. انقطع الاتصال!!!.

يصمت “جلال” مرة أخرى.. تكمل والدته:

عند الباب وجدته جالساً، كنا بالخارج، احتضننا جميعاً، بكى كثيراً، وأبكى معه جيراننا.. في الداخل، سأل هل سريره مازال في مكانه، أجبته: نعم.

ليومين متتاليين لم يبرح السرير إلا لقضاء حاجته، نائماً يصارع في أحلامه جنوداً وحوادث، كنا نفزع، وحال وصولنا نجده سكن، إلا من صوت تنفسه العميق.. لم يتحدث عن فترة وجوده في (سرت)، كل ما فهمناه إنه خُدع في الثوار، وأنه لم يستطع إيقافهم وهو يقومون بـ(تمشيط) ما يقابلونه أمامهم، دون استثناء، يحملونه إلى بيوتهم، فسلّم سلاحهُ وعاد.

بشكل غير مباشر، حافظت على المسافة التي وضعها “جلال”، فهو الآن يميل أكثر للوحدة، يقسم وقته بين دراسته، وأخوته وما يقام من محاضرات تثقيفية. لا يشارك في التظاهرات ولا حتى انضم لثوار منطقة سكناه. بقدر الإمكان يحافظ على روتينٍ يومي، يضمن له مساراً هادئاً. عندما طُلبَ منه الحضور لاستلام منحة الثوار، اعتذر، وطلب عدم الاتصال به مرة ثانية.

قبل يومين من كتابة هذه السطور، تمكنتُ منه، جلسنا لأكثر من ساعتين، تحدثنا كثيراً تشاركنا قراءاتنا للواقع والأحداث، حلمنا، تمنينا، اتفقنا، اختلفنا.. قلت له: سأكتب عنك!!. ابتسم عند باب البيت، وقبل أن أقفل الباب، التفت إلي: أكتب، إن لليبيا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وأن الأشباه سينتهون عندما تسطع شمس ليبيا من جديد، في صبح ليس ببعيد.

ماذا يريد الليبيون؟

1

الكل يذكر هذا السؤال الذي أطلقه المقبور ذات شطحة، وكيف استطاع من خلاله أن يعيد تشتيت عقولنا وتمرير الكثير لسرقة الكثير، وشغلنا عن همنا في البحث عن إجابة لهذا السؤال، الذي ظل عالقاً بلا إجابة، لنه لم يكن له من إجابة، إلا اشتغالنا به!!!.

للحظة، دار بخاطري إن 17 فبراير كانت الإجابة على سؤال (ماذا يريد الليبيون؟)، في الخروج لغاية واحدة؛ هي الحرية وإخراج الطاغية وزبانيته من المشهد. لكني اكتشفت إن 17 فبراير المجيدة، كانت لإعادة ترتيب المشهد في شكله الصحيح؛ للإجابة على السؤال بشكلٍ حقيقي من بعد، وللعمل على تحقيقها دون زيف.

2

لازال السؤال بلا إجابة، أو ربما كان هو السؤال الذي لا إجابة له!!!، مع ظني أنه لا سؤال بلا إجابة، خاصة في عالم يعطيك من الخيارات ما يجعلك تحار أحياناً في الإجابة التي تحقق المعادلة. فبالرغم من أن الرياضيات تقول أنه ثمة حل وحيد للمعادلة –حتى وإن كان فئة عددية-، وأنه يمكن الوصول إليه بأكثر من طريقة، إلا أن الواقع يؤكد أنه للسؤال الواحد، ثمة أكثر من إجابة صحيحة. وسؤالنا يبحث عن إجابة وحيدة.

3

أهو بهذه الصعوبة؟.

أذكر إنه عندما خرج علينا الطاغية بهذا السؤال؟، انشغل الليبيون بالبحث عن إجابة لهذا السؤال، فعرضت نشرة الأخبار اجتماعات وندوات تحلق فيها المتخصص والباحث وغير الباحث وغير المتخصص، وركزت بشكل مباشر على وثائق العهد والمبايعة. كتب الكتاب وغير الكتاب مقالات وأعمدة وزوايا وصفحات أخيرة وغير أخيرة، مركزين على أهمية الفرصة الممنوحة لتقرير المصير. الصحفيون انطلقوا في الشوارع يبحثون على صفحات الوسط الملونة إجابة السؤال المعجزة، وأكد الجميع أهمية هذه الهبة والفرصة التي لا تتكرر إلا في البلاد الخضراء.

4

أم هو من السهولة بمكان، جعلنا فيه محصورين عاجزين عن استيعاب بساطته؟

لا أقول ببساطته ولا أؤكد صعوبته، ولكنه من نوع الأسئلة التي تربكك، بغاية إشغالك ومعرفة ما يمكن اقتراحه من إجابات. هذا السؤال بشكل خاص يذكرني بقصة كيس الفئران*، ولقد استطاع بكل جدارة أن يشدنا إليه أو يبقينا إليه أكثر مما توقع السائِل. لماذا؟، والسبب ببساطة لأنه من أسئلة الحلم، كأن يسألك أحدهم: ماذا تفعل لو أعطيتك مليون دينار؟، فتجد نفسك قد امتلكت العالم. لقد وضع الليبيون ما يمكنهم من أحلام وأماني إجابة لهذا السؤال، كل وضع حلمه الخاص ولم يلتفت كثيراً للحلم أكبر، ليبيا.

5

أعتقد جازماً أن الوقت حان للإجابة فعلياً على هذا السؤال، وحشد ما يمكن لإجابة عليه، حتى تكون الإجابة حقيقية جادة، كخطوة أولى لبناء بلادنا من جديد على قدر من المسؤولية والوعي بما نريد كأفراد لخدمة الإجابة الوحيدة لهذا السؤال. الإجابة التي كان الطاغية يحاول حجبها بعيداً عناً، وتشتيت أجزائها، وبعثرتها في أحلامنا الصغيرة، حد قتلها وتوزع دمها فينا، فكلنا يحمل من دمها ما يوكّله بدفع ديتها، والوقت حان لدفع هذه الدية، والعمل على جبر الكثير الذي أحدثه تخلينا عنها، إجابة كانت ستوفر علينا الكثير من الوقت والجهد، والدم.

إجابة واحدة تجعل من المعادلة صحيحة 100%ـ إجابة واحدة كانت تحقق المعادلة وتجعل منها معادلة قابلة للحل، والحصول على ناتج صحيح لا تخيلي، ينفتح على فئة صحيحة من الأحلام والأماني القابلة للتحقق، واقعاً نساهم كلنا فيه بنائه.

إجابة واحدة لسؤال لا يحتمل أكثر منها إجابة، كان الطاغية على ثقة من عدم قدرتنا على الوصول إليها، مثبتاً نجاحه في تدميرنا وحجزنا في الركن البعيد عنها، وقتلنا.

ماذا يريد الليبيًون؟

يريدون ليبيا.

_________________

* يحكى، أن أحد الحكام أراد اختيار رئيساً لشؤون الدولة، وبعد المشاورة وقع الاختيار على اثنين، وللمفاضلة اقترح الحاكم أن تقام مسابقة فيما بينهما. وفي اليوم المقرر للمسابقة، أعطى الحاكم لكل منهما كيساً يحتوي على مجموعة من الفئران، وطلب منهما الذهاب لمسافة والعودة، وعند وصولهما مقر الحكم، وعند سؤال الحاكم عن الأكياس، تقدم الأول ومد كيسه وكان فارغاً، فقال: لقد ثقبت الفئران الكيس وهربت، لكني حافظت على الكيس لأضعه بين يديك مولاي.

أما الثاني، فقدم كيسه وكانت الفئران لا زالت فيه، فسأله الحاكم، كيف فعلت؟، فأجاب: كنت كلما شعرت بهدوئها، أقوم برج الكيس بقوة، فتظل مشغولة ببعضها لبعض الوقت، وهكذا حتى وصلت بين يديك سيدي. فأوكل له الحاكم المنصب.