الاستعراض

 1

يرتبط الأول من سبتمبر في ذاكرتي بالاستعراض الذي كان يتم بميدان الشهداء (الساحة الخضراء سابقاً)، فقد كان من ضمن واجباتنا للوفاء بمتطلبات الدرجات في الكشافة، المشاركة في الاستعراضات التي كانت تقام في المناسبات الوطنية، لذا شاركت خلال حلقتي الأشبال والفتيان بشكل كبير، قبل دخولي لحلقة المتقدم حيث قلت مشاركاتي.

أرشيفية عن الشبكة

أرشيفية عن الشبكة

كان التجمع في العادة يكون بمفوضية الكشاف (أو مسرح الكشاف)، حيث تجتمع فرق الكشافة والمرشدات رفقة الفرقة الموسيقية. يقوم القادة بتنظيم الكشافين حسب الطول واكتمال اللباس الكشفي، والحلقات في مجموعات، وعندما تتعرف كل مجموعة على بعضها، وتأخذ ملاحظات القائد المشرف، تنقلنا الحافلات إلى نقطة الانطلاق والتي في الغالب ميدان الشهداء، أو طريق الشط.

حركة القادة ومثابرتهم تعكس حرصهم ورغبتهم في إظهار الاستعراض الكشفي بالصورة اللائقة، والذي يبدأ عادة بالفرقة الموسيقية، وهي فرقة نحاسية على درجة عالية من التدريب والكفاءة، يتلوها حملة أعلام المفوضيات والحلقات، ثم ترتيب الحلقات من زهرات وفتيات ومرشدات؛ أشبال، وفتيان، ومتقدم، وبحرية، ومن بعد الجوالة. هذا إضافة لمجموعات تحمل العلامات والمهارات الكشفية.

يستمر هذا المسير بعد مرورنا بالمنصة بشارع عمر المختار حتى معرض طرابلس الدولي، حيث ننعطف يساراً باتجاه مسرح الكشاف، المفوضية كما كنا نسميها، حيث نتجمع من جديد، وهذه المرة كل حسب فرقته. قبل عودتنا لمنازلنا يوزع علينا القادة قطع البريوش (البانينا) وعلب العصير (اليوغا) والماء.

2

الارتباط الشرطي الثاني، هو الأول من سبتمبر العام 1989، العيد الـ20. وقتها كنت في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، وطلب منا لاستلام نتائجنا المشاركة في الاستعراض الذي سيتم بهذه المناسبة، ولم يكن لي من مهرب، فكان علينا الحضور بشكل يومي للمدرسة، أو الثكنة (ثكنة أسد الثغور الثانوية – الصاعقة)، كما كانت تسمى المدارس الثانوية في ذلك الوقت. كان التطبيق العملي مع بقية المدارس بقاعدة معيتيقة، تحت إشراف “المهدي العربي”. زرنا القاعدة ثلاث مرات على ما أذكر، وكم كانت فرحتنا كبيرة، عندما سمعنا صوت “المهدي العربي” عبر مكبر الصوت:

– أحسن بعد، كردوس أسد الثغور، وروهم.

أما فرحة المدربين فكانت لا تقاس.

أرشيفية عن الشبكة

أرشيفية عن الشبكة

قبل موعد الاستعراض الأول من سبتمبر، وزعت علينا بدل عربية (زبون) لونها أخضر، إضافة لحذاء أسود، إذ علمنا إن الاستعراض سيكون بهذا الزي، لترسيخ مبدأ (الشعب المسلح)، أما البنات، وكما سُرب لنا، سيرتدين الزي الوطني: رداوات خضر.

في يوم الاستعراض، انطلقنا صباحاً، من مقر الثكنة بالحافلات، إلى معسكر يقع في نهاية شارع النصر، خلف العمارات. حيث تم تقسيمنا إلى كراديس، كل بحسب الثكنات ومن بعد وقفنا في طابور طويل:

– هيا انت وياه، كل واحد بيستلم كلاشن.

كانت الكلاشنات متربة، وبعضها عليه بقع دم، لذا كان علينا تنظيفها قبل، إجراء البروفا الأخيرة، البعض علق:

– هذا السلاح جاي من تشاد.

بعد الظهر، حملتنا الحافلات إلى طريق الشط، وتحديداً عند جسر أبوستة (كوبري القبة)، وجدنا أمامنا فتيات الثانوية، فاشتعلنا ودب الحماس، وانطلقنا نشاكس ونغمز، قبل أن يصرخ فينا الآمر:

– هيا أنت وياه يا مصايب.

بقينا في مكاننا لحوالي ساعتين أو أكثر، في انتظار دورنا، حتى حانت لحظة تحركنا، في البداية سرنا ببطء، ثم طلب منا فجأة الإسراع، وعلى هذه الوتيرة حتى وصلنا جسر الشعاب (كوبري الشعاب)، حيث بدأت الأوامر بالاصطفاف في صفوف، كل حسب مكانه، والمحافظة على المسافة، ووضع البندقية في مكانها.

ها هي (الساحة الخضراء) تلوح، كان الليل قد بدأ وقدرت إنه المغرب، كان آمر الكردوس، الآمر العسكري للثكنة، يتحرك كالنحلة، ومثله البقية. ثم توقفنا، وبدا إن الأمر وصل المرحلة الحرجة، وتحركنا في مشية عسكرية ثابتة كما تدربنا عليها، بانضباط وثبات، دخلنا من بين الأعمدة، مررنا من أمام المنصة، أضواء مبهرة، حجبت عنا من في المنصة، أصوات الفرق الموسيقية، مكبرات الصوت تصدح. كنا في شدة الانتباه خوفاُ من أي خطأ. حتى عبرنا المنصة وطلب منا الاستمرار، ومن بعد جاء الأمر:

– هيا أسرع.

يوم طويل، تعب وجوع، عدنا لذات المعسكر لإعادة البنادق التي استلمناها، حملتنا الحافلة لمقر المدرسة الثانوية. ومنها إلى البيت.

كان أبي وأمي في انتظاري، لم يناما بالرغم من أني وصلت متأخراً. لم أستطع تناول ما أعدته أمي من طعام، كنت أرى كل شيء من حولي أسرة وفرش، تدعوني للنوم. النوم فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.