حظر تجول

حظر تجول (الصورة: عن الشبكة)

يكثر الحديث مؤخرا عن ضرورة فرض حظر تجول كامل (24 ساعة)، كأحد الخطوات لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستحدث (COVID-19)، كإجراء احترازي، خاصة وإن دولا سبقتنا إلى هذا الإجراء، وهناك دول تدرس هذا الخيار.

شخصيا لا أقبل بهذا الخيار، أو أن يطبق هذا القرار في ليبيا، أو طرابلس التي أعيش فيها على وجه الخصوص، لمجموعة من الأسباب، وهي في الأصل وقائع نعايشها بشكل دائم.

كيف يطلب من مواطن يعيش بلا كهرباء (حاليا الكهرباء مقطوعة) أو مياه (منذ الأمس المياه مقطوعة، وليس لدي بئر) أن يلتزم بحظر كامل للتجول.

وهو المواطن الذي لا يستطيع أن يسحب مرتبه من المصرف، لشح السيولة واعتماده على البطاقة المصرفية، والتي تبيت في درج التاجر أكثر مما تبيت في جيب المواطن، بسبب ضعف التغطية.

هذا بفرض إن المرتبات تصرفُ في وقتها، وأنها لا تتأخر لأكثر من 3 إلى 9 أشهر، دون الأخذ في عين الأعتبار من رواتبهم لم تصرف منذ أكثر من 3 سنوات.

دون أن ننسى؛ أنه يتم الآن التجهيز لصرف مرتبات شهري يناير وفبراير للعام 2020م.

إنه ذات المواطن، الذي يعيش بين مطرقة التهجير والنزوح، وسندان استغلال المؤجِّر والتاجر. ولا يوجد من يدافع عنه، أو يضمن له حق الرجوع لبيته، أو يمنحه الأمل. يهرب من حاجة أسرته، ليسقط في حفرة بطاقة نازح.

دولة لا تملك بنية تحتية بأي شكل من الأشكال.

لا مواصلات عامة.

لا شبكة اتصالات جيدة، سواء محلية أو دولية، بالرغم من غلاء سعرها وضعف خدماتها.

لا شبكة انترنت يعول عليها، وهي كسابقتها غالية السعر وضعيفة الخدمة.

لا دستور.

لا قانون.

إن استيراد التجارب، وتطبيقها دون النظر إلى الواقع، أوقعنا وأوقع البلاد في الكثير من الأزمات، لحوالي 50 عاماً، عشنا فيها فئران تجارب، في معمل، تحكمه رغبات وأهواء الطبقة الحاكمة.

من يريد أن يطبق الحظر، ويستشهد بتجارب دول كبرى، أقول له وفر 10% مما توفره هذه الدول لمواطنيها، ومن بعد، يمكنه أن يطبق ذلك.

إن هذه الدول الكبرى، عندما تطبق حظراً تاماً للتجول، أو تقوم بعزل مدنٍ وآقاليم بكاملها، إنما تقوم بذلك خوفا وحرصا على مواطنها الذي يحميه الدستور، وحزمة القوانين، ولأن ذلك من حقه كمواطن، لأنه يقوم بتأدية واجباته، ولتثبت له قدرتها وإدارتها للأزمة.

بينما في حالتنا الليبية، الأمر مختلف تماماً، ففي غياب دستور وقوانين تحمي المواطن، يظل المواطن تحت سيف الواجبات التي عليه تأديتها، دون أن يكون له حق يطالب به.

عندما تقوم بلدية أو وزارة أو حكومة بفرض حظر تام للتجول (24 ساعة)، فليس ذلك خوفا على المواطن، إنما خوف من أن ينكشف عجزها وضعف آدائها، أمام العالم وأنها لا تملك من حولها شيئاً.

لذا فهي تحاول أن تصدر هذا العجز في شكل قرارات للمواطن، ليكون جاهزاً لتحمل صحيفة الاتهام التي ستعلق على صدره حال حدوث مكروه -لا قدر الله-.

كلي ثقة في وعي المواطن الليبي، أو الغالبية العظمى من هذا المجتمع، والذي تحمل وعايش الكثير من الأحداث، وتعاون وتعاضد وأثبت أنه مجتمع قوي وقادر على إحداث التغيير، لكنه الآن منهك ويحتاج بعض الراحة، قبل أن يقول كلمته.

ما وصل إليه الوضع في ليبيا الآن، هو نتيجة القرارات الارتجالية التي يتم اتخاذها دون وعي بحقيقة الأزمة أو المسألة، قرارات تعتمد على هوى وتبعية وخلفيات وحاشية من يصدرها!!!

أعرف أنه في الأزمات، تكون الأولوية للبحث عن حلول، لا النظر إلى الأسباب. وأن هذه الإجراءات تصب في هذا الاتجاه. لكني هنا أحاول ألا يحمل المواطن أكثر مما يطيق، في غياب تصور واضح لخطة عمل، يعرف المواطن موقعه منها وحدود حركته.

أخي المواطن…

الزم بيتك، حفاظا على نفسك…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.