خلال الفترة من 2003 إلى 2006م، صمت شهر رمضان كاملا بمكان عملي بشركة سرت، بمرسى البريقة، وخلال هذه السنوات الأربع، انحصرت أشهر رمضان المبارك ما بين شهري نوفمبر وسبتمبر. وكان الاتفاق، أن ألتزم بالعمل بموقع الشركة بمرسى البريقة طيلة شهر رمضان بالكامل وأيام العيد، مقابل إن أقضي عيد الأضحى مع أهلي في طرابلس. وهذا ما كان.
وأقول وكلي ثقة، أن هذه الرمضانات، وأقصد الشهور، كانت أفضل أشهر رمضان التي صمتها حتى كتابتي هذه الأسطر، كوني بدأت الصيام في سن مبكرة حوالي 1986/1987م، وكان في الصيف. وسبب في هذه الأفضلية؛ أن هذه الرمضانات الأربع، كانت ضمن مثلث: العمل، العبادة، القراءة. وكنت لا أخرج عنه. حتى في أحد الرمضانات التي قررت فيها وأحد الزملاء الاجتماع للإفطار بشكل يومي، لم أخرج خارج مثلثي الذي أفتقده الآن، وأحن إليه.
كان نظام العمل وطبيعة الحياة والسكن في مرسى البريقة تجعل من السهل الحفاظ على أي برنامج تقوم بعمله وتنفيذ، فكنت بعد الانتهاء من دوام العمل أتفرغ للعبادة والقراءة والكتابة، حيث أجتهد كل فترة النهار قدر ما أستطيع.
في المغرب، كثيرا ما أكون مدعوا للإفطار عند أحد الزملاء أو الأصدقاء الذين يسكنون صحبة عائلاتهم، وبالتالي يكون البرنامج؛ الصلاة في جامع شهداء البريقة، حيث تستقبلك الطاولات بأنواع التمور، وخلطات التمور، والحليب، واللبن، والماء والعصائر والفطائر.
ثم نتجه لداخل الجامع للصلاة، ومن بعد التوجه للإفطار، وتستمر الجلسة حتى صلاة العشاء حيث يطلق سراحي من أسر الكريم صاحب الدعوة، فنصلي العشاء والتراويح وأعود لحجرتي للنوم، للنهوض باكرا.
أما إذا لم أكن مدعوا وهو أمر قليل الحدوث، فإن الإفطار يكون في صالة المنطقة الأولى، باستثناء العام الذي صمته بالاشتراك مع أحد الأصدقاء، والذي قضيناه في بيت أحد الأصدقاء فكنا نجهز نصف الإفطار؛ الشربة ووجبة خفيفة، ونحضر النصف الثاني من مطعم الصالة؛ وفي الغالب بعض المشقشقات، وخبز وحلويات، وكان متاحا لمن يرغب الحصول على وجبة إفطاره قبل موعد الإفطار.
أذكر أن أحد الزملاء الأجانب، كان متوجسا خلال الشهرين الذين سبقا رمضان، وكان متململا بشكل واضح، فسالته عن السبب، فقال لي:
للأسف رمضان كما أعرفه هو شهر للعبادة، لكنه في ليبيا شهر النوم والكسل، وأنا أنتظر تجديد تأشيرتي، ولا أريد أن يحدث معي مع حدث سابقاً. حيث بسبب دخول رمضان تأخرت عن العودة لبيتي لشهرين متتاليين، فلم يكن أحد يداوم في الجوازات.
هذه الفكرة وجدتها عند أكثر الأجانب العاملين في ليبيا، فقد صارحني أحدهم ذات مرة: أنه الوحيد الذي يداوم بمقر العمل، يقوم بعمل القسم بكامله لوحده.
في أول يوم عيد بمرسى البريقة، أخبرني أحد الزملاء الأجانب، أن أترك مساحة للغداء، فابتسمت وأنا أتسائل، فرد:
سترى عندما نذهب للغداء!!!
وكوني لم أذهب لصلاة العيد، بسبب ظروف العمل، فعند الغداء ذهبت رفقة الزميل، لأكتشف السبب؛ فقد كان خط توزيع الطعام عامرا بمختلف أنواع الطعام أهمها؛ ديك رومي مشوي، خروف مشوي، قالب حلوى كبير جداً.
في هذه الرمضانات الأربع، عشت لحظات من الصفاء والتجلي أفتقدها بشكل كبير، حيث الخلوة، والتركيز، والوصول إلى درجات من الصفاء الذهني، خاصة أثناء قراءة القرآن الكريم، حيث أذكر أني في رمضان العام 2004م، كنت أختمه كل 3 إلى 4 أيام.
كما إن هذه التجربة، كنت بعيدا فيها تماما عن أي ملهيات، باستثناء الكتب والكتابة، عند أخصص بعض الوقت من النهار للقراءة، ووقت أقل للكتابة.
كانت عندما أذهب للعمل بمطار مرسة البريقة، أشعر وكأن أمتلك أجنحة، أعمل بنشاط واجتهاد، وأحيانا دون أن آخذ بعض الراحة، أو أن أبحث عن مكان لأخذ غفوة قصيرة.
وبالرغم من أنه أتيحت تجربة الصيام في أكثر من حقل موزعة في الصحراء، تظل هذه الرمضانات الأربع، تجربة مميزة، أتمنى أن تتكرر!!!
رأي واحد على ”رمضان مميز“