ليبيات 19.. العيد الحزين

 

العيد زمان

لعيد الأضحى في التقاليد والحياة الاجتماعية الليبية مكانة عزيزة، مقارنة بباقي المناسبات الدينية الأخرى، فهو شعيرة ترتبط بأحد أركان الإسلام التي لا يسطيعها إلا من نادته (مكة)1، وهو في ذات الوقت صورة من صور التضحية للتقرب من الله، لذا تجد المواطن الليبي يهتم كثيراً بهذه المناسبة حيث منحت اسم (العيد الكبير)2، ويبدأ بالتجهيز لها مباشرة بعد انتهاء (العيد الصغير)3، فقد يبدا بادخار المال لشراء الأضحيةـ أو أن يقوم بشراء خروف العيد والاحتفاظ به وتمقريسه4، حتى اليوم الموعود، عندما تجتمع العائلة حول ربّها، وهو يحمل في يده السكين، والكبش مسجاً تحته:

– شد الراس كويس.. تبته.. مانبوش ناكلوه جيفه.

– وانتا.. لما ندبح اطلق رجليه.

– باسم الله.. الله أكبر.. هذا عن عبدك……. وعائلته، تقبله يا عظيم.

لعيد الأضحى فرحة خاصة، فهو يعني اجتماع الأسرة أو الأسر مع بعضها لممارسة شعيرة مهمة في الدين الإسلامي، وهو صورة من صور التكافل الاجتماعي بين مكونات المجتمع الليبي، حيث التسامح والعفو عن الزلات والأخطاء وغفرانها، هو عيد تتلاقى في القلوب فبل الأيدي، الكل يبتهل فيه بالدعاء والتكبير. كان الارتباط كبيرا بين سكان الحي الواحد والمنطقة الواحدة، وكم من أسرة فتحت باب بيتها فوجدت أضحيتها مربوطة إليه. أعرف أحدهم، كان لا يقوم بذبح أضحيته حتى يقوم بذبح أضاحي من لا يمكنهم من أسر محتاجة، أو ممن لا يستطيع الذبح.

من أحد شوارع طرابلس

من أحد شوارع طرابلس

العيد فرصة

العيد الكبير فرصة للكثيرين للاجتهاد المعنوي والاقتصادي، فالكثير من النشاطات الاقتصادية لها علاقة بهذا العيد، خاصة في السنوات الأخيرة، إذ تتحول الكثير من الشوارع والميادين لخيم وبراكات5 وشوادر، لبيع مستلزمات العيد، من: السكاكين بمختلف الأحجام والبلطات، الحبال، قرمات اللحم6، أسياخ الشواء، رؤوس الشواء، أواني غسيل بطن الخروف، أكياس اللحم، أكياس القمامة، أدوات غسيل، مضخات هواء يدوية وكهربائية، مخاطيف تعليق الأضاحي، مواقد الشوي بمختلف أنواعها وأحجامها، الفحم، وغيرها من مستلزمات العيد.

كما يعرف عيد الأضحى بعض المهن التي ترتبط به، كمربي الأضاحي، وشاحذي السكاكين والبلطات، والجزارين الذين يظهرون فجأة في شوارع طرابلس، حاملين سكاكينهم صبيحة يوم النحر. أما مشوطي7 الرؤوس، فتجدهم يفترشون الأرض قريباً من شعلات النار. أما جامعي الجلود، فإنهم يأتون إليك، حيث تقوم سيارات نقل صغيرة بالتجوال بين الأحياء منادية:

– جلود .. جلود .. جلود.

تجمع الجلود، لبيعها لحسابها الخاص أو للتبرع لبعض الجهات الخاصة، وكنا في الحركة الكشفية نقوم على جمع الجلود والتبرع بها لصالح المؤسسات الاجتماعية.

عيد الأضحى1

عيد حزين

لسبب ما أرى الحزن مرسوماً على الوجوه، حتى وإن انشغل بالبحث عن أضحيته، فالمواطن الليبي حزين.

نعم، الحزن هو العلامة الواضحة على وجه المواطن الليبي، فالعيد لم يعد للبهجة أو للاحتفال، بقدر ما هو ذكرى وجع وألم، فها هو العيد الكبير الثاني الذي يمر على الليبيين بعد التحرير، والبلاد لا تشعر بالأمان، فإن كان عيد السنة الماضية ارتبط بقرار المؤتمر الوطني بالهجوم على (بني وليد)، فإنه هذا العام ارتبط بمحاولة الانقلاب الفاشلة على الشرعية باختطاف رئيس الحكومة الليبية، السيد “علي زيدان”.

في ذات الوقت، شهدت الأضاحي العام الماضي وهذا العام ارتفاعاً كبيراً في وغير معقول لأسعار الأضاحي، وهنا نخص الخروف الوطني8، الذي وصل سقف أسعاره لأرقام خيالية (حوالي 1000 دينار ليبي)، وهو ما يفوق طاقة المواطن الليبي العادي، الأمر الذي أجبر الكثير عن التخلي عن شراء الأضحية لهذا العام، ولهذا العام أيضاً.

– يا ودي.. بلاش منها الضحية العام هادا.

– وين مشيطين. بلاش منه العيد.

– أنا قعمزت مع العويلة وقلتلهم الفلوس اللي عندي ما يجيبوش خروف، شن رايكم تتقاسموهم.

– جهدنا الأسباني ولا الروماني.

لسبب ما، لا أفهم أصرار الليبيين على شراء أضاحي وطنية، بالرغم من ارتفاع سعرها، ربما لأنها قربى لله فهم يحاولن أن تكن قربى على ذات المستوى؟، أم إنها العادة؟. خاصة وإن الكثير من التجار –وهذا مالم يحصل من قبل-، قاموا بتوريد أعداد كبيرة من الأضاحي –الخراف- من إسبانيا ورومانيا، وهي بأسعار مناسبة مقارنة بالوطني.

في ذات الوقت، نشطت الكثير من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في حملات تبرع لتوفير الأضاحي للأسر المحتاجة. وهي صورة لم نرها بهذا الوضوح من قبل.

أكثر ما يحتاجه المواطن الليبي للشعور ببهجة العيد، هو الأمان والاطمئنان، خاصة وأن الظرف الحالي للبلاد لا يقدم صورة مبشرة بغدٍ أفضل. فكما قلت فإن هذا العيد تزامن مع اختطاف السيد “علي زيدان”، ومع موجة من الأخبار عن قيام القوات الأمريكية، بقصف لمواقع لجماعات ليبية مسلحة تحسب على القاعدة في شرق البلاد، وهو الخبر الذي يستقبلك به أي مهنئ بالعيد.

– سمعت؟؟.. ضربوا جماعة القاعدة في سرت ودرنة.

– منو؟!!!.

– الأمريكان.. من غيرهم!!!.

هذا دون أن ننسى ما يدور، وما يسرب من أخبار ،عن عزم الحكومة بالضرب على يد المجموعات والكيانات المسلحة الشرعية وغير الشرعية، وضرورة انضوائها تحت مظلة وزارة الدفاع والعدل والداخلية. وهو ما نبه إليه السيد “علي زيدان” رئيس الحكومة عقب اختطافه، من أنه على الجميع الانتباه، لأن الخطة الأمنية المقبلة ستكون دامية.

أما الشيء الثابت في العيد في طرابلس، هو سمة الهدوء التي تعرفها شوارع المدينة. فخلال أيام العيد الثلاث، تعرف حالة من الهدوء والسكون بسبب مغادرة البعض لها باتجاه مدنهم وقراهم التي ينتمون إليها، ومغادرة البعض للضواحي حيث الاستراحات الخاصة. من بقى في المدينة، فهم يفضلون السكون إلى البيت والجلوس مع الأهل أو الالتقاء في بيت العائلة.

العيد يخبرني الكثير، لكني أكتفي.

*

حفظ الله ليبيا

________________________________________

1- في الموروث الليبي إن مكة أو الحج ينادي صاحبه، وعليه انتظار هذا النداء للذهاب للحج.

2- العيد الكبير: هو عيد الأضحى، وسمي بالكبير لارتباطه بالحج وكون الإنسان عليه التضحية فيه.

3- العيد الصغير: وهو عيد الفطر، وهو عيد اللباس.

4- التمقريس: كلف الخروف والاعتناء به وتسمينه.

5- البراكة: الكوخ الصفيح.

6- القرمة: خشب التقطيع، وهو في العادة جذع شجرة مقطع في حلقات.

7- التشويط: الحرق، والمقصور تنظيف رأس الخروف عن طريق الحرق.

8- الخروف الوطني: الخروف الذي ينتمي للسلالة الليبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.