ماذا لو لم تحتلنا إيطاليا؟

1

كثيرا ما يقابلني على الفيسبوك منشورات تمجد المستعمر الإيطالي، وتدين له بالفضل في بناء الكثير من المباني وخاصة في طرابلس، وبنغازي. المثير للاستغراب أن بعض هذه المنشورات ذهبت للقول؛ بأن الحاكم الإيطالي بالبو أخلص لليبيا أكثر من ساستها الذين حكمها!

2

في اتصال بالدكتور، على عبداللطيف حميدة، على هامش حوار أجريته معه لصالح موقع بلد الطيوب، حول كتابه (الإبادة الجماعية في ليبيا)*، الممنهجة من قبل المستعمر الإيطالي. صدمت من حجم الجرائم التي ارتكبها المستعمر الإيطالي في ليبيا، حتى إن هذه الجرائم كانت المنهج الذي اعتمدته النازية مع خصومها. من الإعدامات إلى المعتقلات، إلى النفي.

3

السؤال هنا؛ هل أخلص الفاشي الإيطالي لليبيا حقا؟

يمكن القول بذلك، والأهم معرفة سبب هذا الاهتمام!

والسبب، أن إيطاليا كانت ترى في ليبيا امتدادا لها، فهي الشاطئ الرابع التي تحقق أحلامها التوسعية والاستيطانية، فكان أن دفع بآلاف المستوطنين الإيطاليين، في المقابل مارس خطط إبادة ممنهجة لتفريغ الأرض من سكانها. أما المباني والمرافق التي عمل على بنائها فهي في جانبها الأول؛ جزء مما يحتاجه هو لتنفيذ خططه واحتواء موظفيه، ومن جانب ثاني؛ محاولة لصبغ المدينة بالصبغة الإيطالية، وأخيراً؛ جزء من الدعاية لإظهار مدنية المحتل وإقناع المستوطن بأن ليبيا هي الفردوس.

4

المستعمر الإيطالي، لم يبني ليبيا وينمي مزارعها ويمد الطرق، محبة في الليبيين، إنما رغبة في تملكهم، ومن قبلهم تملك ليبيا، وتحويل هوية البلاد، لتكون نسخة عنه.

ليبيا حتى العام 1911م، كانت تصدر بها حوالي 14 مطبوعة، بعد صدور قانون المطبوعات في 1907م. وعندما جاء المحتل، أوقف كل هذه المطبوعات، وعمد إلى إيقاف النشر باللغة العربية، واعتماد اللغة الإيطالية، وإيقاف كل الأنشطة الثقافية. هذه الإجراءات اتجهت للتشديد عقب تولي الحزب الفاشستي الحكم بداية من العام 1922م.

5

سؤال: من كان سيبني طرابلس، إن لم تأتي إيطاليا؟

للإجابة على هذا السؤال، لابد لنا من فرضية، عدم دخول الدول المحتلة إلى بقية الدول العربية والأفريقية والأسيوية، لأن السياق التاريخي للأحداث لا يمكننا من عزل حالة لوحدها وإقامة فرضيات للحكم على أساسها!

وعلى كل حال!

طرابلس أو ليبيا بشكل عام، كانت تتوفر على بنية تحتية توافق عصرها، وتتماشى مع محيطها، كما إن الخطوات المسار التاريخي للأحداث يشي بوجود وعي وطني كبير، ولا أدل على ذلك من الحراك الفكري والسياسي الذي اضطلعت بها مجموعة من قيادات البلاد، توجت بإعلان الجمهورية الطرابلسية (1918م). كما إن حركة الجهاد الليبي عكست وعي الليبيين وفهمهم لغايات المستعمر.

وبالتالي، فإن ليبيا كانت ستبني (بإذن الله) ضمن السياق التاريخي للمنطقة، سواء بوجود المحتل أو بدونه!


* علي عبداللطيف حميدة (الإبادة الجماعية في ليبيا) عن دار روتليدج – مجموعة تايلور وفرانسيس، 2020.

تصدر الترجمة العربية للكتاب خلال هذا العام بإذن الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.