عقب إعلان (تالف القوى الوطنية) تعليق عضويته بالمؤتمر الوطني العام، يوم أمس، علقت في حائطي على الفيسبوك: (قد ﻻ أتفق مع قرار تحالف القوى الوطنية وتوقيته.. لكنها الشرارة التي ستطلق فتيل مواجهة حقيقة الوضع في ليبيا وضرورة حلحلته باتجاه إعﻻن الدستور وبناء دولة المؤسسات دون إطالة الطريق أكثر). لكني هنا سأحاول المضي أكثر.
توقيت
من المعلوم لدى الجميع، ما شهدته مدينة طرابلس -العاصمة- من أحداثٍ خلال الأيام الماضية من استخدام مفرط للسلاح، من قبل بعض المجموعات المسلحة، والمحسوبة على أحد القبائل التي عرفت بوقفها القوي والواضح في ثورة 17 فبراير، وما نتج عن هذا الاستخدام من ضحايا وأضرار مادية. ناهيك عن حالة عدم الاستقرار التي مازالت تعيشها المدينة حتى اليوم، وأكبر دليل، طوابير السيارات على محطات الوقود.
وكنا شاهدين على الاتهامات التي وجهت للتحالف، وقصدت بشكل مباشر السيد “محمود جبريل” متهمة إياه بإدخال البلاد في حالة فوضى مسلحة، كرد فعلٍ مباشر على العزل الذي طاله، بعد إقرار المؤتمر الوطني العام له. بينما هناك من رأى إنه بعد أن تم إزاحة “محمود جبريل” جاء الوقت لضرب جناحه العسكري بالزج به في مواجهة من الشارع الليبي.
هذه الاتهامات انتقلت من صفحات الفيسبوك إلى أروقة المؤتمر الوطني، وصار الاتهام علنياً لأعضاء التحالف به، الأمر الذي دفعهم للركن القصي.
الأمر السبب الثاني في رأيي لاختيار هذا التوقيت، قرب انتهاء فترة عمل المؤتمر الوطني العام، وعجزه عن الإيفاء بواجباته والوصول إلى الدستور.
أمر ثالث، وهو يعتم على تحليل شخصي، هو ما حدث في مصر من انهيار كبير لحزب (الإخوان المسلمون)، والتفاعل الشعبي في ليبيا المؤيد للشعب المصري، وما يدور في الشارع من سيطرة الإخوان الأخطبوطية، فكان التوقيت ملائماً لترك الإخوان الممثلين في حزب (العدالة والبناء) لمواجهة حقيقية مع الشارع الليبي، بمعنى: ها نحن انسحبنا، وتركنا الإخوان يصولون ويجولون، فكيف سيسيرون بالأمر.
مأزق
إن انسحاب التحالف من المؤتمر، يجعله في مواجهة حقيقة مع الاستحقاقات المطلوبة منه للمرحلة القادمة، فالتحالف ككتلة هي الأكبر في المؤتمر، كان من المفترض أن يكون لها الثقل الأكبر، لكن الحقائق تقول إن هذه الكتلة لم يكن لها هذا التأثير، خاصة بعد أن صوت لها اكثر الشعب الليبي، وتحالف أعضاء المؤتمر ضدها، في محاولة للتثبيط من فاعليتها.
هذا المأزق، لم يصنعه التحالف، ولم تصنعه الأحداث الأخيرة التي مرت بها ليبيا، إنما التهاء أعضاء المؤتمر والأحزاب والتكتلات في محاولة الاستفادة الشخصية من المتاح دون النظر لمصلحة البلاد، أو الاهتمام بقضايا البلاد وحلها، وساد من جو من العمل المحتقن بين أعضاء المؤتمر، جعل من أهم الاستحقاقات الممثلة في الإعلان الدستوري أمر مؤجل.
إن الموطن في ليبيا، يعي تماماً ما يدور في أروقة وحجرات المؤتمر الوطني، والصراعات التي تحاول بعض الأطراف إشعالها، وهو على استعداد لحمايته، لكن المؤتمر لم يتفاعل بالشكل المطلوب مع المواطن، ولم ينظر إليه.
مواجهة
المؤتمر الوطني العام، هو الآن في مواجهة حقيقة مع الشارع الليبي، هل بإمكانه -بعد تخلي تحالف القوى الوطنية- الوقوف بشجاعة ومواجهة ما يطلب منه، في فترة الشهر المتبقية، أم إنه سيطلب فترة تمديد قد لا تكون كافية للإيفاء بالتزاماته، كما حذر التحالف في مؤتمره الصحفي الأخير، مشيرا إلى تجربة تونس.
المواجهة لم يصنعها التحالف بتعليق عضويته أو انسحابه، إنما صنعها المؤتمر في ذاته وفي أعضائه. وعليه التفكير في خريطة طريق للمرحلة المقبلة، خاصة وإن الشعب الليبي ينتظر بشوق قيام دولته المدنية، في وجود وفرة في السلاح، وسيطرة بعض المجموعات المسلحة على بعض مفاصل القرار.
خروج
علينا الاعتراف إن (تحالف القوى الوطنية) يملك من الفطنة مفاتيحها، ويعرف كيف يسير بثقة، فهو لم يترك الباب مفتوحاً على الاحتمالات، إنما وضع خلفه خريطة طريق مقترحة، في ظني هي الأقرب للمنطقية والعقلانية للخروج إلى بر الأمان. بمعنى إم التحالف لم يعلق عضويته إما ترك ورقة يقول فيها: ستجدونني هنا. هو لم يخن أمانة الأصوات التي دفت به، كما ألمح البعض، إنما هو يحمل المسؤولية، ويضغط على النزف بقوة لإيقافه.
*
حفظ الله ليبيا