الثمانينات

خلال المدة الماضية، عرضت قناة (ناشيونال جيوغرافيك-أبوظبي)، برنامجها (الثمانينات)، والذي يسجل وثائقياً لأهم أحداث عشرية الثمانينات، على جميع المستويات والاتجاهات. والحقيقة أني تابعت هذه السلسلة أكثر من مرة، كون القناة أعادتها أكثر من مرة ضمن خطتها البرامجية.

هذه السلسلة بقدر ما تسجل لعشرية، وتعرض لأهم محطاتها، فهي في ذات الوقت تحيلك من حيث لا تدري إلى مقارنة ما كان يجري ويحدث عالمياً وواقع ما كنت تعيشه، وتحديداً موقعك الجغرافي، والإقليمي، وبالتالي تتكشف أمامك الكثير من الأمور والحقائق.

وهذا ما حدث معي تماماً، خاصة وأنا أتابعة الإعادة الأولى للبرنامج خلال العام 2014، ووجدتني أعيدها مع أول إعادة بداية العام الحالي 2015.

إذ تكشف لي بوضوح وجلاء مقدار الجفاف الثقافي الذي عشناه، خلال فترة الثمانينات في ليبيا، كوطن، ومقدار العزلة التي كنا نعيشها كمجتمع عما يدور من حولنا عالمياً. ورغم حداثة سني خلال هذه الفترة، إلا أني كنت ألاحظ الفرق وأحسه، عندما أكون خارج الوطن، في (مصر) على سبيل المثال. ففي النصف الأول من الثمانينات تعرفت إلى مجلة (ماجد)، التي شدتني إليها بقوة، فلقد كانت مختلفة تماماً عما عرفته من مجلات كـ: الأمل، عرفان (تونس)، وسعد (الكويت)، ولم يكن ينافسها حقيقة إلا مجلة (سامر). كما أن لهذه المجلة الفضل في تعرفي إلى عمي “رجب الوحيشي” صاحب مكتبة (المعارف). ففي منتصف الثمانينات كنت أدرس المرحلة الإعدادية بمدرسة (أحمد رفيق المهدوي) الكائنة بمنطقة (الضهرة)، والقائمة على السور الجنوبي لمقبرة (سيدي بوكر)، وكنت وأصحابي نقوم يوم الأربعاء من كل أسبوع بالتوجه مباشرة عقب انتهاء الدراسة إلى مكتبة (الضهرة) حيث “عمي نصر” للحصول على عدد “ماجد” الأسبوعي، وفي الكثير كان من الصعب الحصول على العدد يوم الأربعاء، لذا نتوجه إلى كشك الجرائد الذي كان بميدان (القادسية)، وفي الغالب نقصد مكتبة (المعارف)، وإن لم نجد المجلة، والوعد بحجز نسخنا في حال وصول العدد متأخراً، وهو ما كان يتحقق بشكل دائم، نمر في طريق عودتنا على كشك المجلات والجرائد بـ(فشلوم) والذي كان منصوباً أمام (الجامع الكبير). عند زياتي لـ(مصر) في الثمانينات كنت أحصل على نسخي من المجلات بمجرد أن يطلب أبي من بائع الجرائد والمجلات الجوال إحضارها.

من الحقائق التي عرضت خلال الوثائقي (الثمانينات) وأدهشتني، أن العام 1982 شهد ولادة الأقراص الليزرية (Compact Disk). والتي عرفناها لاحقاً في التسعينات.

أجهزة الستيريو الشخصية (Walkman)، ظهرت في بداية الثمانينات، ولم أملك واحداً إلا في التسعينات. كذلك الحواسيب الشخصية (Personal Computer)، عرفت منافسة حادة، ولم يكن نصيبنا منها إلا (صخر).

ما زلت أذكر كيف كان الشباب الأكبر سناً، يتبادلون شرائط الكاسيت الأجنبية بطريقة قريبة من السرية، وكيف كانوا يسمعونها في مجموعات، وكيف ظهر رقص البريك دانس، وكيف استضاف شباب الشارع مجموعة من الشباب يأدون هذا النوع من الرقص.

كان العالم من حولنا يتغير، ويتطور ويتحول، ونحن نراوح في مكاننا، محاطين بدفاعات قوية ضد هجمات الإمبريالية، والرأسمالية، والعدو الصهويني، والغزو الثقافي الذي تقوده أمريكا بقيادة “ريغان”. كانت الأسواق المجمعة محط اهتمام الليبيين، ومركز استقطابهم، بعد أن اختفت الدكاكين، والـ(كوكوبرنج) البسكويت المفضل لدي. كانت الشكلاطة والمستكة والحلوى، هي هدايا من يعود من رحلة تأخذه لأحد البلاد العربية أو الأجنبية، وبمناسبة السفر كانت بعض الدول دون غيرها وجهة الليبيين خاصة الشباب، ونقصد: تشيكيا وهولندا، وكانوا يسافرون في مجموعات أو في صحبة من شخصين.

الثمانينات.. كنا في الجانب المظلم من العالم.

هل لديك اسطوانة حريق في بيتك؟

 

هل تملك اسطوانة إطفاء حريق في سيارتك؟

هل تملك اسطوانة إطفاء حريق في بيتك؟ وبشكل خاص في المطبخ؟

قد تكون إجابة السؤال الأول بـ(نعم) عند العديد، وهذا يجرنا لسؤالٍ آخر:

هل أنت متأكد من فاعلية هذه الاسطوانة الموجودة في الصندوق الخلفي لسيارتك؟ أو تحت الكرسي الأمامي؟

متى تفقدت الاسطوانة آخر مرة؟

هل استخدمتها من قبل؟

وإن كان؛ هل قمت بتعبئتها؟

أما بخصوص السؤال الثاني، فأنا متأكد إن الإجابة للغالبية العظمى ستكون (لا). مع إنه خلال الفترة الماضية سجلت الكثير من حوادث احتراق المنازل والمقار وغيرها، وكان من الممكن السيطرة عليها في حال وجود اسطوانة إطفاء للحريق قريبة، أو وسيلة مّا مساعدة.

في هذه التدوينة، سوف نقوم بمراجعة سريعة لبعض النقاط المهمة، والتي نرى فيها فائدة عظيمة لو صرفنا بعض الوقت للقراءة والاطلاع، وحتى تعم الفائدة الجميع، تم تحويل هذه التدوينة لمنشور، يمكن تحميله وتوزيعه (من هنا).

***

أنواع الحرائق

للتفريق بين أنواع الحرائق، وتحديد مصدرها وطبيعتها، تم تصنيف الحرائق إلى:

  A احتراق المواد الصلبة المألوفة مثل الخشب، القماش، الورق … الخ

  B احتراق المواد السائلة القابلة للاشتعال مثل النفط، الزيوت، الكحول … الخ

  C احتراق المعدّات الكهربائية أو أي حريق تدخل فيه الكهرباء.

  D احتراق المعادن مثل الماغنيزيوم، الألومنيوم، الليثيوم …الخ

K احتراق الزيوت النباتية والدهون (خاصة حرائق المطابخ)

وهذه الحروف هي التي نجدها على اسطوانات الإطفاء، والتي من المفترض أن تكون موجودة في السيارة، والبيت وبشكل خاص في المطبخ، وغرفة الخزين، ومرآب السيارة، وهي متوفرة في عبوات ذات أحجام تلبي مختلف الأغراض، وفي الفقرة التالية سنتناول أنواع أسطوانات الأطفاء.

أنواع اسطوانات الإطفاء

أولاً : مطفأة حريق بالماء ( Water ) :

 هي عبارة عن اسطوانة معبأة بالماء تحت ضغط غاز خامل، تستخدم في إطفاء حرائق من نوع ( A ) وهي المواد الصلبة كربونية الأصل مثل؛ الأخشاب والأوراق والأقمشة والبلاستيك وغيرها، وذلك لتوفر خاصية التبريد في الماء ولسهولة تسرب الماء داخل مسام هذه المواد.

ملاحظة هامة :

– لا تستخدم مطفأة الماء في إطفاء حرائق الأجهزة والمعدات الكهربائية المتصلة بالتيار الكهربائي الحي (C).

– لا تستخدم مطفأة الماء في إطفاء حرائق الزيوت والشحوم (K).

 ثانياً : مطفأة حريق بثاني أكسيد الكربون ( Co2 – Carbon dioxide ) :

هي عبارة عن اسطوانة من الصلب ثقيلة الوزن وتصدر صوتاً قوياً عند استخدامها، معبأة بغاز ثاني أكسيد الكربون تحت ضغط عالي ليصبح غاز سائلاً، يعمل على خنق اللهب وتبريد درجة الحرارة. تستخدم مطفأة Co2 في إطفاء حرائق من نوع ( B ) وهي مواد بترولية سريعة الاشتعال مثل البنزين والجازولين والدهانات وجميع الزيوت البترولية، كما تستخدم مطفأة Co2 في إطفاء حرائق من نوع ( C ) وهي الحرائق الكهربائية مثل الأجهزة والمعدات الكهربائية.

ملاحظة هامة :

– لا تستخدم مطفأة Co2 في إطفاء حرائق من نوع ( A ) وخاصةً الورق والأقمشة وذلك لكونه يزيد في تطايرها.

 ثالثاً: مطفأة حريق بالبودرة الجافة ( Dry Powder ) :

هي عبارة عن اسطوانة معبأة بالبودرة الكيميائية الجافة، وهي الأكثر استخداما لكونها تلائم جميع أنواع الحرائق؛ حيث تعمل على عزل سطح المادة المشتعلة عن الأكسجين ومن ثم إخماد الحريق.

 ملاحظة :

– يوجد أنواع من المساحيق مخصصة لنوع معين من حرائق المعادن ولا تستعمل إلا في الحالات الخاصة فقط.

رابعاً: مطفأة حريق بالرغوة ( Foam ) :

 هي عبارة عن اسطوانة معبأة بمواد عضوية، تنتج رغوه بخلطها بالماء والهواء ودفعها بواسطة غاز ثاني أكسيد الكربون المضغوط داخل اسطوانة صغيرة، لتعطي السائل الرغوي كمادة لإطفاء الحريق وهي تعمل على عزل سطح المادة المشتعلة عن الأكسجين والتبريد لاحتوائها على الماء.

ملاحظة هامة :

– لا تستخدم مطفأة الرغوة في إطفاء حرائق من نوع ( C ) وهي حرائق الأجهزة والمعدات الكهربائية المتصلة بالتيار الكهربائي الحي وذلك لاحتوائها على الماء.

 خامساً: مطفأة حريق  بالهالون BCF 1211 :

ملاحظة هامة :

لا يفضل استخدام هذا النوع، لأن الأبخرة الناتجة عنه سامة وتؤثر على مستخدميها وخاصه في الأماكن المغلقة، والهالون هي أبخرة السوائل المخمدة من الكلور والفلور والبروم وكلها غازات سامة وتؤثر على طبقة الأوزون. وهي ممنوعة عالمياً.

سادساً: مطفأة حريق بالبودرة الرطبة ( Wet Chemical ) :

 هي عبارة عن اسطوانة معبأة بمواد عضوية كيميائية تنتج الرغوة بواسطة التفاعل الكيميائي ودفع الرغوة بواسطة الضغط الناتج عن التفاعل؛ يفضل استخدم مطفأة البودرة الرطبة في إطفاء الحرائق من نوع ( K ) وهي حرائق ناتجة من زيوت الطهي النباتية أو الشحوم والدهون الحيوانية.

ملاحظة هامة :

– لا تستخدم مطفأة البودرة الرطبة في إطفاء حرائق من نوع ( C ) وهي حرائق الأجهزة والمعدات الكهربائية المتصلة بالتيار الكهربائي الحي.

 FireExti_04

تتوافر هذه الأسطوانات في عبوات تبدأ من 1 كيلوجرام، وحتى أكثر من 12 كيلوجرام، للاستخدام الداخلي، وهي في العادة مزودة بحاضن أو أداة تعليق. وهي أيضاً مميزة ببعض العلامات كالألوان والحروف.

 FireExti_02

والآن بعد هذا العرض يمكننا الوصول للنتيجتين التاليتين:  

1- أن النوع الملائم لأكثر أنواع الحرائق من اسطوانات الإطفاء؛ هو البودرة الجافة، ومن بعد غاز ثاني أكسيد الكربون.

2- عبوة 1 كيلوجرام، هي حجم مثالي لتكون موجودة في السيارة، والمطبخ للاستخدام السريع. أما عبوة 2 كيلوجرام فيمكن أن تكون بمرآب السيارة أو غرفة الخزين.

FireExti_01

***

استخدام اسطوانة إطفاء الحريق:

بالنظر لأسطوانة الإطفاء، وتحديداً للمقبض، نرى إنه في تركيبه يشبه المقص في مقبضين يعتمدان على نقطة محورية، الاختلاف إنه يتم تأمين حركة الضغط (القبض) من خلال مسمار أمان، يتم سحبه عند الحاجة لاستخدام الأسطوانة.

الأمر الثاني هو ترك مسافة بينك وبين منطقة الحريق للأمان، والتركيز على قاعدة اللهب عند توجيه سائل الإطفاء.

 FireExti_05

صيانة وفحص اسطوانة إطفاء الحريق:

المقصود هنا، هو أعمال الفحص التي من المفرض القيام بها، لضمان أن المطفأة سليمة وأنها جاهزة للاستخدام عند الحاجة، وهذا الفحص يفضل أن يكون بشكل دوري، شهرياً على أقل تقدير:

 FireExti_03

1- الوضع الخارجي للأسطوانة لابد أن يكون سليم، بدون أي تشوه، وأن تكون منافذ النفث خالية من الشوائب. وأن مسمار الأمان في وضعه الطبيعي.

2-  لابد أن يكون مؤشر الاسطوانة في المنطقة الخضراء، فإذا كان المؤشر خارج هذه المنطقة، فهذا يعني أنّ ضغط الهواء إما منخفضاً، أو أنّه أعلى من اللازم، وفي هذه الحالة المطفأة غير صالحة للاستخدام.

في حال شككت في اسطوانة إطفاء الحريق، يفضل استشارة مختص في ذلك.

نصائح وإرشادات عامة:

1- تركيب أجهزة الإنذار المبكر من الحريق، أو أجهزة كشف الدخان. وثمة أنواع بالسوق المحلي تعمل بالبطارية كوحدة مستقلة.

 جهاز كشف الدخان

2- النظافة والترتيب عاملان أساسيان في الوقاية. كما إن التهوية الجيدة أحد أهم عوامل الوقاية.

3- عدم تحميل الأسلاك الكهربائية فوق طاقتها. وضرورة فصل التيار الكهربائي عن الأجهزة بعد استعمالها. من 4- المهم الاهتمام بصيانة الأجهزة وتوصيلات الكهربائية.

5- التدريب على استخدام طفايات الحريق وعمليات الإخلاء.

6- إبعاد مصادر اللهب عن المواد القابلة للاشتعال.

7- نقل مخلفات العمل إلى الأماكن المخصصة لها.

نصائح وإرشادات لربات البيوت

1- في حال الاشتباه بتسرب غاز الطهي؛ سارعي بتهوية المطبخ بفتح النوافذ والأبواب، وإياك واستخدام أي جهاز كهربائي أو استخدام مفتاح الكهرباء لإضاءة المصباح.

2- سيكون من الجيد استخدام منشفاً مبللاً لوضعه على رأس اسطوانة الغاز، في حال لم يتم السيطرة على التسرب.

 FireExti_06

3- يُمنع منعاً باتاً رش المياه في داخل القدر إذا اشتعلت فيه النار. المياه ستؤدي إلى انتشار اللهب وزيادة خطورة الحريق.

4- يفضل استخدام بطانية أو غطاءً غليظاً، أو منشفة مبللة، لإطفاء حرائق المدافئ الغازية أو الفحمية. وحتى احتراق الأشخاص.

الحافظ ربي

حكايات ليبية

في يومٍ ما من عام 2010، في مكانٍ ما من مدينتي طرابلس، كان هذا الحوار على هامش دعوة لافتتاح مكانٍ يفترضُ أن يكون مقراً دراسياً وتدريبياً، وبعيداً عن البقية انتحيت بصاحب الدعوة وهو المسؤول:
– معليش بنسألك؟
= تفضل يا عزيزي
– توه بيني وبينك، مقتنع بالمركز اللي صرفت عليه هاديك الحسبة؟
= كيف مقتنع!!!، يعني؟
– تعرفني صريح، ومش حنجاملك…
= شن فيه، قول!!!
– يعني شوف المبنى مش مصمم ليكون مركز تدريبي، لأنه في الأصل فيلا سكنية وحضرتك جيت وأجرتها وهندستها، باش تلايمها.
= وباه
– لكنها مالايمتش!!!
= يا راجل؟؟؟
– يعني خلي نعطيك ملاحظتين بسيطات، لكنهم مهمات.
= هات الأوله
– مخارج الطوارئ، وينها؟، وإنت تعرف أهميتها..
= والتانية
– وخيرك فت الأوله؟
= لأني ماللخير!!! ما عنديش ليها كيف!!!
– أما التانية، فهي منظومة مكافحة الحرائق، أو اكتشاف الدخان. مش موجودة ولا مش دايرها في حسابك؟؟؟.
= هاهاها، لا هادي فاتاتك يا بطل!!! ركز وإنت تشوف طفايات الحريق في كل دور وفي كل فصل!!!
– لا يا باشا، شفت الطفايات، لكن مشم معنى إنك معلق طفايات إنك قضيت على الحرائق!!!
كيف؟
– يعني بفرض إنه شب حريق، من حيستخدم الطفايات؟، بالك تقولي المتدربين!! لأنهم أكيد حيكونوا أول الخارجين من المركز، لسلامتهم، مع إنه مافيش مخرج طوارئ. يعني المفروض اللي قوم بعملية الإطفاء الموظفين بتاعين المركز!!! وهكي لازم يكونوا متدربين على استخدام طفايات الحريق، وتمييز الحريق، وقبلها يكونوا مدربين على التصرف في حالات زي هادي.
= شوف يا زعيم، لو كاتبلها بنتحرق، لا منظومة و غير منظومة بيشد قضا ربي. خاليها سايره والحافظ ربي.

*** * ***

تذكرت هذه القصة، وأنا أخوض والزملاء في الحديث حول حريق سوق الثلاثاء. وبالمناسبة المركز بطريقة ما يتلقى دعماً حكومياً.

*

حفظ الله ليبيا
______________________________________
بدأ حريق (سوق الثلاثاء) ظهيرة الأمس 19-01-2014، وبعد إعلان القضاء على الحريق، عاد مرة أخرى في الليل متأخراً، واستمر حتى صباح اليوم. معظم الأقوال ترجع الحريق لسببين: الأول؛ التماس كهربائي بالمخبز الكائن بالدور الأرضي، والثاني؛ حريق ناتج عن محاولة لحرق أكوام القمامة خارج سور السوق.

وطنٌ عربيٌ واحد

تستدعي ذاكرتي في هذه الأيام، وبشكلٍ كبير، ذكرياتي طفولتي الأولى ومرابع صباي بمنطقة (تقسيم التواتي) بـ(حي المنشية – شارع بن عاشور)، وبشكل خاص العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط سكان الحي. والذين شاء القدر أن يكونوا خليطاً محلياً وعربياً وأجنبياً، تعايش في سلام، ورسم مشاهد لازلت في ذاكرتي، ولن تغيب.

وأعتقد إن سبب اقتناعي بالقومية العربية، وحقيقة الوحدة العربية، والوطن العربي الواحد من المحيط للخليج، هو حينا الذي كان يضم تشكيلة عربية، أثرت في كثيراً، كوننا لم نلاحظ أي فرق يمارس على هذه العائلات، بل على العكس كانت مقدمة دائماً، ومحترمة بشكل كبير. وكنت أجد متعتي في اللعب مع أبنائهم ممن في مثل عمري، ومتعة خاصة هي الطعام. لذا ربما كنت الوحيد من سكان الحي من الأولاد، ممن تقبل الأكلات العربية المختلفة، دون أن يقول:

–          رز باللبن!!! تي كيف تاكل فيه؟؟؟

فالبيت الملاصق لبيتنا، شغلته عائلة مصرية، كان الأب مدرساً للغة الإنجليزية بمدرسة (علي وريث الثانوية)، والأم مدرسة للتدبير المنزلي بمعهد (الشيماء) ، وذقت وذاق الجيران من يديها، أحلى أنواع الكيك والحلويات، إضافة للملوخية والكشري، وطاجن الباميا.

البيت التالي، كانت تشغله عائلة لبنانية، من بعلبك. الأب كان محاسباً، والأم ربة بيت بامتياز. كان المقدوس والخيار المخلل لا ينقطع، إضافة للمربيات، والزيت وزعتر. أما أشهى الأكلات والتي كلما أتيحت لي الفرصة لطلبها لا أتردد، فهي (الشيشبرك)، دون أن أنسى التبولة، والحمص، والكبه، وعرايس اللبنة.

ثلاث عائلات مصرية –أخرى- كانت تسكن الحي، والعائلات الثلاثة رغم انتسابها لمصر إلا إنها توزعت جغرافياً، فالأقرب كانت من مدينة القاهرة، كان مذاق الطعمية عندهم مميزاً، إضافة لطبيخة البازلاء. والثانية من الفيوم، كانت مميزة في طريقة طهي للفول المدمس، والرقاق. والثالثة، من الإسكندرية، إبداع في شي الأسماء، وطهي أرز الصيادية.

كنت وابن العائلة الفلسطينية –جيراننا- الأكبر، يجمعنا الاهتمام بالابتكار والاختراع. كانت المقلوبة طبقي المميز، وإن حضر المسخن، فذلك يعني التخمة. أما ورق العنب، فكنت أعجب من طريقة جارتنا، في صنعه وصفه بطريقة هندسية، تبهر كل من يراها.

أما لو أراد أحدهم، قياس مستوى احتماله للحار، فما عليه إلا بالهريسة التونسية، والتي كانت جارتنا مبدعة فيها، إضافة للكسكسي، وتستطيرة الكفتاجي.

كانت شرفة العائلة السورية التي تسكن قبالتنا، بهجة للنظر، وبالمناسبة جارتنا هي من اقترحت اسم اختي الثالثة. كانت الشرفة تتزين ببرطمانات المربى والمخلل، قبل سحبها للداخل، كانت جارتنا تتركها تبرد، على رفٍ في الشرفة قبل سحبها للداخل. كان طبقي المفضل شيخ المحشي مميزاً، والكبة أكثر بهاراً، خاصة الكبة باللبن.

***

كانت هذه العائلات تعيش في تنغم مع بقية العائلات والأسر الليبية في الحي. تعايش الجميع وكأنهم أسرة واحدة، لا فرق بين أفرادها، وإن اختلفت لهجاتهم وجغرافياتهم.

في المسجد القريب، كان الجميع يسجد في ذات الوقت، ويبتهل بذات الدعاء. وكان الحزن واحداً في خيمة العزاء، فهو مصاب الجميع، أما الفرح، فكان يوحد الجميع في حلبة الرقص، ويميز زغرودة جارتنا المصرية –حفظها الله-.

في رمضان، كنت ترى أطباق الذوقة تنتقل بين بيوتات الحي، وفي العيد تكتشف كم التنوع الحلوياتي على طاولة المطبخ، ولم أكن لأخطئ المعمول الفلسطيني، والكحك المصري.

***

الطريف في هذا الحي، إنه كان يشاركنا فيه عائلات أجنبية، من إيطاليا، والباكستان.

العائلة الإيطالية غادرت باكراً، أما العائلتان الباكستانيتان، فكانتا مميزتان، فالعائلة الأولى، كان رب الأسرة فيها يعمل مدرساً تقنياً في معهد (السبعة)، وكان المستشار الفني للجيران، خاصة أصحاب سيارات البيجو. وكان أرز البرياني الذي تعده زوجته لذيذاً وفواحاً.

العائلة الثانية كانت الأكثر اختلاطاً بعائلات الحي الليبية، فكانت ربة البيت تقوم بزيارة بيوت الحي الليبي كل عشية، يرافقها كوب الشاي بالحليب، كبير وساخن. وكان ابنها “شازو” يشاركنا اللعب في ساحة الحي. وعندما غادرت هذه العائلة الحي باتجاه بريطانيا، ودعها الجميع، وقررت هذه العائلة أن تخص كل بيت بقطعة من أثاثها، فكان نصيبنا، جهاز بيك أب. وبالمناسبة جارتنا الرائعة هذه، كانت مميزة في خبز النان، والشباتي.

***

كانت هذه العائلات تساهم في بناء ليبيا، من خلال المهام والوظائف التي كانت تؤديها، والتي كان الليبيون في حاجة إليها، فكان منهم المدرس، والمحاسب المتخصص، والفني، والأستاذ الجامعي، والطبيب، والخبير القانوني، والمهندس. عاشوا بيننا، وقاسمونا لحظاتنا وقاسمناهم لحظاتهم. ولم نشعر باختلافهم عنا.

***

في اللقاء القادم، سيكون الحديث عن العائلات الليبية.