حكايات الأزمة – 1 (الزحمة والطابور)

حكايات ليبية

الأزمات والحوادث، تغير البعض/الكثير من عادات المجتمع وأنماطه الحياتية. فالظرف الذي تخلق الأزمة يجبر المجتمع على إيجاد وسيلة للتعامل معها، أو طريق لحلها أو للتغلب عليها، ويكون هذا التغير على مستويين؛ مستوى عام: شعبي، مجتمعي يكون في شكل تصرف أو سلوك عام. ومستوى خاص: يخص الفرد في ذاته أو من تضعف دفاعاته، أو من تعينه على التغلب عليها بطرقه الخاصة.

وللأزمة بعدين؛ أول يعود سلباً على المجتمع، فقد يفككه، ويضر بعلاقاته الاجتماعية، وثاني إيجابي، قد يزيد من ترابطه وتعاونه، لتجاوز المحنة.

الزحمة والطابور

أذكر إني عرفت الزحام والطوابير، بشكلٍ مبكر، فمنذ الثمانينات كان كل شيء بالطابور، فوقفت في طوابير الخبز (عالكوشة) في راس حسن، وفشلوم، وسوق بن عاشور. وطوابير الأسواق المجمعة، والجمعيات، والمنشآت، خاصة منشأة الألبان التي كان أحد مراكز توزيعها في نهاية الشارع حيث نسكن. أما أجمل الطوابير والتي لم أتأفف مرة في الوقوف فيها طابور منشأة الألعاب، فكان علي الوقوف في الطابور لشراء بدلة رياضية (توته)، أو لشراء مضرب كرة تنس، أو لشراء سيارة تتحرك بجهاز تحكم، أو محاولة الحصول على طائرة.

وأعتقد إن وصلنا لدرجة من النظام، أنه يتم كتابة قائمة بأسماء الموجودين بالطابور بترتيب الأسبقية، في بعض الحالات، كما حدث معي مثلاً في لجنة الكشف بغرور، حيث عند الخامسة صباحاً وجدت أمامي حشداً، سحبني منه صوت أحدهم:

  • سجل اسمك هني!!!

ومد لي قطعة كرتون، تعود لصندوق، رأيت بقيته يستعملها صاحب الصوت فرشاً للجلوس على الرصيف.

أكثر الطوابير كانت على الأسواق المجمعة، فبعد بدايتها المبشرة، والتي كانت فيها المواد موزعة ومصطفة في أقسام وعلى الرفوف، خلت فجأة، وتحول إلى مجرد باب يفتح عند التاسعة صباحاً، يتداعك (يتزاحم) عنده الليبيون في محاولة للحصول على حصتهم من الشكاير (الأكياس)، وأنت ونصيبك، فأنت تقف منذ الصباح، محتملاً الزحام والتدافع والروائح من أجل كيس مجهول المحتوى، على سؤال:

  • زعمة شن بيوزعوا اليوم؟؟؟!!!

ومن المعتاد، أن يتحول الطابور إلى دعاك (زحمة) في أقل مما يمكن للعقل استيعابه لحظتها، فيكفي اختراقٌ مّا أو رغبة جامحة من أحدهم، ليتكدس الطابور عند الشباك أو الباب، وهذا ما كان يحدث في طابور المقصف بالثانوية، أو عندما تريد قضاء مصلحة ما في جهة ما.

عن الشبكة

عن الشبكة

ويطرق باب ذاكرتي اللحظة، طابور (بار حفرة) بشارع (بن عاشور) مقابل جامع (سيدي عبدالغني)، حيث تنزل الدرجات الخمس وتنتظر دورك للوصول للباب الضيق، حيث تشاهد بوضوح ليان التن (حوض)، الذي اختلط فيه التن بالطماطم بالهريسة، والخبز المشقوق المرصوص على الرخامة. وكيف تتحرك يدي عمي “الدهماني” بسرعة ورشاقة. تأخذ فردتك (شطيرتك) وتنطلق صاعداً الدرجات، لتتكئ على القرقطون (الحاجز الحديدي) متلذذاً بمذاق أشهى نص تن (شطيرة تن) في طرابلس.

كما خطر اللحظة، وقوفي في طابور طويل بمنطقة (ميزران) بوسط المدينة رفقة الوالد، للحصول من أحد المعامل على قلوني رمان، وقلوني روزاطة، وأظنه كان في رمضان.

في هذه الأيام، ومنذ أحداث ووقائع 17 فبراير، عرفنا في طوابير البنزينة. طرابلس بشكل خاص عاشت ومازالت تعيش أزمة أسمها البنزين، حيث تصطف السيارات عند الشيلات (محطات الوقود)، واحدة وراء الأخرى، ساكنة وادعة، وحيدة، فأصحابها في العادة يجتمعون في جروبات (مجموعات)، للهدرزة (الحديث) والتقصقيص (السؤال). ولأن وقت الانتظار غير مقدر، يطولا ولا يقصر، فإن المكياطا (القهوة المضغوطة) لا تجدي ولا تغني من عوز البطن، فيتحول كوفِنو (الصندوق الخلفي) لأحد السيارات، إلى مطبخ لطهي صنجرة مكرونة مبكبكة، أو عمل شرمولة.

إبان فترة الأحداث، كانت طوابير البنزينة تستمر لأسبوع، وكان التنسيق أن يغادر البعض على أن يترك السيارات في عهدة من يتطوع بالبقاء، على أن يتم التناوب فيما بينهم، أو أن يتم التناوب على السيارة بين أخوين أو صديقين.

في هذه الأيام، الأمور تحسنت، ففترة الانتظار أقلها ساعتين، وأكثرها ست ساعات، وتختلف من موقع لآخر. وبمدى قوة السيطرة على محطة التزود.

على ذات المستوى، تأتي طوابير المصارف، فعن نفسي، حتى تاريخ كتابتي لهذه الأسطر، لم أقم بالسحب من الأول من أغسطس، فعادتي أن أسحب المرتب بعد يوم 20 حيث تكون المصارف أقل ازدحاماً، لكن الأحداث الأخيرة جعلت من المصارف حالة لا يمكن وصفها، ففي المصرف الذي أتبعه، الطابور يمتد خارج المصرف لأكثر من 20 متر، ومن المتوقع أنه بعد انتظار الساعات أن تفاجأ بأن المنظومة توقفت، أو أنه لا سيولة، أو أن يحدث شجار قد يدفع إدارة المصرف إلى إقفال الأبواب.

الشيء الجميل في حكاية الطابور الليبية، أنه ثمة طابور تريس (رجال) وطابور نساوين (نساء)، ولم أشاهد أي حالة من حالات التعدي على هذه الخصوصية الجنسية طيلة حياتي الطابورية. الأمر الآخر، هو احترام كبار السن والمرضى والمعوقين، بمنحهم الأسبقية في قضاء حوائجهم.

ولأنها ليبيا، ولأنه شعب ليبي، ستجدني أفتح حواراً مع جيراني في الطابور، لعلمي أنه حالما بدأنا، لن تكون هناك كلفة، وسينساب الحديث دون حدود أو سقف. وستفرش كل الأوراق.

الشعب الذي أبهر العالم

ليبيات 44

نعم أبهرنا العالم، وعلى مر العصور كنا البلد والشعب الذي تخصص في إبهار العالم، من أول (من ليبيا يأتي كل شيء عجيب)، مروراً بارتدادنا لأكثر من 10 مرات، وصولاً ثورة 17 فبراير المجيدة. ولو تفكرنا قليلاً في أنفسنا، لأبهرنا أنفسنا، دون شك.

ولعل حالة الإبهار التي لازمتنا هذه، جعلتنا ننظر للأمور بشكل مختلف، ومغاير عن الآخرين، الأمر الذي يجعلنا نقف على مسافات مختلفة، ومواقع مغايرة عما يراه الأخرون، ويتفقون حوله. ولنا في التاريخ الكثير من الأمثلة، وليس أقرب للاعتبار من انتفاضة الشعب الليبي، في ثورة شعبية أطاحت بنظام القذافي، دافع فيها الشعب عن حقه وحلمه، وبذل من الدماء الزكية الكثير. وعلى غير المعتاد فشلت كل محاولات القذافي لضرب الليبيين من الداخل وإضعافهم، وتفريقهم، فهو كلما دفع باتجاه التفرقة، كان الشعب أكثر التحاماً، واتحاداً وتضحية، فالشعوب الأصيلة والعميقة ثقافياً، تنزع لا إرادياً للتكافل، والدفاع عن لُحمتها.

وانتصر الشعب، وأُعلن التحرير، وخرج الليبيون إلى الشوارع فرحين مهللين بالنصر، يشكرون الله، والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذه اللحظة التاريخية، التي سوف لن ينساها التاريخ، وستظل في الذاكرة الليبية.
وفي الي الحظة التي ظن فيها العالم إن ليبيا تدخل عهداً جديداً من العدالة والحرية والبناء، بعد ما قدم من دعم ومساندة، فاجأناه بتحولاتنا غير المتوقعة، والتي أكدت إننا لم نكن نقف على ذات المسافة من هدفنا، ولم نكن على ذات الموقع. وما أستطيع قوله، إن الهدف كان من القوة بهيث شغلنا عن قراءة مواقعنا ومعاينة مسافاتنا، لم نراجع، لقد حجّمت الحماسة الكثير من المواقف والأخطاء، التي كانا سنستفيد منها كثيراً لو وقفنا عندها، وسارعنا بحلها، دون تجاوزها.

وما زلنا نبهر العالم.
لقد تحولنا من ليبيا الهدف إلى ليبيا الغنيمة، ليبيا المكسب وما نستطيع الحصول عليها منها.

كنا نقول: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
فانهزمنا أمام أنفسنا، ورفعنا الراية البيضاء سريعاً وعالياً، وتركناها تقودنا في الوحل وتخوض بنا بركه الآسنة.

كانت ليبيا واحدة، كيفما جئتها تلقاها (ليبيا).
لكننا حولناها إلى ليبيات، ووجهنا السلاح إلى صدورنا، وضغطنا الزناد.

كان هتاف (دم الشهداء.. ما يمشيش هباء)، يرتفع إلى عنان السماء، فيهزها.
صار الدمُ الليبي، أرخص من الرصاصة التي تُهرقه، وصارت (الشهيد) كالبضاعة الصينية، متوفرة ورخية، ولا تعمّرً طويلاً.

كان الانتخاب عرساً رقص فيه الجميع، وتفاخر بأصبعه الأزرق عالياً.
لنكتشف أن اللعبة أكبر منَّا، فجلسنا نتفرج.

في لحظة ما، ضاعت من ذاكرتنا، رأينا ليبيا مختلفة، أكثر بهجة وإشراقاً وبناءاً ونهضة.
وفي لحظة ما، لم تضع بعد، نحنُ على عتبة التمني، بالعودةِ للخلف.
*
الأملُ في الله أكبر
حفظ الله ليبيا

تعليق حول.. خبر ضلوع (مصر والإِمارات) في القصف الجوي

خلال اليومين الماضيين، تناقلت وسائل الإعلام المحلية بشكل خاص والعالمية تصريحاً عن وزارة الدفاع الأمريكية، تعتقد فيه أن من نفذ الهجوم الجوي على مواقع قوات (فجر ليبيا) هما مصر والإمارات، انطلاقاً من قواعد مصرية. ثم تأتي السفارة الأمريكية أمس في مصر لتصرح بقولها: لا نعتقد أن مصر شاركت فى قصف ليبيا، ولا أعتقد إن السفارة الأمريكية ستخرج من تلقاء نفسها، لتعلن هذا التصريح، بدون علم الخارجية الأمريكية، وموافقتها. هذا في ظل أخبار وتقارير عن حرب بالوكالة، وتنازع قوة إقليمية من خلال قوى ليبية على الأرض.

وحتى لا يفهم من كلامي أني أقف على الطرف الآخر، من أي حدث أو تعليق أو حوار، أو أني أنحاز إلى جانبٍ ما، فأوضح:

أني أولاً، لا أدعي المعرفة بالسياسة وشؤونها، وما اهتمامي بالشأن السياسي إلا تفاعلاً مع ما عاشته ليبيا من أحداث، بداية من انطلاق ثورة 17 فبراير المجيدة. ثانياً، أني رجل منطق، أقرأ الأمور في: معطيات – عمليات – نتائج. بالتالي أعتمد كثيراً على قراءة الوقائع، وإخضاعها لميزان ما يتوافر من معلومات لإثبات النتائج التي يتم التوصل إليها. وتأسيساً على هذه المبادئ، أعلق:

– أن قيام دولتي مصر والإمارات بتنفيذ هذه العملية العسكرية، أمر غير مبرر، ولا يمكن تفسيره في ظل ما يطرح من تأثير بعض الشخصيات الليبية، في المشهد الإماراتي والمصري، لإقناعهما بتنفيذ ضربات جوية محددة الأهداف، لحساب أحد أطراف الصراع. كما إنه لو ثبت هذا الأمر، فيمكننا الرد من خلال القنوات الشرعية، ومحاسبة الدولتين أمام جميع الأمم، وتحميلهما مسؤولية هذا التصرف.

 

– أنه في حال قيام كل من مصر والإمارات بهذه العملية العسكرية، من الصعب تصديق عدم علم المجتمع الدولي، وأمريكا بشكل خاص بها، أو إنها لم تلاحظ أي تحرك عسكري في ظل تواجد أجهزة مراقبتها بالمنطقة.

 

– تأسيساً على النقطة السابقة، إن مسرح العمليات من الصعب تغطيته بأي شكل من الأشكال دون كشف، وليس من السهل توفير أي شكل من أشكال التغطية، لتقوم طائرات بتنفيذ عمليات على عمق أكثر من 1500 كيلومتر داخل الأراضي الليبية. إذ ستكون الطائرات بحاجة لدعم لوجستي، خاصة التزود بالوقود، الذي لابد أن يكون تم عن طريق صهاريج طائرة، والأمر الذي يحتاج لتنسيق سيكون من الصعب عدم رصده على موجات الراديو، على أقل تقدير.

 

– لأن هذه الطائرات لن تجازف، بالهبوط في أي قواعد ليبية، خاصة في الضربة الجوية الثانية، مخافة كشفها. وهذا ما يدحض فرضية استخدام أي مهبط ليبي للتزود بالوقود.

 

– كما إن فرضية مباركة المجتمع الدولي لهذه العمليات، أو تكليف أي طرف بتنفيذها، ومن بعد إقحامه في مواجهة الحدث، أمر خطير وسيجر الكثير من التبعات، خاصة وإن تصريح وزارة الدفاع الامريكية (يعتقد) ولا (يجزم). وهو أيضاً ما ألمحت إليه المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية عندما غردت عبر التويتر (تعليق اليوم بشأن ليبيا، كان يُقصد به الإشارة إلى دول أشارت تقارير إلى مشاركتها، وليس التحدث إليها).

 

– كما إن مصر لن تجز بمواطنيها في مواجهة أعمال انتقامية، كردة فعل مباشرة لتنفيذها هذا العمل.

 

– مسألة أخرى، وهي مسألة استراتيجية. أنه لو كانت كل من مصر والإمارات هما من قام بهذا العمل، فإنه يعكس مدى ما تملكاه من مقدرة استخباراتية وعسكرية لتنفيذ عملية عسكرية، على هذا القدر من الاحترافية، وهو أمر يدعو للفخر. فإن إسرائيل لن تتوانى عن القيام بأي عمل لضرب هذه القدرة، التي تعني إنها هدف مكشوف، خاصة من مصر التي تشترك وإياها حدودياً. وهو مؤشر لبيان طبيعة من قام بتنفيذ هذه العملية، إذ إن كل ما يمس أم دولة إسرائيل من قريب أو بعيد، لا يمكن السكوت عنه أو تركه، ولنا في التاريخ شواهد.

في ظني، إن المسألة ليست بالسهولة التي يمكن على عقولنا، أو عقلي الصغير –بشكل محدد- استيعابها. فالأمر أشبه بسلسلة من التفاعلات الانشطارية، التي يمثل فيها تفاعل انشطاري، بداية تفاعل جديد. لأن المسألة الليبية تطورت بشكل غير متوقع، ففي اللحظة التي أعلن فيها التحرير، كانت تفاعلات وأحداث موازية، جعلت من المشهد في ليبيا يتحول ويتسرب في أكثر من اتجاه ومسرب. وهو أمر يراقبه العالم بشكل حذر، والأهم بالنسبة إليه الوصول لحل يضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، لذا من الواجب أن ينبع الحال من الداخل، بجلوس الجميع إلى طاولة الحوار، لأن الحوار وحده هو الحل، لأن التدخل الأجنبي سيكون تأثيره سلبياً في المشهد، مالم يكن مرتبطاً بمهمة محددة ومؤقتة.

*

حفظ الله ليبيا

20 – 8

ليبيات 43

1

كنا نقوم بمراجعة جدول التشغيل عندما صاح أحد الزملاء:

– قصدكم اليوم 20-8 !!!

– نعم !!

لينخرط زميلنا في البكاء، ولم نجد من مفرٍ، إلا أن نشاركه حزنه.

2

في خضم الأحداث التي تمر بها طرابلس، نسينا يوم 20-8. اليوم الذي خرج فيه سكانه علنين تحريها، شارعاً شارعاً، وحياً حياً، ومنطقةً منطقة. في هبة سخر الله لها من المقادير أن أنزل السكينة في قلوب ساكنيها وهم يحلون صيامهم في الـ20 من رمضان، ويبتهلون لله بالدعاء أن ينصرهم، لينطلقوا تسبقهم أهازيج النساء، والتكبيرات (الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، ولازلن أذكر مشهد أحد الجارات، وهي ترفع علم الاستقلال من شرفتها، مهللة ومكبرة، والشباب عند ناصية الشارع لتأمينه.

ومن ألطاف المولى أن ألهم الله قائد كتيبة (امحمد المقريف) المكلفة بتأمين وحماية طرابلس، بإعطاء أوامره بتفريق الجنود، مما سهل الأمر على شباب طرابلس، إلا من بعض المحاولات التي باءت كلها بالفشل، عندما ظن بعضهم أنه بإمكانه إسكات صوت الحق.

3

كانت آخر ضربات الناتو في طرابلس بتاريخ 17-8-2014، عندما أنزل منشوراته قبلها بيومين عن نيته ضرب بعض المواقع، التي كان أحدها قريباً من بيت، وضرورة الابتعاد عن محيط المواقع حفاظاً على حياة المدنيين.

كان الحديث هادئاً بيني وبين أحد الأقرباء، عندما صمت قليلاً قبل أن يعلق:

– الصورة أمام عيني سوداء!!!

– …….

– معركة طرابلس، لن تكون سهلة.

– ربك في الوجود.

– كتيبة امحمد ليست سهلة، وستدافع حتى آخر رجل، والدم لن يترك أحد.

– ……… (محاولاً تشتيت الصورة التي بدأت بالتكون أمام عيني).

وعلقت:

– قل لن يصيبنا، إلا ما كتب الله لنا.

4

22 رمضان/ أغسطس*:

عند ساعات الصباح الأولى وصلت الدفعة الثانية من ثوار الجبل ودخلت (ميدان الشهداء) ملتحمة من ثوار طرابلس، وأهاليها، وها هو “عبدالعظيم محمد” مراسل الجزيرة، يبث أول مراسلاته من (ساحة الشهداء) بقلب العاصمة الليبية (طرابلس). لم تكن (ساحة الشهداء) الهدف، إنما الوصول لمعقل الطاغية في (باب العزيزية).

– شن الأخبار عندكم.

– لا إله إلا الله، المجرم يقصف فينا من باب العزيزية.

في (بن عاشور)، حيث منزل العائلة، كانت تصلنا أصوات معركة (باب العزيزية)، تتوقف لدقائق لتعاود الرشاشات زمجرتها، والمدافع دويها ودكها لأسواره. بعد صلاة العصر دوى انفجار قوي، كانت أحد قذائف الهاون سقطت قريباً من حينا.

– آه، شن الأخبار؟

– شنو، الضي قاعد ماجاش.

– الضي مش مشكلة، المهم تتحول هالغمة.

5

يمر أمام عيني الآن شريط طويل من الأحداث والذكريات، كيف عايشت هذه بداية الثورة في (مرسى البريقة)، ومعايشتنا للحظاتها الأولى وبنغازي تنتفض، ترقبنا لمعركة البريقة الأولى، وخروجنا لتحية الأبطال العائدين يحملون نصرهم لنا، مغامرة خروجنا من (مرسى البريقة) ورحلة عودتنا الطويلة إلى (طرابلس)، وكيف شملتنا رعاية المولى عز وجل منقذتنا مما تعرضنا له في بوابات التفتيش. محاولاتي البسيطة أنا وزوجتي للتوعية بأهمية هذه الثورة، وحقيقتها، ودحض ما يروجه إعلام القذافي، أو محاولاتنا الصغيرة للتبرع لدعم الثوار. الدعاء بظاهر الغيب لـ(مصراتة)، والثوار بالنصر المؤزر. اللحظات الأولى لتدخل الناتو في طرابلس، ليلة 20-8/ 20 رمضان. وصول الثوار من خارج طرابلس، فرحة التحرير يوم 23-8، خروجنا كل ليلة للشوارع للممارسة فرحنا علانية. أحلامنا وأمنياتنا، بأن ليبيا ستكون أكبر مما تستطيع أحلامنا. فرحة التصويت للمؤتمر، وكيف بدأ المشهد يتغير، وانسحاب اللون الوردي منه. حتى تاريخ اليوم 22-8-2014، أصوات القذائف تأتي من كل اتجاه، ولم يعد في طرابلس، من مكان بعيدٍ عن قذائف المتصارعين. توقف.

*

الأمل في الله أكبر

حفظ الله ليبيا.

________________________________

* من مقال بعنوان (فجر عروس البحر) نشر بصحيفة فبراير، وعلى الرابط (هـــــنـــــــا)