خلال اليومين الماضيين، تناقلت وسائل الإعلام المحلية بشكل خاص والعالمية تصريحاً عن وزارة الدفاع الأمريكية، تعتقد فيه أن من نفذ الهجوم الجوي على مواقع قوات (فجر ليبيا) هما مصر والإمارات، انطلاقاً من قواعد مصرية. ثم تأتي السفارة الأمريكية أمس في مصر لتصرح بقولها: لا نعتقد أن مصر شاركت فى قصف ليبيا، ولا أعتقد إن السفارة الأمريكية ستخرج من تلقاء نفسها، لتعلن هذا التصريح، بدون علم الخارجية الأمريكية، وموافقتها. هذا في ظل أخبار وتقارير عن حرب بالوكالة، وتنازع قوة إقليمية من خلال قوى ليبية على الأرض.
وحتى لا يفهم من كلامي أني أقف على الطرف الآخر، من أي حدث أو تعليق أو حوار، أو أني أنحاز إلى جانبٍ ما، فأوضح:
أني أولاً، لا أدعي المعرفة بالسياسة وشؤونها، وما اهتمامي بالشأن السياسي إلا تفاعلاً مع ما عاشته ليبيا من أحداث، بداية من انطلاق ثورة 17 فبراير المجيدة. ثانياً، أني رجل منطق، أقرأ الأمور في: معطيات – عمليات – نتائج. بالتالي أعتمد كثيراً على قراءة الوقائع، وإخضاعها لميزان ما يتوافر من معلومات لإثبات النتائج التي يتم التوصل إليها. وتأسيساً على هذه المبادئ، أعلق:
– أن قيام دولتي مصر والإمارات بتنفيذ هذه العملية العسكرية، أمر غير مبرر، ولا يمكن تفسيره في ظل ما يطرح من تأثير بعض الشخصيات الليبية، في المشهد الإماراتي والمصري، لإقناعهما بتنفيذ ضربات جوية محددة الأهداف، لحساب أحد أطراف الصراع. كما إنه لو ثبت هذا الأمر، فيمكننا الرد من خلال القنوات الشرعية، ومحاسبة الدولتين أمام جميع الأمم، وتحميلهما مسؤولية هذا التصرف.
– أنه في حال قيام كل من مصر والإمارات بهذه العملية العسكرية، من الصعب تصديق عدم علم المجتمع الدولي، وأمريكا بشكل خاص بها، أو إنها لم تلاحظ أي تحرك عسكري في ظل تواجد أجهزة مراقبتها بالمنطقة.
– تأسيساً على النقطة السابقة، إن مسرح العمليات من الصعب تغطيته بأي شكل من الأشكال دون كشف، وليس من السهل توفير أي شكل من أشكال التغطية، لتقوم طائرات بتنفيذ عمليات على عمق أكثر من 1500 كيلومتر داخل الأراضي الليبية. إذ ستكون الطائرات بحاجة لدعم لوجستي، خاصة التزود بالوقود، الذي لابد أن يكون تم عن طريق صهاريج طائرة، والأمر الذي يحتاج لتنسيق سيكون من الصعب عدم رصده على موجات الراديو، على أقل تقدير.
– لأن هذه الطائرات لن تجازف، بالهبوط في أي قواعد ليبية، خاصة في الضربة الجوية الثانية، مخافة كشفها. وهذا ما يدحض فرضية استخدام أي مهبط ليبي للتزود بالوقود.
– كما إن فرضية مباركة المجتمع الدولي لهذه العمليات، أو تكليف أي طرف بتنفيذها، ومن بعد إقحامه في مواجهة الحدث، أمر خطير وسيجر الكثير من التبعات، خاصة وإن تصريح وزارة الدفاع الامريكية (يعتقد) ولا (يجزم). وهو أيضاً ما ألمحت إليه المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية عندما غردت عبر التويتر (تعليق اليوم بشأن ليبيا، كان يُقصد به الإشارة إلى دول أشارت تقارير إلى مشاركتها، وليس التحدث إليها).
– كما إن مصر لن تجز بمواطنيها في مواجهة أعمال انتقامية، كردة فعل مباشرة لتنفيذها هذا العمل.
– مسألة أخرى، وهي مسألة استراتيجية. أنه لو كانت كل من مصر والإمارات هما من قام بهذا العمل، فإنه يعكس مدى ما تملكاه من مقدرة استخباراتية وعسكرية لتنفيذ عملية عسكرية، على هذا القدر من الاحترافية، وهو أمر يدعو للفخر. فإن إسرائيل لن تتوانى عن القيام بأي عمل لضرب هذه القدرة، التي تعني إنها هدف مكشوف، خاصة من مصر التي تشترك وإياها حدودياً. وهو مؤشر لبيان طبيعة من قام بتنفيذ هذه العملية، إذ إن كل ما يمس أم دولة إسرائيل من قريب أو بعيد، لا يمكن السكوت عنه أو تركه، ولنا في التاريخ شواهد.
في ظني، إن المسألة ليست بالسهولة التي يمكن على عقولنا، أو عقلي الصغير –بشكل محدد- استيعابها. فالأمر أشبه بسلسلة من التفاعلات الانشطارية، التي يمثل فيها تفاعل انشطاري، بداية تفاعل جديد. لأن المسألة الليبية تطورت بشكل غير متوقع، ففي اللحظة التي أعلن فيها التحرير، كانت تفاعلات وأحداث موازية، جعلت من المشهد في ليبيا يتحول ويتسرب في أكثر من اتجاه ومسرب. وهو أمر يراقبه العالم بشكل حذر، والأهم بالنسبة إليه الوصول لحل يضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، لذا من الواجب أن ينبع الحال من الداخل، بجلوس الجميع إلى طاولة الحوار، لأن الحوار وحده هو الحل، لأن التدخل الأجنبي سيكون تأثيره سلبياً في المشهد، مالم يكن مرتبطاً بمهمة محددة ومؤقتة.
*
حفظ الله ليبيا