البريد المركزي في قائمة الأهداف!!!

عندما علق أحد الجيران أن البريد في قائمة أهداف الحرب على طرابلس، استغربت، وشككت في الأمر. إذ ما الذي يعنيه هذا المبنى الإداري للأطراف التي حولة مدينة طرابلس –العاصمة- إلى ساحة اقتتال لها، فهو يضم مكاتب إدارية، ومكاتب لخدمة المواطنين والمراجعين، ومكتب صناديق بريد، إضافة إلى مبنى المقسم، ووحدة للاتصالات.

في يوم 20/8/2011 في عملية (فجر الأوديسة) لتحرير طرابلس، قام سكان منطقة (طريق السور) بحماية هذا المبنى، لما يمثله من مكسب وطني، وما يقدمه من خدمات لكل الليبيين. قاموا بتعليق علم الاستقلال عليه، إعلاناً بتحرير منطقة طريق السور في 21/8/2011.

وعودة لحديث الجار العزيز، فإن ما حدث ليلة أمس في الدقائق الأولى من يوم الأربعاء 20/8/2014 عند الساعة 00:20، رفع من نسبة قبولي لنظرية قصف مبنى البريد المركزي. خاصة عندما أفزعنا سقوط أكثر من ثلاث صواريخ –كنت شاهداً علي سقوطها وسماعها تشق السماء فوقنا-، على منطقة (سيدي خليفة) و(معسكر الاستخبارات). الأمر المأساوي، إن الصواريخ لو تقدمت قليلاً لأصاب (مستشفى الحروق والتجميل). هذا دون أن ننسى الكثافة السكانية بالمنطقة.

الأحداث

مواقع سقوط القذائف في محيط مبنى البريد المركزي

مواقع سقوط القذائف في محيط مبنى البريد المركزي

10/8/2014 سقوط قذيفة على منطقة (طريق السور) أمام جامع (الهوني). وهي منطقة غرب مبنى البريد.

17/8/2014 سقوط قذائف على منطقة (باب بن غشير) قريباً من مدرسة (علي النجار)، في موقع تشغله مجموعة عمال نظافة. وهي منطقة تقع جنوب مبنى البريد المركزي.

20/8/2014 سقوط أكثر من ثلاث صواريخ على منطقة (سيدي خليفة)، على المساكن. وهي منطقة تقع شمال مبنى البريد.

الاستنتاج

المرافق الخدمية القريبة من مبنى البريد المركزي

المرافق الخدمية القريبة من مبنى البريد المركزي

إن فرضية استهداف مبنى البريد المركزي أمر غير بعيد الاحتمال. وهو ما يؤكد نظرية إن هذه الحرب هدفها تدمير العاصمة، وما تحويه من مرافق ومؤسسات، ومرافق خدمية. فبعد، المطار، وخزانات النفط، عمارات حي الأكواخ، ومخازن البريد، ومحطة جنوب طرابلس، وهي كلها تقع على حدود طرابلس، سيكون الدور على المرافق داخل طرابلس.

تعليق على خبر قصف الناتو لمواقع في ليبيا صباح 18-8-2014

أفقت هذا الصباح، على خبر القصف الجوي الذي تعرضت له بعض مواقع الدروع بمنطقة وادي الربيع. وأكثر من تأكيد بأن طائرات الناتو هي من نفذت هذا القصف. حيث ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بهذا الحدث، بين تأكيد ونفي لوجود أو لسماع طائرات تحلق، ليدخل الأمر مرحلة الشطح الليبي في التخييل والتخوين مداه.

الفرضية الأولى: القصف الجوي.

احتمال 1

بفرض إن قوات حلف الشمال الأطلسي (NATO) قد نفذت طلعات جوية في سماء ليبيا. فإنها لن توجه نيرانها إلى مناطق تمركز الدروع أو قوات فجر ليبيا، إنما ستطال نيرانها مواقع تمركز كتائب القعقاع والصواعق، أو الجيش الليبي. وبذلك يضمن الحلف ثبات الوضع على الأرض –عسكرياً-، ويحقق بذلك قرار وقف إطلاق النار، والتعرض لأي قوة قد تتحرك أو تخالف هذا القرار، والجلوس لطاولة الحوار، والانحياز للمسار الديمقراطي.

احتمال 2

يعتمد هذا الاحتمال، أن من قام بعملية القصف الجوي، هي طائرات ليبية أقلعت من قاعدة (الوطية)، أو من أحد قواعد المنطقة الشرقية، كما ذهب البعض. وفي يقيني أنه لا يمكن لأي طائرة ليبية الإقلاع وتنفيذ كهذا مهام، لمجموعة من الأسباب أهمها:

– أن الطائرات الليبي، طائرات غير مجهزة لتنفيذ مهام ليلية بدقة عالية، كونها قديمة الطراز، وتعتمد على براعة الطيار في تحديد المواقع والتهديف.

– التدريب الخاص بالطيران الليلي متوقف منذ فترة طويلة.

– عدم جهوزية الطائرات الليبية نظراً لتوقفها لفترات طويلة دون صيانة.

– مدى الطائرات لا يسمح لها تنفيذ مهام بعيدة عن قواعدها لأكثر من ألف كيلومتر.

احتمال 3

لا أستطيع التفكير فيه، عن دخول طائرات من أحد الدول القريبة لتنفيذ هذا القصف. وهو مالا يقبله عقلي الصغير.

الفرضية الثانية: لا قصف جدوي.

وهي ما أعتقها، إنه لا وجود لعملية قصف جوي. فبعد مراجعة لمواقع وكالات الأنباء العالمية، موقعي الاتحاد الأوربي، وحلف الشمال الأطلسي، لم ترد أي معلومة أو خبر عن تنفيذ قصف جوي في ليبيا.

فالمبدأ الذي اعتمده مجلس النواب في طلبه للتدخل الأجنبي، هو وجود قوة عسكرية على قدرة وكفاءة، لإجبار أطراف النزاع على إيقاف العمليات العسكرية والانسحاب من مواقعها والتمركز خارج المدن، وضمان عدم وجود أي خروقات، لضمان سير العملية الديمقراطية في مسارها الطبيعي حتى موعد اختيار رئيس البلاد، وإعلام الدولة الليبية.

إذن لماذا الحديث عن قصف جوي، موجه لقوات فجر ليبيا؟

في ظني إن الأمر لا يعدو كونه محاولة للتشويش، أو لكسب بعض الوقت،  من أحد الأطراف كعملية تمويهية. أو هي محاولة لتحميس الشارع ضد قرار التدخل الأجنبي.

أو إنها مجرد خرط فيسبوكي.

*

حفظ الله ليبيا

ما أشبه اليوم بالبارحة

ليبيات 41

التاريخ يعيد نفسه

اليوم هو الـ28 من شهر رمضان المبارك، الموافق للـ26 من شهر يوليو للعام الميلادي 2014. منذ الأمس، وتحديد قبيل أذان صلاة المغرب، انقطعت المياه عن مدينة طرابلس، مما عاد بذاكرتي لرمضان العام 2011، عندما تحررت طرابلس في الـ20 منه، وكيف انقطعت المياه في الأسبوع الأخير من الشهر الكريم، وانتشرت شائعة تسميم المياه1.

وأجدني أقول، إن رمضان 2014 لا يختلف كثيراً عن رمضان 2011، فأصوات المواجهات ذاتها، وإن اختلفت النوايا، والحالة ذاتها من انقطاع الكهرباء والغاز والبنين، وأخيراً المياه. شيء واحد عرفه الليبيون قبلاً وأضاعوه الآن، وهو الإيمان، الذي كان يصدح مكبراً من الحناجر ومن مآذن المساجد في كل طرابلس.

ثوار البريوش1

في 20 رمضان، وبعد تمهيد من الناتو، وتوفيق الله لسحب (كتيبة امحمد المقريف) من المشهد، تحررك طرابلس، شارعاً شارعاً، وحياً حياً، ومنطقةً منطقة، بسلاح الإيمان، وما استطاع توفيره أهالي طرابلس من أسلحة اشتروها من حر مالهم، وعند دخول الثوار صباح 21 رمضان ووصولهم ميدان الشهداء، وسط طرابلس، كانت طرابلس كلها في انتظارهم مهللة مكبرة، ولن أستطيع مهما أوتيت من معاني، أن أصف هذه الفرحة، بثوار الزاوية الذين كانوا أو من وصل.

ووصل الثوار من مختلف مناطق ليبيا، ودخلوا طرابلس التي كانت محررة إلا من بعض الجيوب، التي انتهي منها في يوم، ومن تاريخ 23 رمضان 2011، كانت طرابلس محررة، ولله الحمد. وبينما كان أهالي طرابلس يبتهجون بهذا النصر الإلهي، كان الثوار الذي دخلوها يقومون بالاستحواذ على المعسكرات وشحن ما تواجد بها من أسلحة، وكذلك الاستحواذ على ممتلكات المواليين والمحسوبين على نظام القذافي، سواء كانت بيوت، فيلات، استراحات، أو مزارع. ليتمددوا من بعدها.

ثوار البريوش2

يعاب على ثوار طرابلس، إنهم لم يخوضوا جبهات، بالتالي فهم محرمون من كثير النعم، وأنهم لولا ثوار الشرق والغرب لما تحرروا، لأنهم يقضون نهارهم في المقاهي لشرب المكياتا2، وأكل البريوش3، وفي الليل يسهرون على القنوات لمتابعة دوريات أوربا. لذا فإنه من الواجب حمايتهم.

وهكذا وجد سكان طرابلس أنفسهم محاصرون من داخلهم، أي من أبناء وطنهم، القبضة هي القبضة، باختلاف المسميات، لا أكثر.

ثوار البريوش3

في ظل الأحداث التي تمر بها، من الحرب الممارسة عليها تحت مسمى القضاء على بقايا الأزلام، واللواء 32 معزز، والتي يدرك الجميع إنما هي حركة لضرب مسيرة الديمقراطية في ليبيا، والمتمثلة في (مجلس النواب). ففي ظني إن أهالي طرابلس، وثوراها لم يشاركوا في هذه المعركة (الخاسرة)، للكثير من الأسباب؛ أولها إدراكهم للسبب الحقيقي لهذه الهجمة العسكرية (أو هذا ما يسود في الشارع الطرابلسي). ثانيها عدم رغبتهم في الانحياز لأي طرف، حتى لا يتحول الأمر لحرب أهلية، مما يصعب الأمر ويفاقمه. ثالثها أن التكوين الاجتماعي في طرابلس، ليس ذي مكون واحد، فطرابلس لا تعرف العصبية، كون سكانها خليط من كل ليبيا، شرقاً وغرباً وجنوباً. أخيراً، محاولة أهالي طرابلس الحفاظ على مدينتهم (العاصمة)، لأنها تمثل وحدة ليبيا وواجهتها للعالم.

*

حفظ الله ليبيا

______________________________________________

1- يمكن مراجعة تدوينتي الخاصة عن طرابلس والماء (هـــــنـــــا).

2- المكياتا: أحد المشروبات الساخنة الصباحية وفي النهار، وهي في أساسها قهوة تعالج بطريقة حاصة يضاف إليها بعض الحليب.

3- البريوش: هو الكرواسون، ويقدم بالعسل أو الشوكولاته.

ملاحظة: أنا هنا لا أحدث باسم سكان طرابلس، إنما أنقل واقع أعيشه.