من المفاهيم المهمة، والتي تبنتها الإدارة الحديثة، واعتمدتها الكثير من المؤسسات على جميع المستويات، مفهوم (القيادة الإدارية)، وبالرغم من بساطة المصطلح، وسلاسته، وعدم غرابته عند تلقيه، إلا أنه يحمل وراءه فلسفة عميقة، أنضجتها سنوات من التراكم المعرفي في مجال الإدارة، وإدارة الأفراد.
السؤال الذي من البديهي طرحه الآن؛ ما الفرق بين الإدارة والقيادة؟
بداية، يمكننا القول، إن كانت الإدارة؛ هي فن التحكم بعمليات الوصول لأهداف المؤسسة، من خلال اتخاذ القرارات الصحيحة، وتنظيم المهام والتخطيط، فإن القيادة؛ هي مهارة حشد خبرات وطاقات فريق العمل بروح واحدة لتحقيق الرؤية المشتركة.
وهنا علينا التوقف قليلاً، للمناقشة ومحاولة فهم أهم الفروق، لتوضيح الفلسفة من وراء التحول للقيادة (Leadership – Management):
لنبدأ من الفرق بين مفردتي: فن – مهارة الورادتان في الفقرة السابقة، الفن متعلق بشخصية المدير، وقد لا تتوفر هذه الخاصية في كل المدراء، وهذا ما يجعلنا نحس بالفرق بين مدير وآخر، حتى في ذات المؤسسة. بينما المهارة، اكتساب، يمكن من خلال التدريب والمتابعة الحصول اكتسابها لتسيير الأمور، بالاعتماد على بعض الأساسيات والبرامج والتقنيات والأدوات.
المسألة الثانية، أن القيادة تعتمد على إشراك فريق العمل، بمعنى إنها تقوم على إزالة الحواجز بين الإدارة، ممثلة في المدير، والموظفين كفريق عمل، والتي تتعامل معها الإدارة التقليدية من جهة إدارة المهام، بصيغة الأمر.
وهذا ما يقودنا إلى مسألة مهمة في العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، فالقائد يعتمد على الثقة التي أوجدها بينه وبين فريق العمل، على العكس من المدير المسيطر على موظفيه، الذين يقومون بتنفيذ الأوامر، دون وجود علاقة بينهم وبين العمل، بينما عضو الفريق يجد نفسه طرفاً في العمل الذي يؤديه.
ثالث المسائل، هو بعد نظرة القائد، عن المدير. فالأول لديه فريق عمل يشترك وإياه في تقييم الأعمال ودراستها، وتحليلها، بينما الثاني، وحده من يقوم بهذه المهمة. وكلمة السر في هذه المسألة هي قوة التأثير فيمن حولك، والإيمان بالعمل من خلال توجيهك!
رابع هذه المسائل؛ هو ديناميكية العمل القيادي، فهو يعمل بشكل استباقي، يعتمد على المشورة والعمل الجماعي، وبالتالي فإن الأخطاء الناتجة يتم تداركها وحلها بطريقة أسرع، إضافة إلى أن القيادة قادرة دائما على إحداث التغيير، وعدم الثبات. في المقابل نجد الإدارة أقرب للثبات وتنفيذ الخطط الموضوعة من قبل المؤسسة والتقيد بها.
كبرى الشركات تعتمد مبدأ القيادة، أو (القيادة الإدارية) كما أحببنا أن نسمية أو نترجمه نحن العرب في أدبياتنا الإدارية، حتى الشركات الرائدة والساعية للتميز، تتبنى هذا النهج الإداري، كونه الأقدر على تجاوز المشكلات، وبناء قدرات الأفراد، والقفز بالعمل أو المشاريع مراحل كبيرة وثابتة، واقتراح وابتكار الحلول. ولو تتبعنا سير الشركات الناجحة، سنجد أن وراء هذا النجاح قائد (Leader)، قاد فريق المؤسسة، خارج عباءة المدير، عاش معهم كفرد، لكنه يملك طاقة تأثير ملهمة. هؤلاء القادة المؤثرين الملهمين، عملة نادرة تعرف الشركات الكبرى إمكانياتهم ومدى ما يحدثونه من تغيير على جميع الأصعدة، وما يعود به هذا التغيير على المؤسسة في شكل أرباح.
في ليبيا، مازلنا بعيدين عن الدخول إلى هذا النوع من الإدارة، لعديد الأسباب، لعل أهمها، عدم وجود قاعدة إدارية صحيحة في مؤسساتنا العامة والخاصة، فهي حتى وإن تأسست بشكل صحيح في فترة ما، إلا أنها تعرضت للهدم والتخريب بشكل متعمد، من خلال توجيهات متعمدة من رأس الدولة، فتحولت الإدارة إلى لجنة شعبية، ومؤتمر للمنتجين، وغيبت القدرات المؤهلة في مواجهة التصعيد، وغيرها من الإجراءات التي نلمس تأثيرها الآن، من خلال ممارسات إدارية ارتجالية وغير مدروسة، لا علاقة لها بالواقع، وهذا ينسحب على مؤسسات الدولة جميعها، شاملاً من يقومون على تسيير أمور البلاد.
لكن ما يجمل هذه النظرة القاتمة حول وضع الإدارة الليبية، هو بعض الإضاءات التي تلتمع هنا وهناك، وتحاول أن تنشر نورها، ليس محاولة للتغير فقط، إنما بإن التغيير قادم، وأنهم لابد أن يكونوا على أهبة الاستعداد، لما بعده!