لا أستطيع أن أحدد بداية علاقتي باللغة العربية!! لكن مما أذكره جيداً، حب استماعي لشخصيات الرسوم المتحركة، والتي كانت في ذلك الوقت تستخدم اللغة العربية الفصحى في حوارات شخصياتها، إضافة للحوارات التي كانت تجري على لسان أبطال المسلسلات اللبنانية، وبعض المسلسلات العربية، منها مسلسل عراقي يتحدث عن الشعراء العرب، ومن بعد المسلسل الرائع (مدينة القواعد)، التي كان يبثها التلفزيون الليبي، ومن بعد تعلمي القراءة مبكرا، وتعرفي لقصص الأطفال، وصولا للكتاب.
في المدرسة لم أكن طالبا مميزاً، كنت من التلاميذ أو الطلاب متوسطي المستوى، وربما كنت متفوقاً في بعض المواد، ومنها اللغة العربية، والرياضيات، إضافة للرسم، وتمتعي -كما عرفت لاحقا- بذاكرة تصويرية جيدة جدا.
في الثانوية، بدأت علاقتي باللغة العربية أكثر وضوحا، حيث بدأت كتابة القصة وبعض القصائد الشعرية، حيث شاركت في المسابقات الطلابية؛ في القراءة الحرة، والشعر، إضافة للخط العربي. وتحصلت على الترتيب الأول في مسابقة الشعر على مستوى مكتب تعليم طرابلس، وأقامت لي ثكنة أسد الثغور الثانوية حفلاً بمسرح المدرسة، كما تم استضافتي عبر أثير إذاعة الجماهيرية من خلال برنامج مشوار الصباح المنوع، مع الإذاعي الكبير “عبدالمجيد العكاري”، ولقاء تلفزيوني مع الإعلامي “عطية باني” من خلال أحد برامجه الذي كان يذاع ليلة الخميس.
وهنا أجد أنه من الواجب شكر الأستاذ الفاضل “محمد المسلاتي”، مدير ثانوية أسد الثغور، الذي دعمني وشجعني، فكان يقوم بتوصيلنا نحن الطلبة المشاركون في المسابقات، بسيارته الخاصة، إلى أماكن المسابقات ويتابعنا ويشجعنا، وفي حال تأخرنا في العودة للبيت، كان يسلمنا إلى أولياء أمورنا معتذراً لهم عن التأخير، بل إنه خصص لي نتيجة خروجي للمشاركات فصلا لمراجعة ما فاتني من دروس.
من المواقف الكثيرة التي واجهتها خلال دراستي الثانوية، أتذكر موقفين.
موقف أول مع أحد الأساتذة الليبيين، حيث عرضت عليه أحد قصائدي، فما كان منه إلا أن أسرع ينصحني بأن يكون شعري في مدح الرسول، وبالمناسبة هو ذات الأستاذ الذي قال لي أن الرسم حرام.
موقف آخر مع مدرس آخر للغة العربية، وهذه المرة مدرس مصري، حيث طلب مني شرح بيت شعري، وأظنه (أتاك الربيع) وكنت في الثانية ثانوي، فقمت بشرح البيت بطريقتي وأطنبت في استخراج الصور في قول الشاعر: (وقد نبه النيروز في غسق الدجى)، واجتهدت ما استطعت في استخراج جماليات النص، فما كان من الأستاذ إلا معاقبتي، بضربتين على يدي، وهو يقول:
أريد الإجابة كما شرحت وكما جاءت في الكتاب.. إجابتك هذه لن تنجحك في الامتحان!!!
أحب دروس اللغة العربية إلي كانت دروس البلاغة، والنصوص، كنت أستمتع بها على عكس النحو والصرف، وكوني وقتها كنت أمارس الرسم، فكنت صحبة صديقي “وائل الرعوبي” نتخيل بعض الصور من القصائد ونرسمها على هامش الكتاب، فكانت كتبنا أقرب للمعرض الفني. لذا كان هما مدخلي لحب اللغة العربية والهيام بها، وكان لكتاب فقه اللغة للثعالبي، الأثر الكبير في تعلقي بالبلاغة، ومدخلي للتعرف إلى جماليات اللغة العربية والغوص لجني دررها، خاصة الشعر العربي الذي كنت أقضي معه الكثير من الوقت، فشغفت مبكرا بلامية الشنفري، والشعراء الصعاليك، ومعلقات: عمر بن كلثوم، وامرئ القيس. وكنت في غرفتي أقرأ القصائد بصوت مرتفع، وارتجل وأعارض، الأمر الذي وجهني مبكرا إلى أمهات الكتب، والقرآن الكريم وبلاغته وإعجازه اللغوي.
وقبل أن أختم، أحيي كل من درسني اللغة العربية، خلال مراحل تعليمي المختلفة، بداية من أبلة “رمضانة”، والشيخ “حبيب” بمدرسة الفيحاء الإبتدائية، إلى الدكتورة “سلمى”، خلال دراستي بكلية الهندسة جامعة الفاتح سابقاً (جامعة طرابلس حالياً).
جميلة ذكريات المدرسة والمسابقات.. كذلك ذلك المعلم الذي يؤثر سلبا او ايجابيا على شخصياتنا
أشكر مرورك الكريم