ليبيات 14.. الانهيار الوشيك، أو ايامتنا السُّود

المجهزون لليوم الأسود

تعرض قناة ناشيونال جغرافيك-أبوظبي ضمن برامجها الوثائقية، سلسلة برامجية تحت عنوان (المجهزون لليوم الأسود)، ويعرض البرنامج للإجراءات الاحترازية والتحفظية والوقائية التي يقوم بها بعض الأمريكيين تحسباً لما سيواجه العالم وأمريكا بشكل خاص. ويقوم فريق مختص بتقييم هذه الإجراءات وإعطاء بعض الملاحظات. في بداية الأمر، استغربت من تفكير البعض بهذه الطريقة، وقلت: مهووسون. لأن ما يتخذ من إجراءات يجعل الإنسان في حالة ترقب واستنفارٍ دائمين، مما يضعه تحت حالة من الضغط الدائم.

 المجهزون لليوم الأسود

لكن بعد متابعتي لهذه السلسلة ولأكثر من شهرين، وجدتني أنظر من حولي بشكل غريب، وأتوجس من كل ما يحدث في البلاد، خاصة وإن بلادنا في حالة انهيار مستمر، ولا يوجد استقرار. فإن كان الرجل الأمريكي الذي يعيش حياة نتمناها جميعاً، يعمل بجد تحسباً ليوم تنهار فيه أمريكا والعالم، فالأحق بأن أتحسب كمواطن ليبي لكارثة تتوضح كل يوم، فنحن أياماتنا كلها سود (كما علقت زوجتي)، وعليه فإنا الأحق بمثل هذه الإجراءات من غيرنا، خاصة وإنه لا مهرب، من الرمضاء للنار وبالعكس، فـ(كلها زي بعضها)، و(زي هني زي غادي)، ووجدتني وأنا أقوم على بناء بيت في أحد ضواحي المدينة، أستفيد من هذه السلسلة المميزة، فقمت على تجهيز مخزن للأغذية، وحفر بئر، وردفه بخزان مياه أرضي كبير (فسكية)، خزاني وقود (بنزينا ونافطا)، مولد كهربائي ثابت، وآخر متحرك، مجموعة من الفخاخ حول البيت، منظومة دفاع آلية لنوعين من الأسلحة، كممامات، عيادة مصغرة، كما وضعت خطة إخلاء ونستعد للتمرن عليها. هذا وما زلت أفكر في طرق احتياطية أكثر، منتظراً الموسم الجديد بعد الانتهاء من إعادة بث هذا الموسم من سلسلة (المجهزون لليوم الأسود).

***

– شنو، شكله جومك مليح؟؟؟

– الحمد لله.

– شن في؟؟؟!!!؟؟؟ -تقصقيص ليبيين-.

– لا ما في شي، غير آمس حصلت مولد كبير وبسعر اكزيوني، جبتله السطا وركبه وجربناه.. وأموره 100 – 100.

– !!!

– يعني توه، البير فيه، والمولد فيه، وخزان بنزينا ونافطا فيه، يا راجل حاس إني مستقل.

– ؟؟؟؟؟!!!!!

تحليل

من خلال اليوتيوب، أعدت مشاهدة خطابات كل من القذافي وابنه، كنت أبحث في كلاهما عن خيط يقودني لما يحدث الان في ليبيا، لقد وصفا في خطاباتهما ما ستؤول له ليبيا، بشكل مفصل وواضح، وكأنهم يتنبؤون بما سيحدث، كان ثمة لهجة تهديد في لغتهما ممزوجة ببعض الثقة.

 خطاب سيف

لحظتها، الكل استنكر، وهتف الغرب للشرق (بنغازي تبكي بالدمعة.. جاهزين سوق الجمعة)، ونادى الشرق الغرب (يا شباب الزاوية.. نبو ليله ضاويه)، في صورة كانت من مهابتها تبكي الناظر، وتجعلك تخر ساجداً شكراً لله. خلال التحرير، عرفت المناطق المحررة تنظيماً إدارياً وميدانياً مميزاً، وكان النفط الليبي لحقول المنطقة الشرقية، ينساب في ثقة، وتحت حماية الثوار.

لكن الواقع على الأرض يقول، إن ما قلاه تحقق، وإن ليبيا تسير كما في النبوءة. فما إن تم تحرير طرابلس، حتى تحولت الثورة عن أهدافها، ليحل محلها ثقافة الغنائم والتمشيط.

فهل كان نظام القذافي على حق في تحذيره؟

وهل هو من الدراية بالشعب الليبي، ليصل مسبقاً للنتائج دون تجربة؟

إم إنه وجهنا –نفسياً- لنصل إلى ما نحن عليه الآن من تدهور اجتماعي وثقافي وحكومي؟

أم علي تصديق، أن الأزلام هم من يقودون كل هذا؟

كنا نقول إن ليبيا واحدة، وأنها لا ولن تتجزأ، وأنا لن نكون مثل العراق أو الصومال، فلا طوائف ولا أعراق تقطع أواصر شعب التحدي. لكن ما حدث كان أفظع، فالشعب بدأ بكره نفسه، فالجار لم يعد يطق جاره، والقرية رحلت القرية التي بجانبها، الشرق لا يحب الغرب، والجنوب لا يحب الشمال، فجأة طفت كل الصراعات القديمة، وتحول من يحمل السلاح إلى غول، يحاول أن يسلب (يمشط) كل ما تصله يده، يقفل النفط، ويقطع الطريق، ويغلق المطارات، ويقطع الكهرباء والماء، ولا يتورع عن سفك الدم. إن الصوت الأعلى في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا هو (مصلحتي أولاً). يبدو إن القذافي كان على معرفة تامة بطبائع الشعب الليبي، أو إنه عمل خلال فترة سلطته على تغذية هذه التوجهات والنعرات، ليتحكم أكثر بالبلاد، وكان على دراية أنه بدون قوة لا يمكن لهذا الشعب أن يعيش في أمان. لله الأمر من قبل ومن بعد.

***

في اتصالٍ هاتفي بأحد القنوات الدينية، كان تعليق الشيخ المجيب على سؤال أحد السائلين من ليبيا:

– يبدو إن القذافي كان ساكتاً على خراجٌ كبير اسمه الشعب الليبي.

 

*

حفظ الله ليبيا.

ليبيات 13.. واحد تسعة.. وشعب أكثر ثقة

1-9

بأي حالٍ من الأحوال، لا يمكن إلا أن نعتبر 1-9-1969 تاريخاً غير اعتيادياً في تاريخ ليبيا الحديث، فبكل المعايير لا يمكن محوه من الذاكرة الليبية، لما له من تأثير كبير وقوي في المجتمع الليبي على جميع الأصعدة.

فهذا التاريخ يسجل دخول ليبيا لمرحلة جديدة، مرحلة عرفت فيه الكثير من التغيرات الاجتماعية والثقافية، فقبلاً –أي قبل هذا التاريخ- مرت ليبيا بمراحل آخره الاستعمار الإيطالية وتحول ليبيا إلى ساحة من ساحات الحرب العالمية الثانية، ثم استقلال ليبيا، الذي عرف فيه المجتمع الليبي حالة من الاستقرار، مع تكون ليبيا كدولة عضو في المجتمع الدولي، ليبدأ المواطن الليبي التنظيم لحياته باعتباره صار ضمن منظومة هي الدولة، التي بدأت في البناء ووضع الخطط المستقبلية لبناء دولة حضارية، يتمتع فيها المواطن بحقوقه ويلتزم بما عليه من واجبات.

في 1-9-1969 دخلت ليبيا مرحلة جديدة، وكل من عاصر هذا التاريخ يؤكد أن الكل التف حول هذا (الثورة)، لظن المواطن غنها ثورة جاءت لنصرته والانتصار له، والقضاء على الفساد الذي كان مستشرياً في أوصال الدولة الليبية، خاصة بع أن عجّلت هذه (الثورة) بإنهاء عقود القواعد الأجنبية. لكنها سرعان ما تحولت ن مسارها، لتُدخل البلاد في متاهات تجارب ومشاريع عادت بالويلات على الشعب الليبي، مخلفة الكثير من الرواسب والنتائج، التي شكلت ثقافة المجتمع وغيرت فيه الكثير.

وسواء كان ما أحدثه نظام القذافي في المجتمع الليبي، متعمداً وممنهجاً أو غير ذلك، إلا أن أثره نرصده بشكل كبير بعد انتصار ثورة 17 فبراير المجيدة. ولكن هذا الأثر يعود في نسبة منه إلى المجتمع ذاته في استسلامه وقبوله لهذا التغيير دون أي دفاع ذاتي. وهذا جعل من سقوطه سريعاً في حفرة السلبية.

شعب أكثر ثقة

أكثر ما نحتاجه كليبيين هو الثقة.

نعم. أن نثق في أنفسنا أكثر، في قدرتنا على التغيير، على طي صفحات الماضي بكل ما تحمل من سواد، وأن نبدأ صفحة بيضاء، ناصعة. أن نبدأ غدنا كصباحٍ أول لتلميذ في أول أيام دراسته، لا يعرف من أمره شيء إلا اسم مدرسته، ومدرستنا اسمها (ليبيا).

إن قصص النجاح، بقدر ما يصنعها الإصرار، والإيمان، فإن الثقة هي العنصر الأهم للوصول. فالثقة ليست مجرد كلمة أو إحساس، إنها وعي بما نملكه وما نستطيعه، ويما يمكننا تحقيقه على أرض الواقع. إنه مفتاح الدخول لعالم النجاح.

إن الثقة تبدأ بالإيمان بالقدرة على إحداث التغيير، وليبيا تحتاجه، وهذا التغيير هو الذي سيخرج بها من دائرة الظلام التي نعيشها، إلى دائرة النور لبناء ليبيا الجديدة، ليبيا الحرية والعدالة. إن الإيمان بالقدرة، يجعلنا نيد النظر في الكثير من أفكارنا، والتخلي عن السلبية والنظر إلى الأمور بشكل أكثر إيجابية.

هذا الإيمان، المادي يدعمه إيمانٌ معنوي مصدره الدين الإسلامي الحنيف، الذي يحض المسلم على حسن الظن بالله، وهو أولى عتبات الثقة.

الخطوة الثانية، هي تحديد الهدف. إن الهدف السامي يجعل من العمل أكثر تفاعلاً وجدوى، وأكثر تقديراً للذات، واستحقاقاً للجهد المبذول من أجله، ولا هدف أسمى من بناء ليبيا، والإعلاء من شأنها. يأتي من بعد، رسم طريق الوصول. والذي من خلاله يتم تحضر ما يلزم للوصول، وهو ما يعي البحث فينا عن الشيء الحقيقي المميز، الشيء الذي يمكننا من خلاله العمل ومغالبة النفس عن هواها، واختيار منهجاً للعمل. وبالتالي نكون قد بنينا ثقتنا بأنفسنا وعززناها.

نعم الثقة هي كل ما نريد لبناء ليبيا الجديدة.

الثقة بقدرتنا والعمل على أساس هذه الثقة، وتحويل تفكيرنا إلى الجانب الإيجابي، سيجعل الكثير من المشاكل والعراقيل تبدو تافهة في أعيننا أمام الوصول للهدف السامي الذي نعمل من أجله. ولنا في تجارب الأمم المثل والقدوة.

ثقتي في نفسي، لن تجعلني ألتفت لما يقال، ولما يثار من حولي.

ثقتي في نفسي، ستمنحني مجال رؤية أكبر من أن توقفه عراقيل الواقع.

ثقتي في نفسي، ستجعلني أتصالح مع كل من اختلف معي، وأختلف معه.

ثقتي في نفسي، ستدفعني للثقة بجاري، والاعتماد عليه.

ثقتي في نفسي، ستبني جسراً أقوى للتجاوز الحفر.

ثقتي في نفسي، ستفتح باباً جديداً للدخول.

إن الثقة هي النهضة، هي البناء.

*

حفظ الله ليبيا.

ويقولوا ليبيا حرة

ليبيا حرة

هذه الصورة التقطتها صباح الخميس 29-08-2013

تعكس حال كا يشعر به المواطن الليبي من ضيم، فقد كتب على هذا الحاجز الخراساني الموجود بحديقة طريق الشط المقابلة لـ(ميدان الشهداء):

شاب ليبي العمر 45 سنة – لا بيت لا زواج لا سيارة – تقولوا ليبيا حرة

إن هذه الجملة تختصر معاناة الشاب الليبي والمواطن الليبي البسيط، الذي كل همه هو تأمين حياة كريمة، لا أكثر.

*

حفظ الله ليبيا