المجهزون لليوم الأسود
تعرض قناة ناشيونال جغرافيك-أبوظبي ضمن برامجها الوثائقية، سلسلة برامجية تحت عنوان (المجهزون لليوم الأسود)، ويعرض البرنامج للإجراءات الاحترازية والتحفظية والوقائية التي يقوم بها بعض الأمريكيين تحسباً لما سيواجه العالم وأمريكا بشكل خاص. ويقوم فريق مختص بتقييم هذه الإجراءات وإعطاء بعض الملاحظات. في بداية الأمر، استغربت من تفكير البعض بهذه الطريقة، وقلت: مهووسون. لأن ما يتخذ من إجراءات يجعل الإنسان في حالة ترقب واستنفارٍ دائمين، مما يضعه تحت حالة من الضغط الدائم.
لكن بعد متابعتي لهذه السلسلة ولأكثر من شهرين، وجدتني أنظر من حولي بشكل غريب، وأتوجس من كل ما يحدث في البلاد، خاصة وإن بلادنا في حالة انهيار مستمر، ولا يوجد استقرار. فإن كان الرجل الأمريكي الذي يعيش حياة نتمناها جميعاً، يعمل بجد تحسباً ليوم تنهار فيه أمريكا والعالم، فالأحق بأن أتحسب كمواطن ليبي لكارثة تتوضح كل يوم، فنحن أياماتنا كلها سود (كما علقت زوجتي)، وعليه فإنا الأحق بمثل هذه الإجراءات من غيرنا، خاصة وإنه لا مهرب، من الرمضاء للنار وبالعكس، فـ(كلها زي بعضها)، و(زي هني زي غادي)، ووجدتني وأنا أقوم على بناء بيت في أحد ضواحي المدينة، أستفيد من هذه السلسلة المميزة، فقمت على تجهيز مخزن للأغذية، وحفر بئر، وردفه بخزان مياه أرضي كبير (فسكية)، خزاني وقود (بنزينا ونافطا)، مولد كهربائي ثابت، وآخر متحرك، مجموعة من الفخاخ حول البيت، منظومة دفاع آلية لنوعين من الأسلحة، كممامات، عيادة مصغرة، كما وضعت خطة إخلاء ونستعد للتمرن عليها. هذا وما زلت أفكر في طرق احتياطية أكثر، منتظراً الموسم الجديد بعد الانتهاء من إعادة بث هذا الموسم من سلسلة (المجهزون لليوم الأسود).
***
– شنو، شكله جومك مليح؟؟؟
– الحمد لله.
– شن في؟؟؟!!!؟؟؟ -تقصقيص ليبيين-.
– لا ما في شي، غير آمس حصلت مولد كبير وبسعر اكزيوني، جبتله السطا وركبه وجربناه.. وأموره 100 – 100.
– !!!
– يعني توه، البير فيه، والمولد فيه، وخزان بنزينا ونافطا فيه، يا راجل حاس إني مستقل.
– ؟؟؟؟؟!!!!!
تحليل
من خلال اليوتيوب، أعدت مشاهدة خطابات كل من القذافي وابنه، كنت أبحث في كلاهما عن خيط يقودني لما يحدث الان في ليبيا، لقد وصفا في خطاباتهما ما ستؤول له ليبيا، بشكل مفصل وواضح، وكأنهم يتنبؤون بما سيحدث، كان ثمة لهجة تهديد في لغتهما ممزوجة ببعض الثقة.
لحظتها، الكل استنكر، وهتف الغرب للشرق (بنغازي تبكي بالدمعة.. جاهزين سوق الجمعة)، ونادى الشرق الغرب (يا شباب الزاوية.. نبو ليله ضاويه)، في صورة كانت من مهابتها تبكي الناظر، وتجعلك تخر ساجداً شكراً لله. خلال التحرير، عرفت المناطق المحررة تنظيماً إدارياً وميدانياً مميزاً، وكان النفط الليبي لحقول المنطقة الشرقية، ينساب في ثقة، وتحت حماية الثوار.
لكن الواقع على الأرض يقول، إن ما قلاه تحقق، وإن ليبيا تسير كما في النبوءة. فما إن تم تحرير طرابلس، حتى تحولت الثورة عن أهدافها، ليحل محلها ثقافة الغنائم والتمشيط.
فهل كان نظام القذافي على حق في تحذيره؟
وهل هو من الدراية بالشعب الليبي، ليصل مسبقاً للنتائج دون تجربة؟
إم إنه وجهنا –نفسياً- لنصل إلى ما نحن عليه الآن من تدهور اجتماعي وثقافي وحكومي؟
أم علي تصديق، أن الأزلام هم من يقودون كل هذا؟
كنا نقول إن ليبيا واحدة، وأنها لا ولن تتجزأ، وأنا لن نكون مثل العراق أو الصومال، فلا طوائف ولا أعراق تقطع أواصر شعب التحدي. لكن ما حدث كان أفظع، فالشعب بدأ بكره نفسه، فالجار لم يعد يطق جاره، والقرية رحلت القرية التي بجانبها، الشرق لا يحب الغرب، والجنوب لا يحب الشمال، فجأة طفت كل الصراعات القديمة، وتحول من يحمل السلاح إلى غول، يحاول أن يسلب (يمشط) كل ما تصله يده، يقفل النفط، ويقطع الطريق، ويغلق المطارات، ويقطع الكهرباء والماء، ولا يتورع عن سفك الدم. إن الصوت الأعلى في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا هو (مصلحتي أولاً). يبدو إن القذافي كان على معرفة تامة بطبائع الشعب الليبي، أو إنه عمل خلال فترة سلطته على تغذية هذه التوجهات والنعرات، ليتحكم أكثر بالبلاد، وكان على دراية أنه بدون قوة لا يمكن لهذا الشعب أن يعيش في أمان. لله الأمر من قبل ومن بعد.
***
في اتصالٍ هاتفي بأحد القنوات الدينية، كان تعليق الشيخ المجيب على سؤال أحد السائلين من ليبيا:
– يبدو إن القذافي كان ساكتاً على خراجٌ كبير اسمه الشعب الليبي.
*
حفظ الله ليبيا.