الإشاعة

لدي قناعة عميقة أن الشعب الليبي لا يمكنه العيش بدون إشاعات.

الإشاعة

فهو يقوم ويصبح عليها، وهي الزاد وملح كل الجلسات -التهدريز- التي تحتشد بها المرابيع. فلو عددنا حجم الإشاعات التي نتداولها في حديثنا العادي، لكتشفنا كمها الهائل، من مجرد إشاعة في حي، إلى إشاعة في مقر العمل، وفي المدرسة، الإشاعة لا تغادر مكاناً في ليبيا. وهي تبدأ بسؤال: شن الاخبار؟، أو: شن صاير؟ أو: ما سمعتش؟. لنسج من الإشاعة إشاعة، وإشاعات.

ومما لا يغيب عن بالنا، إن نظام القذافي كان يعتمد أسلوب بث الإشاعات، لتحسس ردة فعل المواطن، وقابليته للخبر أو المعلومة المسربة، وكيف يمكن التعامل مع ردة الفعل المتوقعة.

*

دعونا نتعرف إلى الإشاعة

تعريف الاشاعه: الإشاعة لغة اشتقاق من الفعل “أشاع”،أما الشائعة لغة فهي اشتقاق من الفعل (شاع) الشيء يشيع شيوعاً وشياعاً ومشاعاً ظهر وانتشر، ويقال: شاع بالشيء : أذاعه.

أما الاشاعه اصطلاحا فتعددت تعريفاتها، ومن هذه التعريفات:

– المعلومات أو الأفكار،التي يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها، أو هي الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، أو يحتوي جزءاً ضئيلاً من الحقيقة.

كل قضية أو عبارة، يجري تداولها شفهياً، وتكون قابلة للتصديق، وذلك دون أن تكون هناك معايير أكيدة لصدقها.

كلام هام أو أفكار عامة، انتشرت بسرعة ، واعتقد فيها، وليس لها أي وجود أصلي.

ضغط اجتماعي مجهول المصدر،يحيطه الغموض والإبهام،وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام، ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات،وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار.

– معلومة لا يتم التحقق من صحتها ولا من مصدرها، وتنشر عن طريق النقل الشفهي..

ومرجع هذا التعدد فى التعريفات أن كل تعريف يركز على خصيصه أو خصائص معينه للاشاعه، دون غيرها من الخصائص. وبالجمع بين هذه التعريفات يمكن تعريف الاشاعه بأنها: خبرٌ مجهول المصدر. غير مؤكد الصحه. يتم تداوله شفاهه عاده. قابل للتصديق. و قابل للانتشار. وان الشائعه تنتشر بشكل تلقائى، ودون أن يدرى ناقل الخبر كذب هذا الخبر. بينما الاشاعه تنتشر بشكل قصدى أى بفعل فاعل (على الاقل فى مراحلها الاولى )، ويعى هذا الفاعل كذب الخبر.

*

وتلجأ بعض الحكومات إلى الشائعات للكثير من الأسباب، والغايات، وبسبرٍ سريع لأنواع الشائعات، سنكتشف الهدف من كلٍ منها:

الإشاعة الزاحفة (البطيئة): وهي إشاعة تروج ببطء، وهمساً وبطريقة سرية، وهذا التكتم يجعل المتلقي يجعله يعتقد بصدقها.

الإشاعه السريعة (الطائرة): وهى اشاعه سريعة الانتشار،وسريعة الاختفاء أيضا.

الإشاعة الراجعة: وهي إشاعه تروج ثم تختفي، ثم تعود وتظهر من جديد إذا تهيئات لها الظروف، أو في الأوقات التي يريدها مطلق الإشاعة.

الإشاعة الاتهامية (الهجومية): وهى إشاعه يطلقها شخص بهدف الحط من مكانه منافس له.

الإشاعة الاستطلاعية: ومحاولة لاستطلاع ردة فعل الشارع، لذلك يطلقها منشئوها للتعرف ماذا يكون رد فعل الشارع لو تم اتخاذ قرار ما.

إشاعـة الإسقاط: وهي الاشاعه التي يسقط من خلالها مطلقها صفاته الذميمة على شخص أخر، وأغلب الإشاعات المتعلقة بالشرف هي من هذا النوع.

إشاعـة التبرير: وهى الإشاعة التي يهدف مطلقها إلى تبرير سلوكه غير الأخلاقى تجاه شخص أو جماعة معينة.

إشاعـة التوقع: وهي الإشاعة التي تنتشر عندما تكون الجماهير مهيأة لتقبل أخبار معينة، أو أحداث خاصة، مهدت لها أحداث سابقة .

شائعه الخوف: وهى الشائعة التى دافعها الخوف من وقوع حدث ماساوى معين فى المستقبل.

شائعة الأمل: وهى الشائعة التى دافعها الأمل فى وقوع حدث سار فى المستقبل، كإشاعات النصر في زمن الحرب.

شائعه الكراهية: وهى الشائعه التى دافعها كراهية شخص أو جماعة معينة.

*

كلنا يذكر الثنائي “عبدالباسط بوقندة” و”خالد كافو” في مشهدهما التمثيلي (ما سمعتش)، وكيف ارتكز هذا العمل على الإشاعة وبنائها وتطورها، وسريانها، من شخصين يجلسان لتناول الشاي.

أما سبب انتشار الإشاعة في مجتمعنا الليبي، فهي كثيرة، لكن أهمها:

القلق: فالقلق يعكس حالة عدم الاستقرار التي يعيها المواطن، وعدم تمكنه من مقومات حياته اليومية، وسعيه الدؤوب من أجل توفير حياة كريمة. وهذا القلق يظهر بشكل واضح في مسألة الشك في كل شيء، سواء كان الأمر شخصياً أو من جانب الدولة.

الخوف: فالمواطن الليبي لا يشعر بالآمان والأمل في مستقبله، الذي يظهر غائماً ومشوشاً.

عدم الثقة: وهي نتيجة مباشرة للقلق والخوف، فيكون عدم الثقة مبدأ ومنهجاً سلوكياً وحياتياً اتجاه السلطة. يجعل من المواطن يعتمد على نفسه في تدبير أموره.

*

ولازالت الإشاعة مستمرة. وفي كل يوم تقم لنا جديد إبداعاتها، وحتى بعد ثورة 17 فبراير، لم يتغير من الظروف ما يسمح للمواطن الليبي بتفنيد أي خبر يسمعه، بل إن حالة عدم الاستقرار زادت ورفعت من وتيرة القلق، الأمر الذي أوجد بيئة خصبة لنمو الإشاعة بشكل سليم.

والملاحظ، سيد إن الكثير من الإشاعات، هي إشاعات (خوف)، نم خوف من المجهول، في ظل ما تمر به البلاد من اضطرابات وقلاقل. ودورنا هو توعية الشعب، وتقوية دفاعاته أمام الإشاعات، حتى لا يقع في حفرة التراخي والسلبية. فهو أحوج ما يكون لمن يأخذ بيده، ويبعده عن ضجيج الأخبار الكاذبة والمفبركة وتضخيم صغير الأحداث.

*

حفظ الله ليبيا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.