طرابلس يا جنة

#أنا_أدون

هارباً من البرد (السفنقري)، ولجت ممنياً نفسي ببعض الدفء، والراحة ليقني أن عدد الأجساد المتراصة سيكون كبيراً –كالعادة-.

استلمت دوري في الطابور الطويل، خاصة وأني انتهيت اليوم من عملي مبكراً، اجتماع بدأ عند الثامنة صباحاً، وانتهى عند العاشرة، عرجت على بيت الوالد لقربه من مقر الشركة الرئيسي، استأنست بفنجان قهوة صحبة الوالدة، ثم غادرت قاصداً المصرف.

لحظات، ووقف خلفي رجلٌ في العقد السادس من العمر على أقل تقدير، خط الزمان خطوطه بشكل واضح على جبينة ووجنتيه، ثم لحقه آخر في ذات العمر، أسمر البشرة، بابتسامة بيضاء مميزة. وحال انتهائي من رد التحية، عاجلني الأول:

  • قنينة هالشنيطة، الصغيرة.. تعطيهالي؟؟؟.

وبسرعة رد الثاني:

  • وين يا حاج، تي هادي فيها الحيلة والفتيلة!!!

في العادة، عندما لا أكون مداوماً في عملي، ولأني لا أحب حمل الأشياء في جيوبي، باستثناء الأقلام، فإني أضع حقيبة صغيرة، تتوضّع على جانبي لحمل هاتفي، ومذكرة صغيرة وقلم.

هممتُ برفعها عني، لكن العجوز عاجلني:

  • نبصّر يا وليدي، لكن عارف هالشنيطة شن نسموا فيها، قبل؟

يبتسم، العجوز الأسمر، وأنا أعلن عدم معر فتي، فيجيب الأول:

  • نقولولها (الجبيرة)، وكانت من القماش.

يضيف الآخر:

  • لكن الأوربيين خدوها وفتلكوها، زي هلبه حاجات.

وبدأ حديث عن اللباس القديم:

  • زمان،….، كانت (المحرمَة)، وكانت معقودة مع (التكامية)، وديما مدسوسة لداخل. كان الواحد يجبدها، يستعملها ويردها، ماتطلعش لبره.
  • توه خلاص كلها معاش تلبس العربي إللا في الجّمُع والمناسبات.
  • توه كلها تلبس في الجلابية الخليجية، واللبس الخليجي، وكأن ماعندناش لبس محترم!!!؟؟؟

وتحول مركز اهتمام من في المصرف إلينا، العبد لله والعجوزان، سؤال من هنا، وتعليق من هناك، إضافة من آخر، والحلق تتقدم صوب الصرف، حتى وصلنا.

عند باب المصرف ودعتهما، بعد أن رفضا دعوتي للجلوس إلى أحد المقاهي لاستكمال الحديث، فكل له شغله، أما أنا فرجعت في طريق عودتي كل الحديث الذي دار، والذكريات التي حكياها عن طرابلس القديمة، عن الشرطة الرجلة، عن سكة القطار، عن السواني التي كانت تحف طرابلس، عن سوق الجمعة، وبن عاشور، وباب بن غشير، والمنشية. عن الإدارة الليبية، واللبس الليبي، والشوارع النظيفة، والأجانب (اللي عايشين في البلاد بأمان)، و(العشرة الطيبة)، والناس (اللي تساعد بعضها، وتخاف على بعضها، وتراعي بعضها، وتتحشم).

الله كم كانت جميلة طرابلس في حديثهما.

لم أتمنى عودة الماضي، بل أن نرسم بأيدينا لوحة مشرقة للمستقبل.

*

حفظ الله طرابلس

رأي واحد على ”طرابلس يا جنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.