أغنيات في البال

الإهداء: إلى الصديق “نور الدين القبيبي”

بالرغم من الحزن الذي يسكننا، وقسوة الواقع، والصورة القاتمة للغد، ثمة فقاعة ملونة، ترتفع، وتنفجر ناشرة بعضاً من سرور.

قبل أيام، ارتفعت أحد هذه الفقاعات. راقبتها وهي ترتفع، كانت ترقص وتتمايل، وهي تدور صاعدة، حتى عاودت نزولها، فاقتربت منها، مداعباً، فاستقرت على جبيني، ثم انفجرت.

لم يكن انفجارها عادياً. فحال تشظيها، انطلقت موجة موسيقية غمرت المكان، وتملكتني. ورجعت بي لأيامٍ خوالي، كلن فيها صندوق العجائب، التلفزيون، بلا ألوان، لكن موسيقاه ملونة.

لم أدري كم مر من الوقت، وأنا تحبسني هذه الأغنيات إليها، وأرى فيها نفسي صغيراً مشدوداً إلى تلفزيوننا القديم، JVC، الأبيض والأسود.

بدأت الرحلة بحريةً مع الفنان “عادل عبدالمجيد”، السباح الخبير في (بحر الحب)، ثم من بعيد يعلن صوت مميز، لفنان أصيل، يتحسر فيها على حبه الذي ضاع بعد (24 ساعة)، لكن “أبوبكر سالم”، بالرغم من خسرانه يغني مبتسماً، ويصفق.

ومع آخر نغمة للـ24 ساعة، لحن حزين، نعم أعرفه، لحن أحببته وها أنا الآن أردده وأردد الكلمات، لكني لن أكون بجمال أداء “سعدون جابر” الرائع، وهو ينادي (يا طيور الطايرة)، لكن صوت العراق “ناظم الغزالي” نشر فرحه، وهو يشاكس بنت الرافدين الـ(طالعة من بيت أبوها)، ليعلن “موفق بهجت” اسمها صراحة، ويناديها (يا صبحة هاتي الصينية)، وتنادي “طروب” باحثة عن مكان للسهرة (يا ستي يا ختيارة).

كنت أظن الأمر انتهى، لكن لحناً جاء من بعيد، حاملاً معه دفئ العائلة واجتماعها، بصوت “محمود الشريف”، وهو يناجي (بيت العيلة)، الذي تظلل جنانه (الدالية)، يتغنى بها صوت “ثلاثي المرح”، وهو يناغي آخر العنقود على (يا صغير في اصغارنا)، بينما أخوته صحبة أطفال الشارع يلعبون (وين حوش بوسعيدة)، في (شارعنا القديم)، ونسمع صوت جارنا “محمد السوكني”، ينادي ابن (هات الشنطة تعال وريني، شن خديت اليوم يا حسين).

هل ألهبت حماسكم، ربما، لكني لن أستطيع أن أصل بكم إلى ما يستطيعه صوت “حورية منت النانة”، وهي تصدح (إقبيل الدحميس بنتي)، وبالرغم من عدم فهمنا لما كانت تقوله المغنية وقتها، إلا إن حضورها على الشاشة كان كفيلٌ بإطلاق الكلمات مباشرة على ألسنتنا:

خيط التالفون تقطع – طالح التلفزيون.

أو

خالك نص الليل جانا – من عندا كمون.

ولا تكتمل الحماسة إلى بصوت جبال الأوراس، “رابع درياسة”، على شاطئ البحر يناجي (يالحوتة)، ليستريح الليل على صوت “عبدالوهاب الدوكالي”، داعياً (مرسول الحب)، بينما في الطرف الآخر يقف “أحمد حمزة”، مناديا (جاري يا حمودة) لإكمال السهرة.

أفقت من رحلتي على صوت ندي، ما زال وقعه في أذني يتردد (بلادنا زين علي زين)، بصوت مجموعة الأطفال، وغناء “محمد حسن”.

______________

نشر بموقع إيوان ليبيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.