الـتركـة

ليبيات 36

بالرغم من غرائبية ما يحدث في ليبيا الان، إلا إن التفكير يقودك بشكلٍ مباشر، إلى إرث أكثر من 40 عاماً عاشها الشعب الليبي مغيباً عن واقعه، بعيداً عن تاريخه، محاصراً من الداخل والخارج. وتأسيساً على إرث من الظلم والفقر والجهل، نشأ المجتمع على مجموعة من القيم، ظلت تتأكد وتترسخ على مر السنوات، في مجموعة من الآليات الدفاعية والسوقية والعلائقية، في شكل ثقافة مجتمعيّة؛ وهي حتى وإن لم تكن ظاهرة بشكل كبير كسلوك جماعي موجه، إلا إنها تشكل جزأ كبيراً من ثقافته، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر في نمط تفكير الفرد وسلوكه.

وحتى يظهر هذا السلوك في شكل الجماعي، فإنه يحتاج لحافز، يعمل على منح المشروعية لهذا السلوك بالظهور، دون أن يغيب عنّا، إن هذ السلوك هو الشكل الظاهري لهذه الثقافة، بالتالي عدم وجود السلوك، آنياً، لا يعني انتفاء وجود أساسٍ ثقافي لها، خاصة؛ وإن الشعب الليبي –أو ليبيا كوطن-، لم يصل إلى حالة من التوازن السياسي تضمن له الاستقرار، وتمنحه الفرصة لمراجعة أفكاره.

كانت ليبيا تعرف حالات بسيطة من الاستقرار، لا تسمح للمجتمع بمراجعة أفكاره أو تراثه الثقافي، بالتالي فإنه ي كل مرحلة، يقوم على تطوير آليات تعامله مع الواقع الذي يعيشه، والقوى الذي تتحكم بمقدراته، حتي يتمكن من الاستمرار.

وبالعودة للوراء، سنجد أن سنوات الاستقلال الـ18، منحت المجتمع نوعاً من الاستقرار في ضوء الخطط الإنمائية الموضوعة، والرغبة في بناء دولة حديثة على أسس صحيحة، لكن الـ69 جاءت بانقلاب “القذافي” الذي أعاد البلاد نظاماً وسياساً لنقطة الصفر، تهديماً، وهكذا دواليك، دأب نظامه على الهدم الممنهج؛ فالعشرية تبدأ بمنهجٍ وطرح، يلبي رغبة ما، وسرعان ما ينتفخ وينطلق كبالون، وما إن تنتصف العشرية حتى، يخفت الحماس، ويعود المنحنى للصفر. أربع عقود مرت في ظل نظام “القذافي”، اعتمدت مبدأ (لا نظام)، الأمر الذي لم يتح للمجتمع بناء قاعدة ثقافية تمكنه من التعرف على متطلبات واقعه وتلبيتها، ومواكبة الحراك العالمي ومتغيراه.

القلق، هو الحالة النفسية التي يمكن أن نصف بها المجتمع الليبي، أفراداً وجماعات، الأمر الذي جعله يحيط نفسه بالكثير من الدفاعات، ويتخذ من الوسائل ما يضمن له الاستمرار، والبقاء.

سنرى إن المجتمع الليبي خلال الـ42 سنة من حكم نظام “القذافي”، كان يسير على مبدأ قانون نيوتن الأول للحركة؛ والذي يقول إن الجسم يظل على حالته مالم تؤثر عليه قوة خارجية، وفي مرحلة ثانية؛ يبقى الجسم المتحرك، في حركته وفي اتجاهه، مالم تؤثر عليه قوة تؤثلا على سرعته أو اتجاهه، أو كليهما معاً. إذن، فالمسألة تتعلق بالقوة.

أهم النتائج المباشرة للقلق، هو عدم ثقة المواطن بالدولة، وهو ما يجعل المواطن يبدأ بالبحث عن حلول لمشاكله، بدون التعويل على الحكومة، ومن الفرد، يتحول الأمر إلى رؤية وتوجُّه على مستوى المجتمع، الذي يحاول استيعاب سياسة الدولة، والتكيف معها.

وفي موازاة هذا الوضع، نشأت حالة من الأنانية، كأثر جانبي، والانكفاء على الذات ومحاولة إحاطتها وحمايتها، فنشط دور القبيلة، وصار مفصلاً مهماً وفاعلاً في المجتمع، والدولة.

الهدف جمع الشعب الليبي في 17 فبراير 2011، ووضعهم بعد انتصار الثورة أمام حقيقة أنفسهم، حقيقة قدرتهم على إدارة أنفسهم بدون وجود كيان سياسي حاكم، إذ لم يعمل النظام السابق على بناء مؤسسات الدولة، وتأكيد وجودها.

وفي واقع لا رقيب فيه، تحركت رواسب السنوات، معكرة صفاء الماء، وصاعدة على للسطح صابغة إياه بلونها الداكن.

في لحظة وجد الليبي، مواطن ومجتمع، بلا قيود، هائماً بدون هدف، فانطلق ينهش هنا، ويجرح هناك، ويرقى هناك، ويذهب هناك. الليبيون وحدهم هدف؛ القضاء على “القذافي”، والذي ما إن تحقق، حتى وجدنا البوصلة توقفت.

توقفت لأن الإرث الثقافي للمجتمع، لم يساعده على الوقوف، أو الاستمرار؛ فمسألة الوطنية –مثلاً-، نسبية، لا تعني بالضرورة الوطن –ليبيا-، بقدر ما تعني المنطقة أو القبيلة، إنها تختلط بمسألة الانتماء الاجتماعي أو الأسري، فالوطن يساوي الأرض التي تحوزها أو تمثل جغرافيا القبيلة أو المدينة.

إن المجتمع الليبي، بقدر ما يعاني من هذه الضعف الداخلي، بقدر ما يحتاج إلى وقفة حقيقية مع النفس، يكون همها دعم الروح الوطنية وتعريف المجتمع بالدور الحقيقي المنوط به، بعيداً عن تأثير القبيلة والأحزاب، وتوجيه الجهود باتجاه البناء، ليكون نابعاً من داخل كل فرد بالمجتمع، كل يؤدي دوره، بأمانة وفي المكان المطلوب.

*

حفظ الله ليبيا

https://www.google.com.ly/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&source=images&cd=&cad=rja&uact=8&docid=VIpqT7yeBdaGjM&tbnid=FbsN-626Bo6ydM:&ved=0CAUQjRw&url=%2Furl%3Fsa%3Di%26rct%3Dj%26q%3D%26esrc%3Ds%26source%3Dimages%26cd%3D%26cad%3Drja%26uact%3D8%26docid%3DVIpqT7yeBdaGjM%26tbnid%3DFbsN-626Bo6ydM%3A%26ved%3D0CAUQjRw%26url%3Dhttp%253A%252F%252Falsature.wordpress.com%252F2012%252F10%252F31%252F19772%252F%26ei%3DK92AU6znMsSwPOXcgKgL%26bvm%3Dbv.67720277%2Cd.ZWU%26psig%3DAFQjCNFt4pTZJ2GdC4BexGuH6ZnAtqVqxA%26ust%3D1401040461740633&ei=K92AU6znMsSwPOXcgKgL&bvm=bv.67720277,d.ZWU&psig=AFQjCNFt4pTZJ2GdC4BexGuH6ZnAtqVqxA&ust=1401040461740633

ليبيا بين مطرقة الذات وسندان المصالح

ليبيات 35

1

تثبت الوقائع والحقائق، أن الإنسان عدو نفسه، وأن هذه العداوة تتناسب تناسباً طرديا مع مصلحته. وكنتيجة مباشرة، كما زادت عداوة الإنسان لنفسه، زادت عداوته للآخر، والسبب اتساع دائرة مصلحته الشخصية، والتي ستتقاطع ضرورة واضطراراً مع دائرة مصلحة الآخر. وطبقاً لدرجة عداوته لذاته، ستكون ردة فعل حمايته لدائرته.
وربما هذا الرأي -الشخصي- يفسر كيف يقوم إنسان، بقتل أخيه الإنسان؟، وفي الجانب الآخر، لماذا تركز الأديان على مسألة التسامح والتصالح مع الذات، وما الصلاوات إلا رحلة في النفس، والصوم مجاهدة لرغباتها، والزكاة مغالبة، والحج رحلة لله.

المحن والابتلاءات، تكشف الإنسان، وتضعه في مواجهة نفسه، ومقدرته على تجاوزها بتجاوز حواجزه الداخلية، أو وتقليص دائرته وقبول الآخر.

الليبي

2

في ليبيا، كشفت الأحداث -ما بعد ثورة 17 فبراير-، مقدار ما يحمله الليبي من عداوة لنفسه، ولا أعمم، إنما الغالب أو الظاهر في المشهد من حولنا، إن ثمة عداولة الليبي لنفسه، في أعلى مستوياتها، ودرجاتها، الأمر الذي إن لم يجعل البلاد تراوح في مكانها، أرجعها للخلف.

إذ وبكل وضوح، نلمس بشكل مباشر، اتساع دوائر المصالح الشخصية، وغزوها للدوائر الأخرى، وصار من السهل -كما نسمع ونعايش-، السلب والنهب والقتل، من أجل أن يدخل جزء من دائرة الآخر ضمن دائرته، وتمّلكه.

وفي عدم وجود مؤسسة لحماية القانون، وفي وجود السلاح، فإنه سيكون من الصعب على المجموعات المسلحة، التخلي عما وصلت إليه، بالرغم من شكلها الشرعية -المغتصب-، فدائرتة مصلحتها أكبر مما تتوقع، بالتالي فهي لن تتوانى في إطلاق الرصاص دفاعاً لكسب مساحات لدائرتها.

3

كنا نقول إن ليبيا -كبلد- تختلف عن مثيلاتها العربيات، وإنها وحدة واحدة، وأنها لن تكون يوماً كلبنان أو العراق، والسبب؛ أننا بلد/مجتمع إسلامي سني وسطي، لا طوائف ولا ملل ولا مذاهب.

لكن على الأرض، فإنه لا ضرورة للمذاهب أو الطوائف أو الملل، ولا حتى المذاهب، لنشوء مواجهات مسلحة بين المجموعات المسلحة، على أسس قبلية، ومناطقية، واعتقادي، وتكتليّة. وكلها دوائر تتسع بمقدار اتساع المصالح. ورأينا مقدار العداوة للذات، متمثلاً في قسوة المواجهات، واحتدام الصراع، واستحلال الحرمات.

4

إن واقعنا، يكشف وصولنا لدرجة عالية من عداوة الذات، الأمر الذي يتمثل بشكل صريح في عدم تعاطينا لمبدأ الحوار، أو التواطوء بغية الوصول لمنطقة وسط، فالمبدأ القائم الآن هو؛ إن لم تكن معي، فأنت ضدي!!!. وهندسياً، يعني هذا: خطان متوازيان، سوف لن يلتقيا، إلا لو غصبا.
*
حفظ الله ليبيا

تعليق حول ما حدث في طرابلس 18-5-2014

ما حدث في طرابلس أمس، لا يمكن ربطه بما يحدث من حراك في شرق البلاد، تحت مسمى “كرامة ليبيا”، لوجود الكثير من أوجه الاختلاف الفكرية والتطبيقية.

فما قام به اللواء ركن “خليفة حفتر”، هو عمل موجه ومركز صوب وجهة واحدة، وهي المراكز والتجمعات التابعة للمجموعات المسلحة ذات التوجه الديني –الإسلامي-، وهو ما أكسبه تأييد قطاع كبير من مواطني المنطقة الشرقية، وانضمام الكثير من التشكيلات والمجموعات المسلحة التابعة التي تستظل بمظلة الشرعية، باستثناء (الصاعقة).

أما الحراك الذي قادته (الصواعق، والقعقاع، والمدني) فكان موجهاً بشكل مباشر إلى (المؤتمر الوطني العام)، الذي بالرغم من اعتراضنا على أدائه، فهو لن يكون السبيل لـ(كرامة ليبيا)، خاصة وإن الهجوم كان لحظة المصادقة على السيد “أحمد معيتيق” رئيساً للحكومة الليبية. وهو ما لا يجعل هذا الحراك بريئاً.

إن طريقة وشكل الهجوم، وكثافة النيران، وحجم الأضرار لا يتوافق مع الهدف المعلن، والذي كشف عنه البيان الذي تلي ليلاً، والذي وإن حمل نقاطاً يتوافق عليها الجميع، إلا إن الشكل وإدراك سكان مدينة طرابلس بالنوايا، جعلهم لا ينضمون لهذا الحراك، والذي كان واضحاً إنه لخدمة مصالح خاصة.
*
حفظ الله ليبيا