كلاكيت ثاني مرة.. (صراع الأخوة)

قتال الثوار

1

ما حدث ليلة أمس*، هو فصل جديد من مسرحية (تدمير ليبيا)، التي برع فيها الممثلون، حد الاندماج والتوحد في النص، ليسيل دمهم على خشبة المسرح، لإبهار المشاهدين.

في أيام الرخاء. كان الكل أخوة تجمعهم اللُحمة الوطنية، وليبيا واحدة، من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب، ولا تقبل القسمة إلا على واحد. وفي الحوار، يقفز الرصاص سريعاً.

صار كلامنا رصاص.

حوارنا رصاص.

لقاؤنا رصاص.

عرض الأمس، كشف ضعف الدولة الليبية.

– وين هيا الدولة؟

– وين هيا الحكومة؟

عرض الأمس، كشف ضعف الشعب الليبي.

– وي هو الشعب الليبي؟

– الشعب الليبي بح، خلاص، انتهى!!!

2

كلاكيت ثاني مرة.

– خلوا يكملوا بعضهم!!!

– كيدهم في نحور بعضهم!!!

– الحكومة مخليتهم يصفوا بعضهم.

– ربي عالظالمين.. درهولنا اكبودنا.

– يا راجل الـ…………. تغولوا.

– حسبنا الله ونعم الوكيل.. لا يقولا صغير لا شياب لا عزوز لا مريض.. ربي ياخد فيهم الحق.

كانت التعليقات تتوالى وتثرى على ألسن الشباب، في زاوية الشارع. نتابع الحدث، ونرصده كل بطريقته، عبر الهاتف والنت، ولا نملك من أمرنا إلا انتظار أن يتوقف الرصاص. مرت الساعة تتلوها الساعة، وكلما ظننا أن الأمور هدأت، يفاجئنا الصوت من جديد بأكثر حدة.

3

إنها الثانية صباحاً.

الرصاص مازال (يلعلع)، والنوم هرب، وقررت ألا أتسقط الأخبار عبر الفيس وتويتر.. ساعة أخرى مرت. صمت وحالة من هدوء. أغمضت عيني، لكن الصوت عاد من جديد. وكأن الممثلون لا يريدون ترك خشبة المسرح والسماع للمتفرجين بمغادرة القاعة قبل أن ينتهوا من إهراق آخر قطرة دم، بشكل رخيص ومبتذل.

متى انتهى المشهد، لا أدري.

كمشاهدٍ مل العرض، وليس لديه مكان ليقتل فيه الوقت، أغمضت عيني. كانت الساعة الثالثة صباحاً أو تكاد.

أفقت.

إنها السابعة، الهاتف بلا شحن، ولازلت بملابسي. زوجتي بجانبي، وطفلي كل في مكانه. والشارع هادئ.

4

أخوة الأمس، أعداء اليوم.

أخوة المصلحة، تنتهي عند أول مصلحة.

والخاسر نحن، درمنا أرخص من ثمن الرصاصة التي تخترق جسدنا.

كلاكيت آخر مرة (فلاش باك).

يوم أمس بعد عودتي من العمل، والغداء جلست للراحة قليلاً، ثم سحبت الهاتف لمتابعة أخر المستجدات على الفيس وتويتر. كان أول ما طلعني خبر وفاة الحاج “نوري فريوان” القائد الميداني لكتيبة (نسور مصراتة)، فانقبض قلبي، ليقيني أن هذا الأمر لن يمر بهدوء.

*

حفظ الله ليبيا.

العرض انتهى.

 _______________________________________

* بدأت المواجهات بشكل طفيف عقب صلاة المغرب ليوم 07-11-2013، لتستمر حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

ليبيات 20.. الغولة وعزوزة القايلة

الغولة

عندما كنا صغاراً، كانت أمهاتنا قد اخترعن (عزوزة القايلة)، وهي شخصية تتمثل في امرأة عجوز (عزوزة) –قد تكون حقيقية- تقوم على خطف الأطفال الذين لا يسمعون نصائح امهاتهن واللعب وقت الظهيرة (القايلة) في الشارع. أما في الليل فكانت (الغولة) تترصدنا عند مدخل الحي لتمسك بأي طفل يخالف أمر والديه ويخرج بعد صلاة المغرب للشارع للعب. لذا فإن أي شيء يضيع في هذين الوقتين أو يخبئ بقصد، يكون بفعل إما (عزوزة القايلة) أو (الغولة). وكأي طفل ليبي، سلمت بهذه الحقيقة، وآمنت بها؛ ولم أحاول لمرة واحدة أن أبحث في ماهيتهما أو كينونتهما، لأن محاولتي كلها باءت بالفشل، فلم يفدني والدي بشيء، وكذلك الأصدقاء الواقعين تحت تأثير ذات الخرافة، إلا صديق واحد قال:

– لو سمحت لـ(عزوزة القايلة) بالبصق في فمك، فستمنحك القوة لتواجه أي غولة وأي شخص.

وكأنه علينا العيش في دائرة الخوف، طوال حياتنا. فها هي (الغولة) و(عزوزة القايلة) من جديد، ليتم إلصاق كل المخاوف على مشجبهما. عادتا بصورة جديدة فـ(الغولة = محمود جبريل) و(عزوزة القايلة = الزنتان)، فهما السبب في كل ما يحدث في ليبيا، من خلال علاقة ضمنية تربط بينهما، على أساس المصالح. أنا هنا لا أحلل بل أنقل ما يدور في الشارع. الشارع الليبي يحملهما مسؤولية ما يحدث من خروقات وأعمال تضر بأمن البلاد.

د.محمود جبريل .. تحالف القوى الوطنية

د.محمود جبريل .. تحالف القوى الوطنية

– مواطن1: يا راجل وين عايش.. تي هادا “جبريل” بعد ما باعوه في المؤتمر الوطني.. قاللهم توه تشوفوا.. سيب البلاد.. وقعد يحرك فيها من بره.. راجل قوي.

– مواطن2: يا خوي.. جبريل لما رجع للبلاد مع المجلس الانتقالي.. تحالف مع الزنتان ودراهم في حمايته.. ولما طلعوه في العزل السياسي، قلب علي المؤتمر واستخدم الزنتان.

– مواطن3: يا خوي اللي صاير في البلاد سببه “جبريل: و”الزنتان”. وبعدين من جاب “زيدان” ما هو، وآهو يحرك فيه من بره.

– مواطن4: شوف، مالاخير “جبريل” ناوي البلاد لأنهم طلعوه من المؤتمر، والزنتان ليه وهو يحرك فيهم زي ما يبي.

– مواطن5: أنا نقولك، “جبريل” والزنتان، ورا اللي صاير في البلاد. بعيدن يا خوي “جبريل” واحد علماني، ما يبيش الإسلام.

لستُ من أنصار نظرية المؤامرة، ولا من محبي ركوب الأمواج. إنما أحاول أن العقل يقودني العقل دائماً، وعقلي يقول لي، لو صح أن ما يحدث في ليبيا وراءه السيد “د,محمود جبريل” فهذا يعني إن الرجل على قدر كبير من القوة المعنوية والمادية، مما يعني أنه الأصلح لإدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة، وإخراجها من بركة الوحل التي تتخبط فيها. فمثل هكذا عقلية سياسية تملك هذا القدر من الحنكة، من العيب علينا خسارتها لمصلحة عصبة ما؟؟!!. أما (الزنتان) فهي قبيلة لها تاريخ مشرف، ولن تتنازل عنه لتكون أداة في يد أحدٍ ما، مهما كان.

بُـــــــرُوُد

التفتت. كان صوت الدوي مرتفعاً، فعلق رفيقي:

– لا تخف!!!.. إنها مجرد ألعابٍ نارية.

– …؟؟؟!!!!

– لا أظنك بعد كل هذه التجربة الطويلة مع الدق، لا تستطيع التفريق بين صوت الرصاص والألعاب النارية.

– لا …. أعرف الفرق جيداً.. لكن في رأسي خاطرٌ غريب.

نظر إليّ رفيقي مستفهماً:

– أخافُ أن تتبلد قلوبنا، وتبرد هممنا. ونتحول مثل العراق.

– ؟؟؟ كيف ؟؟؟

– أقصد، أن يكون بينك وبين التفجير أمتار، ولا يتحرك لك فؤاد. بمعنى أن لا يعني لك هذا التفجير شيئاً، وكأنه حدث عادي، أو ألعاب نارية.

– !!! ؟؟؟

– قلت لك، خاطر غريب!!!

حكاية المؤتمر

شخصياً كنت أفضل أن لا تستخدم مفردة (المؤتمر) للدلالة على أول هيكل تشريعي ليبي لما بعد التحرير، إضافة إلى (العام)؛ وأقصد (المؤتمر الوطني العام)، وذلك لأكثر من سبب.

أولها، إن مفردة (المؤتمر) ارتبطت في عقل المواطن الليبي بـ(المؤتمرات الشعبية) التي جاء بها نظام القذافي، كحل لمشكلة الديمقراطية، وهو أحد طرق نشر الفوضى، وتضييع المطالب، وإخراج الديمقراطية من معناها وغايتها.

ثانيها، إن هذه المؤتمرات كانت وسيلة الكثير للتسلق والتملق، وانتهاز الفرص للمصالح الشخصية، وفي ذات الوقت، وسيلة للنهب، والتسلط.

هذا إضافة، إلى أن المؤتمر كما استقر في عقلية المواطن الليبي، بعد سنوات من التجربة، أنه كنظام لا يقدم شيئاً.

أما فيما يخص مفردة (العام)، فهي ترتبط لذا الغالبية بالمؤسسات العامة، وهي المرادف المباشر لنهب وسرقة الأموال العامة.

 مؤتمر الشعب العام

أما تركيبة (المؤتمر الوطني العام) فهي أقرب ما تكون لـ(مؤتمر الشعب العام)، حيث لا قرارات حقيقية تتخذ، إنما توجيهات تملى وتنفذ، وكأن التاريخ يعيد نفسه في حلة جديدة.

*

حفظ الله ليبيا

ليبيات 19.. العيد الحزين

 

العيد زمان

لعيد الأضحى في التقاليد والحياة الاجتماعية الليبية مكانة عزيزة، مقارنة بباقي المناسبات الدينية الأخرى، فهو شعيرة ترتبط بأحد أركان الإسلام التي لا يسطيعها إلا من نادته (مكة)1، وهو في ذات الوقت صورة من صور التضحية للتقرب من الله، لذا تجد المواطن الليبي يهتم كثيراً بهذه المناسبة حيث منحت اسم (العيد الكبير)2، ويبدأ بالتجهيز لها مباشرة بعد انتهاء (العيد الصغير)3، فقد يبدا بادخار المال لشراء الأضحيةـ أو أن يقوم بشراء خروف العيد والاحتفاظ به وتمقريسه4، حتى اليوم الموعود، عندما تجتمع العائلة حول ربّها، وهو يحمل في يده السكين، والكبش مسجاً تحته:

– شد الراس كويس.. تبته.. مانبوش ناكلوه جيفه.

– وانتا.. لما ندبح اطلق رجليه.

– باسم الله.. الله أكبر.. هذا عن عبدك……. وعائلته، تقبله يا عظيم.

لعيد الأضحى فرحة خاصة، فهو يعني اجتماع الأسرة أو الأسر مع بعضها لممارسة شعيرة مهمة في الدين الإسلامي، وهو صورة من صور التكافل الاجتماعي بين مكونات المجتمع الليبي، حيث التسامح والعفو عن الزلات والأخطاء وغفرانها، هو عيد تتلاقى في القلوب فبل الأيدي، الكل يبتهل فيه بالدعاء والتكبير. كان الارتباط كبيرا بين سكان الحي الواحد والمنطقة الواحدة، وكم من أسرة فتحت باب بيتها فوجدت أضحيتها مربوطة إليه. أعرف أحدهم، كان لا يقوم بذبح أضحيته حتى يقوم بذبح أضاحي من لا يمكنهم من أسر محتاجة، أو ممن لا يستطيع الذبح.

من أحد شوارع طرابلس

من أحد شوارع طرابلس

العيد فرصة

العيد الكبير فرصة للكثيرين للاجتهاد المعنوي والاقتصادي، فالكثير من النشاطات الاقتصادية لها علاقة بهذا العيد، خاصة في السنوات الأخيرة، إذ تتحول الكثير من الشوارع والميادين لخيم وبراكات5 وشوادر، لبيع مستلزمات العيد، من: السكاكين بمختلف الأحجام والبلطات، الحبال، قرمات اللحم6، أسياخ الشواء، رؤوس الشواء، أواني غسيل بطن الخروف، أكياس اللحم، أكياس القمامة، أدوات غسيل، مضخات هواء يدوية وكهربائية، مخاطيف تعليق الأضاحي، مواقد الشوي بمختلف أنواعها وأحجامها، الفحم، وغيرها من مستلزمات العيد.

كما يعرف عيد الأضحى بعض المهن التي ترتبط به، كمربي الأضاحي، وشاحذي السكاكين والبلطات، والجزارين الذين يظهرون فجأة في شوارع طرابلس، حاملين سكاكينهم صبيحة يوم النحر. أما مشوطي7 الرؤوس، فتجدهم يفترشون الأرض قريباً من شعلات النار. أما جامعي الجلود، فإنهم يأتون إليك، حيث تقوم سيارات نقل صغيرة بالتجوال بين الأحياء منادية:

– جلود .. جلود .. جلود.

تجمع الجلود، لبيعها لحسابها الخاص أو للتبرع لبعض الجهات الخاصة، وكنا في الحركة الكشفية نقوم على جمع الجلود والتبرع بها لصالح المؤسسات الاجتماعية.

عيد الأضحى1

عيد حزين

لسبب ما أرى الحزن مرسوماً على الوجوه، حتى وإن انشغل بالبحث عن أضحيته، فالمواطن الليبي حزين.

نعم، الحزن هو العلامة الواضحة على وجه المواطن الليبي، فالعيد لم يعد للبهجة أو للاحتفال، بقدر ما هو ذكرى وجع وألم، فها هو العيد الكبير الثاني الذي يمر على الليبيين بعد التحرير، والبلاد لا تشعر بالأمان، فإن كان عيد السنة الماضية ارتبط بقرار المؤتمر الوطني بالهجوم على (بني وليد)، فإنه هذا العام ارتبط بمحاولة الانقلاب الفاشلة على الشرعية باختطاف رئيس الحكومة الليبية، السيد “علي زيدان”.

في ذات الوقت، شهدت الأضاحي العام الماضي وهذا العام ارتفاعاً كبيراً في وغير معقول لأسعار الأضاحي، وهنا نخص الخروف الوطني8، الذي وصل سقف أسعاره لأرقام خيالية (حوالي 1000 دينار ليبي)، وهو ما يفوق طاقة المواطن الليبي العادي، الأمر الذي أجبر الكثير عن التخلي عن شراء الأضحية لهذا العام، ولهذا العام أيضاً.

– يا ودي.. بلاش منها الضحية العام هادا.

– وين مشيطين. بلاش منه العيد.

– أنا قعمزت مع العويلة وقلتلهم الفلوس اللي عندي ما يجيبوش خروف، شن رايكم تتقاسموهم.

– جهدنا الأسباني ولا الروماني.

لسبب ما، لا أفهم أصرار الليبيين على شراء أضاحي وطنية، بالرغم من ارتفاع سعرها، ربما لأنها قربى لله فهم يحاولن أن تكن قربى على ذات المستوى؟، أم إنها العادة؟. خاصة وإن الكثير من التجار –وهذا مالم يحصل من قبل-، قاموا بتوريد أعداد كبيرة من الأضاحي –الخراف- من إسبانيا ورومانيا، وهي بأسعار مناسبة مقارنة بالوطني.

في ذات الوقت، نشطت الكثير من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في حملات تبرع لتوفير الأضاحي للأسر المحتاجة. وهي صورة لم نرها بهذا الوضوح من قبل.

أكثر ما يحتاجه المواطن الليبي للشعور ببهجة العيد، هو الأمان والاطمئنان، خاصة وأن الظرف الحالي للبلاد لا يقدم صورة مبشرة بغدٍ أفضل. فكما قلت فإن هذا العيد تزامن مع اختطاف السيد “علي زيدان”، ومع موجة من الأخبار عن قيام القوات الأمريكية، بقصف لمواقع لجماعات ليبية مسلحة تحسب على القاعدة في شرق البلاد، وهو الخبر الذي يستقبلك به أي مهنئ بالعيد.

– سمعت؟؟.. ضربوا جماعة القاعدة في سرت ودرنة.

– منو؟!!!.

– الأمريكان.. من غيرهم!!!.

هذا دون أن ننسى ما يدور، وما يسرب من أخبار ،عن عزم الحكومة بالضرب على يد المجموعات والكيانات المسلحة الشرعية وغير الشرعية، وضرورة انضوائها تحت مظلة وزارة الدفاع والعدل والداخلية. وهو ما نبه إليه السيد “علي زيدان” رئيس الحكومة عقب اختطافه، من أنه على الجميع الانتباه، لأن الخطة الأمنية المقبلة ستكون دامية.

أما الشيء الثابت في العيد في طرابلس، هو سمة الهدوء التي تعرفها شوارع المدينة. فخلال أيام العيد الثلاث، تعرف حالة من الهدوء والسكون بسبب مغادرة البعض لها باتجاه مدنهم وقراهم التي ينتمون إليها، ومغادرة البعض للضواحي حيث الاستراحات الخاصة. من بقى في المدينة، فهم يفضلون السكون إلى البيت والجلوس مع الأهل أو الالتقاء في بيت العائلة.

العيد يخبرني الكثير، لكني أكتفي.

*

حفظ الله ليبيا

________________________________________

1- في الموروث الليبي إن مكة أو الحج ينادي صاحبه، وعليه انتظار هذا النداء للذهاب للحج.

2- العيد الكبير: هو عيد الأضحى، وسمي بالكبير لارتباطه بالحج وكون الإنسان عليه التضحية فيه.

3- العيد الصغير: وهو عيد الفطر، وهو عيد اللباس.

4- التمقريس: كلف الخروف والاعتناء به وتسمينه.

5- البراكة: الكوخ الصفيح.

6- القرمة: خشب التقطيع، وهو في العادة جذع شجرة مقطع في حلقات.

7- التشويط: الحرق، والمقصور تنظيف رأس الخروف عن طريق الحرق.

8- الخروف الوطني: الخروف الذي ينتمي للسلالة الليبية.

ليبيات 18.. يوم اختطاف الرئيس*

يوم طويل كئيب

ككل يوم، أبدأ يومي باكراً أو (قبل الصبح) كما يعلق الأصدقاء، ثمّة طقوس صباحية أعتقد القيام بها وداوت عليها لسنوات، وكجزء من هذا الروتين اليومي، أقول بإدراج دعاء صباحي على حسابيّ في الفيس وتويتر، ثم أقوم لشأني، لكن ذلك اليوم (الخميس 10/10/2013) على غير العادة تصفحت الشبكة من خلال هاتفي لأفاجئ بخبر اختطاف السيد “علي زيدان” رئيس الحكومة الليبية. لحظتها تجمدت في مكاني، ولم أستوعب بشكل واضح الخبر، في صياغته المقتضبة. صعقني الخبر وأنا أراه يظهر على تطبيق جلب الأخبار العاجلة، من خلال وكلات أنباء عالمية يشهد لها بالمصداقية.

السيد علي زيدان

السيد علي زيدان .. رئيس الحكومة الليبية

ارتفع آذان الفجر؛ مما أراحني قليلاً، صليت وأفطرت، ولحظة هممت بالخروج من المنزل توقفت. كانت إشارة استفهام كبيرة ارتسمت عند باب البيت، خاصة وإن نشرة الأخبار الخاصة بأحد قنوات الراديو أوردت، في أولى أخبارها (06:15) خبر اختطاف رئيس الحكومة، وأردفت بناءً على ما أفاد به مراسلها، إن من قام بالاختطاف أو الاعتقال، مجموعة مسلحة تابعة لغرفة عمليات ثوار ليبيا، ولجنة مكافحة الجريمة.

يدي اليمنى على مزلاج الباب، هل أخرج للعمل، أم أبقى؟، خلف الباب شوارع مظلمة، وشعب خطف رئيس حكومته، فهل الأمور على ما يرام؟، أم إن الشارع الليبي مازال نائماً؟. توكلت على الله، وخرجت.

قطعت الطريق من بيتي حتى الطريق حيث يمكنني ركوب سيارة أجرة (خط الهضبة)، مشوشاً، فالسيد “زيدان” خطف من مبيته في فندق (كورونثيا)، حيث من المفترض أن أصل لركوب سيارة أجرة (خط تاجوراء) للوصول لمقر عملي. شوارع طرابلس كعادتها صباحاً هادئة ووادعة، وصلت (شارع الرشيد) وترجلت حتى المحطة، حيث انكشف لي (ميدان بورقيبة) تصطف فيه السيارات بجانب بعضها، منادية في نشاط:

– راس اجدير .. تونس العاصمة.. صفاقس.

– مصراتة .. مصراتة.

– صبراتة .. صبراتة نفر.

– صرمان .. صرمان .. نفرين.

تفاؤلاً، شككت في خبر الاختطاف، وقلت ها هو فدق كورونثيا هادئاً ولا يوجد ما يشي بأي عملٍ عسكري. سألت أحد سائقي (خط تاجوراء):

– الأمور هانيه.

– الحمد لله .. هانيه.

– باهي .. شن دوة خطف “زيدان”.

– والله سمعت دوه زي هادي. هاك تشوف في الوضع .. هادي.

تدخل أحدهم:

– سمعتوا.. زيدان خطفوه.

رد آخر:

– الله أكبر.

ولحظتها، تمنى الرجل لو صمت، فكل من كان واقفاً، أسمعه خطبة طويلة، في كلمات قوية، وحمية تنبي عن غيرة وحب لهذا البلد، حتى لم يعد قادراً على الرد، فاضطر للرحيل –الهرب-. ثم جاء من يؤكد الخبر وأن صوراً لعملية الاعتقال –كما جاء في تعليق الخبر- تبثها قناة (العربية)، فاتجه الغالبية ناحية المقهى حيث التلفزيون.

اكتمل النصاب، وتحركت بنا السيارة، وعند بوابة (مطار معيتيقة) نزلت، وكانت الأجواء اعتيادية، مجموعة من الشباب بملابس نصف عسكرية يقفون عد البوابة يتجهزون للمغادرة (فك النوبة). في المقر كانت الشاشة الموجودة بغرفة المهندسين تعرض آخر المستجدات لحادثة اختطاف/اعتقال رئيس الحكومة الليبية.

كان جو الغرفة حاراً ومشتعلاً، الكل يتحدث، ومن يخرج لمتابعة أحد الطائرات أو ترحيلها يعود مسرعاً لمعرفة آخر المستجدات.

– شن صار يا ولاد؟.

في هذا الجو المشحون كانت التحليلات سيلاً لا يتوقف، الكل له رؤيته الخاصة، والكل له قراءته الخاصة للحدث:

– أنا متأكد عن هذه العملية هي عملية استباقية لحماية “زيدان”.

– هادوا جماعة أبو أنس الليبي.. بينتقموا منه لأنه خلى الأمريكان يخشوا.

– وينك يا …….؟

– هادوا جماعة اللجنة الأمنية .. يبوا فلوسهم.

– انقلاب؟

– من ليبيا يأتي الجديد.

– شنو اختطاف .. هذا زيدان يزوق في روحه .. العملية تمثيلية مالاخير.

– خلوه.. هدا عميل للأمريكان.. وبعدين في مذكرة من النايب العام بتهم بالفساد.

والجميل أن الغالبية اتفق على مبدأ أن لرئيس الحكومة حصانة واحترام لابد من الأخذ بها، وأنه مهما كان ثمة طرق رسمية للتعامل تحفظ كرامته كرئيس حكومة.

الجدل على أشده، والحوارات لا تتوقف، عند حوالي الساعة 12:30 ظهراً بدأت أصوات الرصاص تعلوا في سماء (معيتيقة)، ثم صوت انجار قوي:

– هذا صوت رمانة.

خرجنا جميعاً باتجاه الطريق الداخلي للمطار، حيث كان الازدحام شديداً وسيارات الجهات الأمنية والعسكرية في كل مكان. ومن الزحام خرج أحدهم:

– شن فيه؟

– “زيدان” في الحبس. وبيطلعوه بعد شوية. ردا بالكم الرماية بتبدا بعد شوية.

ولم يحدث شيء. دخلنا الغرفة لنجد على الشاشة خبر إطلاق سراح السيد الرئيس، فارتفعت التكبيرات والتهليلات. وتنفس الجميع الصعداء:

– يا جماعة كابوس.. والله كابوس وارتحنا منا.

– يا راجل .. خاشة في حيط.

– الحمد لله .. ليبيا مباركة.

نعم، شعور بالراحة أنعش النفس، وأزاح القتامة التي أنزلت ستارتها على الأفق، ليبيا بخير، ولها رب يحميها ويحمينا من كيد المغرضين. أحد الشباب يدخل:

– جيبوا ليبيا الأحرار.

كان على الخط السيد “هاشم بشر” يؤكد خبر إطلاق سراح السيد “علي زيدان” وأنه بصحة جيدة، سارداً عملية إطلاق سراحه. ثم لتتوالى الأخبار والتصريحات، حتى خروج السيد “نوري أبوسهمين” رئيس المؤتمر الوطني، ونفي (غرفة عمليات ثوار ليبيا) ما نسب إليها، وهو ما يتنافى مع ما ورد على صفحتها على الفيس من معلومات. آخر التعليقات كانت:

– اللي صار يا جماعة في صالح البلاد.. توه الحفرة اللي بين الحكومة والمؤتمر ترتدم.. وتمشى أمور الحكومة.

 

دروس

الكثير من الدروس يمكن الخروج بها من هذه الحادثة، كما إنها تكشف الكثير من الأمور، وتفتح الكثير من الأقواس، وترسم علامات استفهام بحجم المعضلة.

فما حدث لا يعكس هشاشة الوضع الليبي أمنياً، بقد ما يقدم صورة واضحة عن تحكم البعض في أمن البلاد، وتسخيره من أجل تنفيذ أجندات خاصة، وإلا كيف نفسر خروج أكثر من خمسين سيارة في شوارع طرابلس، ومحاصرتها لمعلم مهم في طرابلس دون اتخاذ إي إجراء مضاد. إن هذا يقدم صورة عن التنسيق المسبق والمعد للعملية.

كما تؤكد هذه العملية، سهولة اختراق المنظومة الأمنية في ليبيا، وأنه لا يمكن الاعتماد عليها في تأمين حماية البلاد أو الشخصيات المهمة أو البعثات الأجنبية.

إن هذه العملية ضربت مصداقية الجهاز الأمني في ليبيا، ورفعت من أسهم الحكومة التي اتضح إنها أسيرة في أيدي مجموعة لا تريد بالبلاد خيراً.

هذه العملية أصابت المواطن البسيط في مقتل. وجعلته أكثر خوفاً على مستقبله ومستقبل البلاد.

أما السؤال الكبير، الذي يبحث الجميع عن إجابته: لمصلحة من؟

*

حفظ الله ليبيا

_____________________________________________________________________

* كنت أستعد لإدراج تدوينة جديدة، عندما بدأت أحداث اختطاف السيد “علي زيدان” رئيس الحكومة الليبية. فآثرت الانتظار حتى انجلاء الحدث ومن بعد إدراج تلك التدوينة خلال الأيام القادمة.