
في عالم اليوم، حيث نجد أنفسنا محاصرون ثقافيا، في عصر رقمي مفتوح الأبواب والنوافذ، وممتد الآفاق، تكثر المنصات التي تقدم محتوى متنوعًا، يعيش شبابنا العربي في مواجهة مستمرة بين قيم أصيلة وتأثيرات خارجية غالبًا ما تبعدهم عن الدين. إن التحدي الأكبر ليس فقط في ضياع بعض القيم! بل في غياب وحضور القدوة الحقيقية؛ الفاعلة والقادرة، وسط بدائل افتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنوع المحتوى وكثرته وقدرته على الإمتاع، لكنه فارغ من الروحانية والأخلاق السامية.
في هذا السياق، فالمولد النبوي الشريف فرصة ذهبية لإعادة الاتصال بسيرة النبي محمد ﷺ. فالسيرة النبوية ليست مجرد قصص من الماضي تروى للتسلية أو تزجية الوقت، بل هي كنز قيم على المستويين: أخلاقيا وروحانيا، حيث يمكن للشباب استخلاص الدروس والعبر منها. فقراءة أحداث حياة النبي الكريم، تعكس الكثير من الجوانب: حكمته في القيادة، رحمته بالناس، وأخلاقه العالية، كما تمنح الفرد نموذجًا يُحتذى به، وتذكر المجتمع بأهمية التراحم والصدق والتعاون.
والأمر في العصر الرقمي يتخذ بعدًا أعمق؛ إذ يمكن تحويل سيرة النبي ﷺ إلى محتوى رقمي نافع ومفيد: فيديوهات تعليمية، مقاطع صوتية للأطفال، رسوم متحركة تعليمية، ومقالات تفاعلية، كلها تساعد على إيصال القيم والأخلاق بشكل جذاب وعصري، دون المساس بالجوهر الديني، بل على العكس، تجعل الوصول إلى المعرفة أسهل للشباب والأطفال على حد سواء.
كما يمكن أن يكون الاحتفال بالمولد برنامجًا أسريًا متوازنًا، بعيدًا عن الألعاب النارية والاحتفالات المفرطة في الإسراف، يشمل جلسات سردية للأطفال، قراءة آيات وأحاديث، تبادل الهدايا الرمزية، وأعمال للتبرع أو عمل الخير باسم المناسبة. هذه الأنشطة تقوي الروابط الأسرية والمجتمعية، وتعيد الاحتفال إلى جوهره الروحي، بعيدًا عن الشكل الخارجي فقط.
إن العودة إلى السيرة النبوية لها أثر عميق على الفرد والمجتمع:
للفرد: مصدر إلهام لتطوير شخصيته، وتعزيز قيم الصدق، الصبر، والرحمة في حياته اليومية.
للمجتمع: تعزيز التماسك الاجتماعي، إحساس التعاون والمسؤولية، وبناء جيل قادر على مواجهة التحديات بثبات وقيم راسخة.
خاتمة:
المولد النبوي ليس مجرد يوم للاحتفال، إنما فرصة للتأمل، للتربية، ولإعادة الاعتبار لقيمنا الروحية في زمن التحديات الثقافية والاجتماعية. وفي عصرنا؛ العصر الرقمي، يمكن أن تتحول سيرة النبي ﷺ إلى محتوى رقمي نافع يثري عقول الشباب ويقوي الروح، ليصبح يوم الاحتفال ليس لحظة مؤقتة، بل نقطة انطلاق لإحياء سنته، ونشر القيم النبيلة في حياتنا اليومية، وبين الأجيال القادمة.
أحييك على هذا التدوينة وما فيها من أفكار.
مجتمعنا وخاصة الشباب في حاجة حقيقية للقدوة الحقيقية.