شاءت الأقدار، أن أولد في الزمن الذي اختفى فيه (المسحراتي) من المدن. فلم أسمع صوته ولا كيف كان ينادي على الحور، كل معلوماتي عنه جاءت عن طريق الوالد الذي كانت ليالي رمضان تسمو به ليحدثنا عن ذكريات رمضان القديمة، في البداية وبعدما نزل المدينة ساكناً.
لماذا المسحراتي؟
سأبدأ بهذه الحادثة:
من المعروف عن السيد “بيتر” هدوؤه وعدم استعجاله للأمور، وكنت أفسر هذا كونه إنجليزي، وكان يعترض ليقول: أنا ويلزي.
ماعلينا، في أحد الأيام، وجدته مضطرباً وكثير الاتصال بالمشرف والسؤال عن جواز سفره وإنهاء معاملاته بخصوص التأشيرة.. قلت ربما ثمة خطب، فسألته:
– مافيش سو؟
فرد:
– لا الأمور تمام، بس رمضان قرب، وخايف يصيرلي زي المرة اللي فاتت.
– وشن صار، احكي.
– في مرة التأشيرة جي موعدها مع رمضان، وماكنت نعرف رمضان وشن برنامجه، الجواز ارقد في الجوازات مع الجماعة لبعد رمضان، واضطريت نقعد شهر تاني في ليبيا، وهذا جي بالخسارة على الشركة لأنها حتخلصني كل يوم في 3.
– وتوه
– خايف يصيرلي. ونتشحور شهر تاني.. ماهو رمضان شهر النوم.
نعم، واكتشفت م خلال سؤالي للأجانب العاملين عن فكرتهم عن رمضان، فأجاب الجميع بأنه شهر النوم، فالكثير من الليبيين ينتقم من النوم في هذا الشهر، ينامون إلى ما قبل صلاة المغرب، كما تكثر في هذا الشهر حالات الغياب عن العمل والتقاعس في تأدية الأعمال وترقيد الورق، إلا ما رحم ربي.
الشوارع تظل فارغة حتى الظهر، والمحلات لا تفتح أبوابها إلا قبل العصر لساعتين، وبعد المغرب إلى ما شاء الله.
حاولت أن أجد علاقة بين رمضان والنوم، فلم أجد لا برهاناً دينياً ولا علمياً، المفترض أن يكون الشهر شهر عبادة وتقرب إلى الله، وأن يكون شهر يتخلص فيه الجسم من سمومه وأدرانه، لكن واقعنا في هذا البلد مختلف.. الكل نيام في البيوت في السيارات، على المكاتب، تحت المكاتب، في الغرف الجانبية، وغير الجانبية.
لم أنسى قصة المسحر.. القصة إن الجيران ينشطون في الليل، وبدون قصد يتكفلون في كل ليلة بإيقاظي –إضافة للمنبه- للسحور، ويستمرون إلى ما بعد صلاة الفجر.. فمن يحتاج إلى مسحراتي.