ليبيات 16.. ليبيا .. سياسة سيس

ليل طرابلس1

جــهــل

لا علاقة لليبي بالسياسة ولا الاقتصاد، ولا حتى الجغرافيا. فالمواطن الليبي –الحديث- هو نتاج سنوات من القمع والاستعباد، بداً من العثمانيين إلى الإيطاليين، إلى الحكومة الإنجليزية، ومنها إلى المملكة الليبية، وصولاً إلى عصر القذافي، ومن بعد ثورة 17 فبراير.

خلال هذه السنوات، لم يقم المواطن الليبي بأي نشاط سياسي، أو عملٍ أهلي إلا ما ندر، أو ما كان من بعض التجمعات السياسية إبان فترة المملكة وكانت تخص النخبة المثقفة، التي حاولت جهدها تقريب الصورة من المواطن، لكن المواطن الليبي بطبع الارتياب الذي يسكنه، لم يتعاط بجدية مع هذا الطرح الغريب عنه.

العلاقة بين المواطن الليبي والسياسة علاقة عكسية، وتمثل رياضياً بخطين يتجهان 180 درجة عن بعضهما. وهذا يجعل من المواطن الليبي مواطناً سلبياً في المشاركة السياسية، وإيجابياً فيما يتعلق بالمسألة الجهوية والقبلية، إذ يبرز هنا عامل الانتماء، الذي يغذيه ارتيابه من العوم وحيداً، والسباحة مع التيار الغالب. وهذا ما شبا العمل السياسي في ليبيا، إذ تفسر الأمور بالمصلحة الجهوية وما تستطيع تقديمه السياسة لهذه المصلحة.

اضطراب

هذه العلاقة المضطربة، تنعكس بشكل واضح في حالة الضياع التي يعيشها المواطن الليبي، بعد ثورة 17 فبراير. فالعمل السياسي الآن في مواجهة جهل المواطن، وخوفه –ارتيابه-، لذا فإن التخوين –الرمي بتهمة الخيانة- كان أولى دفاعاته أمام ما يظهر على الساحة من صراعات سياسية. فالأحزاب السياسية في ليبيا صعدت بسرعة على خشبة المسرح السياسي في ليبيا، وبذات السرعة كونت حولها ممثلين ومشاهدين ومساحة للعرض، والمواطن –المشاهد- المنبهر بالعرض تفاعل معه ظناً أنه يمارس حريته التي سلبت منه، ومنع من ممارستها لسنوات طويلة. وعندما دخل الجميع المنافسة الحقيقة، وبدأت الأقنعة في السقوط، تخلى المواطن عنها دون محاولة التقويم. وهذا ما يفسر الهجمة الشرسة على الأحزاب، وبشكل خاص؛ تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء، وهو ما يفسر الهجمة الشرسة على كل ما هو أخواني. فالمواطن في غياب وعي سياسي ولى ظهره لممثليه السياسيين، وهاجمهم، دون محاولة للفهم أو لتقصي الحقائق.

لا سياسة، ولا سياسيون

عاملان أطاحا بالعمل السياسي في ليبيا مبكراً؛

– جهل المواطن الليبي بالحياة السياسية.

– وسرعة تصادم الأحزاب –مصلحياً- فيما بينها.

إن حكومة “أبوشاقور” كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ تعتبر هي شرارة الصدام الفعلي بين أقوى تيارين سياسيين في البلاد، ونعني؛ تحالف القوى الوطنية حزب العدالة والبناء. وهو ما حدا بالبعض إلى التكتل والنظر للمصلحة الشخصية والاعتماد على قوة السلاح لتمرير ما يراد من أجندات، مما أدخل البلاد في متاهة كبيرة، وجد فيها المواطن نفسه ضائعاً وغير ولا يد لتدله على الطريق، فالكل يتصارع، ولا من يلقى بالاً لهذا التائه. وهذا يفسر الاعتماد على العون الجهوي والقبلي، وما يثار من حديث عن الفدرلة هو حديث البحث عن طوق للنجاة، لبر الأمن والأمان.

وهكذا كفر المواطن الليبي بكل ما هو حزبي، وصب جام غضبه عليها، محملاً إياها مسؤولية كل ما يحدث في ليبيا.

إعـــلام

ثمة مسألة أخرى، تمت بصلة مباشرة لهذه العملية المربكة، ونقصد الإعلام. فالإعلام الليبي، صورة طبق الأصل عن المجتمع الليبي بتناقضاته وعدم فهمه لما يثار من قضايا، وحداثة علاقته بالإعلام الحر، أو حرية الإعلام.

الإعلام الليبي فشل فشلاً ذريعاً في مناقشة المسألة الليبية بكل مكوناتها، ولم يتعاطى بمصداقية مع ما يثار من موضوعات، بسبب انحيازه، المباشر وغير المباشر، وأيضاً عدم حرفيته.

لكني –شخصياً- أعذر كل العاملين في الإعلام الليبي، المقروء والمسموع والمرئي، فهم عاشوا تحت قبضة الرقابة لسنوات، ماتت فيها روح الإبداع فيهم، وقتلت أحلامهم الإعلامية. ومع ثورة 17 فبراير، انطلقوا بكل ما قوتهم لممارسة حريتهم، فمنهم من أخطأ ومنهم من أصاب، وكلهم همه تقديم إعلام يرصد الشارع ووجع المواطن.

نعم، المواطن الليبي البسيط، الذي كل همه حياة كريمة، بسيطة، بعيدة عن التعقيدات، يكون له دور فيها، دور فاعل وحقيقي.

*

حفظ الله ليبيا

____________________________________

التفاعل في مدونات ليبية

صدمة حضارية (5)

 حضارة

ايها الثوار … ايها المواطنون الاحرار… شمروا على سواعدكم … دقة ساعة العمل الحضاري…. لابد من تطوير الذوات الانسانية لاقامة حضارة في ليبيا.

قد نسميها فلسفة ومفاهيم وحضارة 17 فبراير. ولابد لها من ذوات وهي آلآت ترجمة الحالة النفسية للانسان. والمقصود بها هاهنا هي الكليات والآليات الانسانية وهي تنقسم الي ؛

الذات النفسية والذات الثقافية والذات الابداعية والذات الاخلاقية والذات السليمة

والذات القولية والذات العملية والذات الاستشارية والذات الادائية وذوات الطوارئ .

والجمع بين هذا كله او بعضه يؤدي الى تطوير الانسان حياته، ويتفهم امره، ويستطيع ان يكون له راي، ويتقبل راي غيره.

وحاضنت هذه الذوات هي الحالة النفسية في الانسان.

وأقول “ان حياة الانسان بآلياته الحضارية التي ذكرناها اعلاه ما هي الا حالة نفسية وان موته هو موت هذه الحالة النفسية وان كان حيا يأكل ويشرب. وان حياة الانسان بدون آليات حضارية تشبه حياة الوحوش في البرية”.

فحتى يطور الانسان حياته يجب ان تشتغل هذه الذوات في عقله ونفسيته ومفاهيمه . ثم تنعكس هذه النفسية والعقل والمفاهيم على محدثات الواقع لتعطي حلا لمشاكله الانية او اليومية والاسبوعية والشهرية والسنوية وما يستجد ويستحدث.

فكما ان العائلة تحاول اسعاد ابنائها وتربيتهم من اجل تحسين وضعهم العلمي والمالي والثقافي والاجتماعي فان مهمة الدولة الحضاري في هذه الحالة هو توفير السعادة للمواطن كي يهتم هو

بالاشتغال في هذه الذوات. و يكون آنيا ووقتيا ومتوازيا، وبشفافية ومهنية عالية وافصاح وترابط بين انظمة ولوائح وتطويرات المجتمع الحديث التي نريد ان نطورها الي مستويات اعلي.

نبذة عن الذوات:

الذات النفسية ( اسعاد المواطن شرط ضروري لتحقيق كل الاليات)

الذات الثقافية (آليات المعرفة والاسلوب الثقافي ورفع مستوي الادراك في المجتمع).

الذات الابداعية ( حرية الابتكار والاختراع والحرية الفكرية والفنية بدون رقيب).

الذات الاخلاقية ( النبل وجودة المعاملة والاسلوب الامثل).

الذات السليمة (الصحة والقوة ودرأ الامراض والأوبأة)

الذات القولية ( التربية الكلامية أو جمل معينة لها ردود معينة متعارف عليها).

الذات العملية (اسلوب وسلوك الانسان في انجاز العمل وكيفية الاحتجاج)

الذات الاستشارية (استشارة اهل الخبرة والعلم والقبول بالرأي الاخر)

الذات الادائية ( تطوير الشخص ومراقبة وتقييم نفسه وعمله لتحسين ادائه).

ذوات الطوارئ : (الآليات الطارئة علي الانسان الطبيعي تحل ما تحرمه الشرائع والاخلاق مثل الرشوة والغش والقتل والغضب والكره والظلم الخ)

ليبيات 15.. اميه مالحه.. أو طرابلس والماء

اميه مالحة

– الميه المالحة كلت الطبوات.. لابد من تغييرها.

هكذا قرر أبي البدء بأعمال صيانة دورة المياه والمطبخ، بعد أن صار من المتعذر استخدام شبكة المياه بسبب المياه المالحة التي تدور بها. عندما بدأ العمال التكسير وقلع بلاط الحوائط الأبيض، بالكاد كان يمكن إخراج أنبوب أو وصلة على حالها، فالصديد أكل وحت فيها، في وصلة قاعدة الحفية، أشار العامل:

– بص يا حج، الملح سادد المسورة ازاي.

ماء 1

نعم، كانت المياه مالحة في كل مكان في طرابلس، في البيوت في المدارس في الحدائق في المساجد. الماء مالحٌ للدرجة التي يستحيل معها استخدامه حتى في المضمضة للوضوء. وكنا في بداية الثمانينات عندما قرر بعض الجيران حفر بئر، أو اشتراك البعض في حفر بئر مشترك.

في الخارج كان صوت الحفار يدق الأرض بقوة وراء الماء، وكأنه يقول: وينك، وينك، وينك. كان علينا تنظيف المكان من الطمي، وأعجبتنا اللعبة، وقتها كنت بعد في بداية المرحلة الإعدادية، وكان علي بشكل روتيني إيصال خرطوم الماء من بئر الجيران إلى خزان البيت السفلي، وتعبئته، ومن بعد تشغيل مضخة المياه لملء الخزان العلوي ومن بعد معاودة ملء الخزان السفلي. أما ماء الشرب، فوقتها لم تكن قناني المياه متوفرة كما هي الآن، فكان علينا حمل (البوادين) إلى أحد حنفيات المياه الحلوة وتعبئتها، والعودة بها، والجميل إنك تجد نفسك في كل مرة تعبئ (البوادين) من مكان، نحن الصغار نلعب، والآباء يقفون في طوابير المياه.

وكوني أحب العمل اليدوي، تعلمت باكراً كيفية صيانة مضخات المياه وعمل (الزبورقو) لها، وأيضا صيانة الملحقات الكهربائية، بمهارة أحسد عليها.

الـــنهـــر

لم أجد ليبياً –وقتها- مقتنعاً بهذا النهر الصناعي، إلا ما ندر!!!.

النهر الصناعي

ومع هذا هلل الجميع يوم إعلان وصول مياه النهر الصناعي، لطرابلس، وما صاحب هذا الحدث من احتفالات ومهرجانات، وتعليقات وبحوث (هل هو النهر الصناعي أم النهر الاصطناعي). المهم إنه قبل وصول مياهه لطرابلس، حذرت الجهات المختصة من احتمال انفجار أنابيب شبكة توزيع المياه لقدمها ولقوة الضخ التي ينساب بها النهر، وضرورة التبليغ عن أي تسريب أو عطب يصيب شبكة المياه، ريثما يتم تجديدها.

وجاء اليوم الموعود مع آذان المغرب، وصلت المياه طرابلس، وغرقت شوارعها في مياه النهر التي لم تحتملها شبكة متهالكة أكلها الملح، بلغنا عن التسرب الكبير الذي في حينا، وبعد أسبوع من تبليغنا تمت المعالجة.

الجميل في الأمر، أنه من تاريخ وصول مياه النهر لطرابلس، ارتحت من جر المياه للخزان، وأعاد أبي تجديد شبكة المياه ببيتنا، وبعد فترة وجيزة، تخلصنا من الخزانات. الأمر الثابت حتى اللحظة، هو مياه الشرب التي ظللنا نستخدم (البوادين) لتعبئتها من حنفيات الجوامع، حتى صارت مياه القناني ووحدات التحلية وثلاجات المياه متوفرة بشكل كبير.

العودة لنقطة البداية

عقب تحرير طرابلس بيومين، انتشرت شائعة تقول بتسميم مياه المدينة، وأنه تم غلقها لهذا السبب. وانتشرت أخبار عن حالات تسمم مصاحبة بتشنجات وصلت لمركز طرابلس الطبي، والمركزي. لكن سريعاً ما علم أن الأمر تم بفعل فاعل. وأنه نحتاج بعض الوقت لإعادة ضخ المياه من جديد.

 خزان النهر الصناعي

في منزلي، لم يكن متوفراً لدي لا خزان ولا بئر، لذا فضلت أن تظل زوجتي في بيت أهلها، وأظل في بيت أهلي حيث الماء.

وانقطعت المياه للمرة الثانية، مرافقة لعملية تحرير بني وليد –كما زعموا-، وكان علينا هذه المرة –كأسرة- مواجهة قدرنا في انقطاع المياه، حيث لا خزان ولا بئر، ولم أكن وحدي، كنت أشترك وجيراني في ذات المشكلة، إلا أن أحد الجيران –بارك الله فيه- عاود تجديد بئره القديم ليقوم بتزويدنا بما نحتاج من ماء. وكان المجلس المحلي طرابلس قد قام بنشر مجموعة من الخزانات المتنقلة في أحياء طرابلس. لم تكن المشكلة في المدة، بل في مياه الشرب، التي نقصت وارتفع سعرها، فبعد أن كانت قنينة الماء عبوة 7 لتر تباع بـ750 درهماً، وصل سعرها إلى دينار ونصف، لتعود وتثبت على سعر الدينار.

وللمرة الرابعة، تنقطع المياه عن طرابلس، وهذه المرة بفعل فاعل، ومع سبق الإصرار والترصد، حتى يتم إطلاق “العنود” التي كانت لولا لطف الله، لكانت “بسوس” جديدة. وها هو اليوم السابع يمر علينا بدون ماء، ولا خبر حقيقي مسؤول يبشر بموعد وصولها. مياه الشرب متوفرة إلى حد ما، سعرها ثابت، ومازلنا نأخذ من ذات الجار المياه، حيث عدت لنقطة البداية، أجر خرطوم المياه للبيت، لأعبئ ما لدي من مستوعبات.

*

حفظ الله ليبيا

________________________________

* تم التعديل بعد التصحيح الذي أفادتنا به الأخت “ورد ليبيا” على الفيس؛ المرة الأولى: أغسطس 2011، والمرة الثانية: أكتوبر 2011، والمرة الثالثة: أكتوبر 2012، والأخيرة: سبتمبر 2013.

 التفاعل في مدونات ليبية

ليبيات 14.. الانهيار الوشيك، أو ايامتنا السُّود

المجهزون لليوم الأسود

تعرض قناة ناشيونال جغرافيك-أبوظبي ضمن برامجها الوثائقية، سلسلة برامجية تحت عنوان (المجهزون لليوم الأسود)، ويعرض البرنامج للإجراءات الاحترازية والتحفظية والوقائية التي يقوم بها بعض الأمريكيين تحسباً لما سيواجه العالم وأمريكا بشكل خاص. ويقوم فريق مختص بتقييم هذه الإجراءات وإعطاء بعض الملاحظات. في بداية الأمر، استغربت من تفكير البعض بهذه الطريقة، وقلت: مهووسون. لأن ما يتخذ من إجراءات يجعل الإنسان في حالة ترقب واستنفارٍ دائمين، مما يضعه تحت حالة من الضغط الدائم.

 المجهزون لليوم الأسود

لكن بعد متابعتي لهذه السلسلة ولأكثر من شهرين، وجدتني أنظر من حولي بشكل غريب، وأتوجس من كل ما يحدث في البلاد، خاصة وإن بلادنا في حالة انهيار مستمر، ولا يوجد استقرار. فإن كان الرجل الأمريكي الذي يعيش حياة نتمناها جميعاً، يعمل بجد تحسباً ليوم تنهار فيه أمريكا والعالم، فالأحق بأن أتحسب كمواطن ليبي لكارثة تتوضح كل يوم، فنحن أياماتنا كلها سود (كما علقت زوجتي)، وعليه فإنا الأحق بمثل هذه الإجراءات من غيرنا، خاصة وإنه لا مهرب، من الرمضاء للنار وبالعكس، فـ(كلها زي بعضها)، و(زي هني زي غادي)، ووجدتني وأنا أقوم على بناء بيت في أحد ضواحي المدينة، أستفيد من هذه السلسلة المميزة، فقمت على تجهيز مخزن للأغذية، وحفر بئر، وردفه بخزان مياه أرضي كبير (فسكية)، خزاني وقود (بنزينا ونافطا)، مولد كهربائي ثابت، وآخر متحرك، مجموعة من الفخاخ حول البيت، منظومة دفاع آلية لنوعين من الأسلحة، كممامات، عيادة مصغرة، كما وضعت خطة إخلاء ونستعد للتمرن عليها. هذا وما زلت أفكر في طرق احتياطية أكثر، منتظراً الموسم الجديد بعد الانتهاء من إعادة بث هذا الموسم من سلسلة (المجهزون لليوم الأسود).

***

– شنو، شكله جومك مليح؟؟؟

– الحمد لله.

– شن في؟؟؟!!!؟؟؟ -تقصقيص ليبيين-.

– لا ما في شي، غير آمس حصلت مولد كبير وبسعر اكزيوني، جبتله السطا وركبه وجربناه.. وأموره 100 – 100.

– !!!

– يعني توه، البير فيه، والمولد فيه، وخزان بنزينا ونافطا فيه، يا راجل حاس إني مستقل.

– ؟؟؟؟؟!!!!!

تحليل

من خلال اليوتيوب، أعدت مشاهدة خطابات كل من القذافي وابنه، كنت أبحث في كلاهما عن خيط يقودني لما يحدث الان في ليبيا، لقد وصفا في خطاباتهما ما ستؤول له ليبيا، بشكل مفصل وواضح، وكأنهم يتنبؤون بما سيحدث، كان ثمة لهجة تهديد في لغتهما ممزوجة ببعض الثقة.

 خطاب سيف

لحظتها، الكل استنكر، وهتف الغرب للشرق (بنغازي تبكي بالدمعة.. جاهزين سوق الجمعة)، ونادى الشرق الغرب (يا شباب الزاوية.. نبو ليله ضاويه)، في صورة كانت من مهابتها تبكي الناظر، وتجعلك تخر ساجداً شكراً لله. خلال التحرير، عرفت المناطق المحررة تنظيماً إدارياً وميدانياً مميزاً، وكان النفط الليبي لحقول المنطقة الشرقية، ينساب في ثقة، وتحت حماية الثوار.

لكن الواقع على الأرض يقول، إن ما قلاه تحقق، وإن ليبيا تسير كما في النبوءة. فما إن تم تحرير طرابلس، حتى تحولت الثورة عن أهدافها، ليحل محلها ثقافة الغنائم والتمشيط.

فهل كان نظام القذافي على حق في تحذيره؟

وهل هو من الدراية بالشعب الليبي، ليصل مسبقاً للنتائج دون تجربة؟

إم إنه وجهنا –نفسياً- لنصل إلى ما نحن عليه الآن من تدهور اجتماعي وثقافي وحكومي؟

أم علي تصديق، أن الأزلام هم من يقودون كل هذا؟

كنا نقول إن ليبيا واحدة، وأنها لا ولن تتجزأ، وأنا لن نكون مثل العراق أو الصومال، فلا طوائف ولا أعراق تقطع أواصر شعب التحدي. لكن ما حدث كان أفظع، فالشعب بدأ بكره نفسه، فالجار لم يعد يطق جاره، والقرية رحلت القرية التي بجانبها، الشرق لا يحب الغرب، والجنوب لا يحب الشمال، فجأة طفت كل الصراعات القديمة، وتحول من يحمل السلاح إلى غول، يحاول أن يسلب (يمشط) كل ما تصله يده، يقفل النفط، ويقطع الطريق، ويغلق المطارات، ويقطع الكهرباء والماء، ولا يتورع عن سفك الدم. إن الصوت الأعلى في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا هو (مصلحتي أولاً). يبدو إن القذافي كان على معرفة تامة بطبائع الشعب الليبي، أو إنه عمل خلال فترة سلطته على تغذية هذه التوجهات والنعرات، ليتحكم أكثر بالبلاد، وكان على دراية أنه بدون قوة لا يمكن لهذا الشعب أن يعيش في أمان. لله الأمر من قبل ومن بعد.

***

في اتصالٍ هاتفي بأحد القنوات الدينية، كان تعليق الشيخ المجيب على سؤال أحد السائلين من ليبيا:

– يبدو إن القذافي كان ساكتاً على خراجٌ كبير اسمه الشعب الليبي.

 

*

حفظ الله ليبيا.

ليبيات 13.. واحد تسعة.. وشعب أكثر ثقة

1-9

بأي حالٍ من الأحوال، لا يمكن إلا أن نعتبر 1-9-1969 تاريخاً غير اعتيادياً في تاريخ ليبيا الحديث، فبكل المعايير لا يمكن محوه من الذاكرة الليبية، لما له من تأثير كبير وقوي في المجتمع الليبي على جميع الأصعدة.

فهذا التاريخ يسجل دخول ليبيا لمرحلة جديدة، مرحلة عرفت فيه الكثير من التغيرات الاجتماعية والثقافية، فقبلاً –أي قبل هذا التاريخ- مرت ليبيا بمراحل آخره الاستعمار الإيطالية وتحول ليبيا إلى ساحة من ساحات الحرب العالمية الثانية، ثم استقلال ليبيا، الذي عرف فيه المجتمع الليبي حالة من الاستقرار، مع تكون ليبيا كدولة عضو في المجتمع الدولي، ليبدأ المواطن الليبي التنظيم لحياته باعتباره صار ضمن منظومة هي الدولة، التي بدأت في البناء ووضع الخطط المستقبلية لبناء دولة حضارية، يتمتع فيها المواطن بحقوقه ويلتزم بما عليه من واجبات.

في 1-9-1969 دخلت ليبيا مرحلة جديدة، وكل من عاصر هذا التاريخ يؤكد أن الكل التف حول هذا (الثورة)، لظن المواطن غنها ثورة جاءت لنصرته والانتصار له، والقضاء على الفساد الذي كان مستشرياً في أوصال الدولة الليبية، خاصة بع أن عجّلت هذه (الثورة) بإنهاء عقود القواعد الأجنبية. لكنها سرعان ما تحولت ن مسارها، لتُدخل البلاد في متاهات تجارب ومشاريع عادت بالويلات على الشعب الليبي، مخلفة الكثير من الرواسب والنتائج، التي شكلت ثقافة المجتمع وغيرت فيه الكثير.

وسواء كان ما أحدثه نظام القذافي في المجتمع الليبي، متعمداً وممنهجاً أو غير ذلك، إلا أن أثره نرصده بشكل كبير بعد انتصار ثورة 17 فبراير المجيدة. ولكن هذا الأثر يعود في نسبة منه إلى المجتمع ذاته في استسلامه وقبوله لهذا التغيير دون أي دفاع ذاتي. وهذا جعل من سقوطه سريعاً في حفرة السلبية.

شعب أكثر ثقة

أكثر ما نحتاجه كليبيين هو الثقة.

نعم. أن نثق في أنفسنا أكثر، في قدرتنا على التغيير، على طي صفحات الماضي بكل ما تحمل من سواد، وأن نبدأ صفحة بيضاء، ناصعة. أن نبدأ غدنا كصباحٍ أول لتلميذ في أول أيام دراسته، لا يعرف من أمره شيء إلا اسم مدرسته، ومدرستنا اسمها (ليبيا).

إن قصص النجاح، بقدر ما يصنعها الإصرار، والإيمان، فإن الثقة هي العنصر الأهم للوصول. فالثقة ليست مجرد كلمة أو إحساس، إنها وعي بما نملكه وما نستطيعه، ويما يمكننا تحقيقه على أرض الواقع. إنه مفتاح الدخول لعالم النجاح.

إن الثقة تبدأ بالإيمان بالقدرة على إحداث التغيير، وليبيا تحتاجه، وهذا التغيير هو الذي سيخرج بها من دائرة الظلام التي نعيشها، إلى دائرة النور لبناء ليبيا الجديدة، ليبيا الحرية والعدالة. إن الإيمان بالقدرة، يجعلنا نيد النظر في الكثير من أفكارنا، والتخلي عن السلبية والنظر إلى الأمور بشكل أكثر إيجابية.

هذا الإيمان، المادي يدعمه إيمانٌ معنوي مصدره الدين الإسلامي الحنيف، الذي يحض المسلم على حسن الظن بالله، وهو أولى عتبات الثقة.

الخطوة الثانية، هي تحديد الهدف. إن الهدف السامي يجعل من العمل أكثر تفاعلاً وجدوى، وأكثر تقديراً للذات، واستحقاقاً للجهد المبذول من أجله، ولا هدف أسمى من بناء ليبيا، والإعلاء من شأنها. يأتي من بعد، رسم طريق الوصول. والذي من خلاله يتم تحضر ما يلزم للوصول، وهو ما يعي البحث فينا عن الشيء الحقيقي المميز، الشيء الذي يمكننا من خلاله العمل ومغالبة النفس عن هواها، واختيار منهجاً للعمل. وبالتالي نكون قد بنينا ثقتنا بأنفسنا وعززناها.

نعم الثقة هي كل ما نريد لبناء ليبيا الجديدة.

الثقة بقدرتنا والعمل على أساس هذه الثقة، وتحويل تفكيرنا إلى الجانب الإيجابي، سيجعل الكثير من المشاكل والعراقيل تبدو تافهة في أعيننا أمام الوصول للهدف السامي الذي نعمل من أجله. ولنا في تجارب الأمم المثل والقدوة.

ثقتي في نفسي، لن تجعلني ألتفت لما يقال، ولما يثار من حولي.

ثقتي في نفسي، ستمنحني مجال رؤية أكبر من أن توقفه عراقيل الواقع.

ثقتي في نفسي، ستجعلني أتصالح مع كل من اختلف معي، وأختلف معه.

ثقتي في نفسي، ستدفعني للثقة بجاري، والاعتماد عليه.

ثقتي في نفسي، ستبني جسراً أقوى للتجاوز الحفر.

ثقتي في نفسي، ستفتح باباً جديداً للدخول.

إن الثقة هي النهضة، هي البناء.

*

حفظ الله ليبيا.