ليبيات 7 .. تدخل أجنبي

 17-فبراير

إعلام ليبي.. بامتياز

ولله الحمد أنعم الله علي بولدٍ محب للبرامج الأطفال ولا يمل مشاهدتها، لذا استأثر بالشاشة الوحيدة بالبيت، وإمعاناً في إقصائنا، قام –مشكوراً- بإخفاء جهاز التحكم، حتى لا يمكننا التحرك سريعاً بين القنوات. فمكان مني إلا أن طبعت قبلة على جبينه: (سلم وليدي)، وأردفت، مزيلاً علامة التعجب التي علت رأس زوجتي: (ارتاح وريّح)، لكني رأيت علامة استفهام أكبر أزاحت التعجب لتستقر.

وحتى لا تكبر علامات الاستفهام فوق رؤوسكم. ببساطة، لقد ارحت من متابعة القنوات الفضائية الليبية، نعم ارتحت كما ارتحت يوم قررت التخلي عن جلسات المرابيع والسّهريات والزرادي والتعكيسات والعكسات، لأني ببساطة أكثر، اكتشفت –بلا فخر- إن القنوات الليبية ما هي إلا صورة عن مرابيعنا وما يحدث بها وطريقة مناقشتها للمواضيع.

وهناـ قد يعلق أحدهم بالقول: (ألا تعتبر هذا دليلاً عن معرفة القناة بوجع الليبي وإنها تنقل صورة صادقة عنه). على العكس كنت سأكون سعيداً لو كان نقاش القضايا يسير حسب قواعد النقاش العلمية –كما تقول الكتب- أو أن الغاية هي إيجاد حلول. فالمتابع لأي نقاش أو حوار حول أحد القضايا يجد أن الجلسة تسير في خطين متوازيين، والمعروف أن الخطين المتوازيين لا يلتقيا، فالمحاوِر يسير في خط مرجعيته: الخنس، والزقاطة، والتعشيش. وهو يعتمد هذه الآليات أو المرتكزات أولاً كونه ليبي –ولابد أن يثبت أصله العريق-، وثانياً كي لا يلتبس من قبل أصدقائه. وهو يظن إنه يحشر المحاوَر في ركن استجواباً وهو يرجمه بالسؤال وراء السؤال، قد السؤال الأول للثاني ولا العاشر، وقد يقفز بها في الموضوع من زاوية إلى أخرى، وقد يخونه وقد يتهمه، وقد، وقد……..، وقد.

أما المحاوَر فيحاول جاهداً الدفاع عن فركته التي جاء بها، أو الفكرة التي يريد تمريرها من خلال هذا الحوار، حتى لا يعاب عليه أنهم ضحكوا عليه ولا لعبوا فيه ولا ركبوه الدرجيحة.

طرفا أي حوار ليبي، يتنازعان الظفر بالنتيجة التي لا يصلونها، كون ثمة ليبي يسكن في عقل كل منهما، وما أبرئ نفسي، والله من وراء القصد.

تدخل أجنبي

حقيقة لا أستبعد التدخل الأجنبي في ليبيا!!!، وكل الأمر مرهون في الوقت!!!، وفي قدرتنا على التعامل مع الواقع الحالي لليبيا ما بعد 17 فبراير!!!.

فالمجموعات المسلحة –لا أحب تسمية مليشيات- تنتشر بشكل كبير في المدن الليبية، وتتصرف خارج شرعية الدولة –التي ننتظر-، الأمر الذي أصبح معه المواطن في ضيق من تصرفاتها غير المسؤولة والتي تتعدى عليه وعلى ممتلكاته، مما أوجد بعض المجموعات الإجرامية اتخذت من هذا الشكل قناعاً لممارسة أعمالاً إجرامية وإقلاق أمن المواطن.

عامان مرا على استعادة ليبيا من مغتصبها الطاغية، عامان مرا وليبيا لم تعرف كيف تسير أمورها، أو كيف تبدا بناء نظامها الجديد، وبكل الإيمان بالغد الأفضل، أعرف أن الصبر هو ضريبة علينا دفعها للوصول إلى الغد القريب. لكن ثمة من لا يريد لنا الصبر، فيمتحننا. فاشتباك هنا، وآخر هناك، رماية واعتداءات، استغلال لقوة السلاح، احتجاز وحبس وتعذيب. اعتداءات على مواقع نفطية ومحاصرة المناطق التابعة لها.

العالم يراقب ليبيا، وهو قريب منا أكثر مما نتصور، وهو على تواصل واتصال، لإيمانه إن ليبيا هي الجائزة التي يستطيع من خلالها التغلب على الكثير من مشاكله، فهو عندما دخل رهان ثورتها وتدخل بالقوة لصالح الليبيين، كان ينظر لما سيحصد من ثمارٍ لهذا المجهود، وهذا من حقه، لكن على أساس تبادل المنافع، والهدف المصلحة العامة. تأسيساً، فإن العالم لن يتركنا طويلاً، حتى نفاجئ به بيننا، وهذه المرة لحماية مصالحه، وحمايتنا من أنفسنا. إن قرار التدخل هذا سينفذ مباشرة دون العرض علينا، ولن يكون لنا من الأمر شيئاً، لأنا مكشوفون أمامهم، وحتى لو فكرنا في المقاومة، فالخردة التي تركها الطاغية وراءه لن تستمر لأكثر من جولة.

لا، لست متشائماً، ولا أدعو لمهادنة الغرب، إنما هي دعوة للتصالح مع النفس، وبناء ليبيا برؤية أبنائها لا أن تملى علينا، لنمنح الفرصة لمن أمناهم للعمل، ومن بعد لنا الحكم، لا نستعجل النتائج، فالثمار الطيبة تحتاج الوقت لتذوق حلاوتها والتمتع بمذاقها الطيب. إن التاريخ سيذكر لهذا الشعب ثورته وخروجه، لكن نريد للتاريخ أن يكتب أيضاً، إن هذا الشعب عرف كيف يسير في المسار الصحيح.

والآن وبعد حادث تفجير السفارة الفرنسية، وإعلان الناتو قبلها بيومين تأهبه للتدخل في حال طلبت الحكومة الليبية منه ذلك، هل نشهد تدخلاً أجنبياً وشيكاً في ليبيا.. حفظ الله ليبيا.

ليبيات 6 .. شكراً للأزلام

اغتصاب

بالكاد لا يمر يوم لا تروى فيه قصة لاغتصاب فتاة ليبية أو غير ليبية، فمن قصة فتاة اختطفت واغتصبت وهي عائدة من المدرسة، إلى من أخذت من يدي أمها، إلى من اغتصبت وهي نزيلة المستشفى، إلى اغتصاب ناشطات في طريقهن إلى غزة. والمعنى، إن المغتصب لم يتورع عن فعل أي شيء للوصول لما يريد، مدركاً أن الدولة بلا قانون وأنه سينجو بفعلته. ولعل مشهد مشاهد الاغتصاب اللفظي (المعاكسات) التي تشهدها شوارعنا بشكل يومي، أكثر من ذي قبل، يعكس واقعاً مريراً لا يمكن ستره.

العامل المشترك بين معظم قصص الاغتصاب، هو تعاطي الممنوعات من خمور ومخدرات، الأمر الذي يضعنا ما مسألة مركبة، تبدأ بالتعاطي، وتنتهي بالاغتصاب، وما بينما متوالية حسابية تسير في خط مستقيم وواضح. وهذا الخط يقطع أكثر من نقطة ضعف في تركيبة المجتمع الليبي ومنظومته الأخلاقية، التي كشفت ثورة 17 فبراير الكثير من ثغراتها التي كان الانغلاق والإنكار والتعالي، يعمل على تغطيتها ومحاولة معالجتها ارتجالياً أو معالجة نتائجها دون النظر للمسببات.

لا أريد القول إن الاغتصاب تحول إلى سلوك، وإن كان سلوكاً فردياً، بقدر ما أريد رفع العلم الأحمر منبهاً لهذا السلوك الجديد على مجتمعنا، والذي يعكس بشكل مباشر حالة القلق التي يعيشها الشاب الليبي، والمجتمع في عمومه، قلق يحيد بالفرد عن حالة الاتزان المفترضة للرغبات، إلى انحياز كامل لرغبة بعينها.

فتاوى

يقال إن الفتوى –اصطلاحاً- جاءت من الفتية، أي القوة، فالمفتي يعطيك القوة للتقوي على مسألتك. لكن ما يحدث في ليبيا من إصداٍر مطلق للفتاوى يعطي عكس الصورة التي عرفتها.

فأكثر ما صدر من فتاوى لا أراها تعطيني القوة في شيء للاستعانة به، لدرجة أني صرت أؤمن بنظرية المؤامرة في هذا الموضوع، وكأن الفتاوى تصدر عن خياط (مع الاعتذار لفضيلة المفتي)، يقوم بتفصيلها حسب الطلب. آخر الفتاوى التي خرجت علينا، فتوى لا تسمح بزواج الليبيات من غير الليبيين (الأجانب). هذه الفتوى بقدر ما فيها من خوف على مصلحة المرأة الليبية –كما بينت الفتوى- تظلمها بحرمانها في حقها من الزواج، خاصة من وصلن لأعمار يصعب معها الزواج من زوج ليبي، ليرتفع الرقم في خانة (غير متزوجة). إن كان دور المفتي حل المسائل، فإنه بهكذا فتوى يضيق الخناق أكثر مما هو حول عنصر فاعل في المجتمع. فهذه الفتوى على سبيل المثال لا تصب في صالح المواطنات الليبيات المتزوجات من غير الليبيين، واللواتي يطالبن بحقوقهن وحقوق أبنائهن كمواطنات ليبيات.

والسؤال الذي أجدني في مواجهته؛ أين هذه الفتوى من حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه” ثلاث مرات). ومن حديث صلى الله عليه وسلم (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب).. وأختم بقوله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات الآية 13].

عن الفيس بوك

عن الفيس بوك

أزلام.. أزلام

شكراً للأزلام، لأنهم يعملون بجد من أجل زعزعة استقرار البلاد وبث الإشاعات والأخبار الكاذبة.. ويبذلون ما يستطيعون من جهد لإغراق البلاد بالممنوعات من خمورٍ، وحشيش، وبودرا، وحبوب.

شكراً للأزلام، لأنهم أطلقوا أيدينا لقتلهم واغتصابهم.

شكراً للأزلام، لأنهم سمحوا لنا بتحويلهم إلى مشجبٍ نعلقُ عليه خساراتنا وانتكاساتنا، وكل ما نرتكب من مخالفات وانتهاكات.

شكراً للأزلام، منحونا الفرصة للهروب من ذواتنا المريضة إليهم، فأمنونا وأجارونا وأطعمونا. وساعدونا على تحصين قانون (العزل السياسي) والدستور والدولة لم تولدا بعد.

ليبيات 5.. ثورة 17 فبراير ترفع الغطاء -نظّارةٌ سوْدَاء-

دمُ الشهداء

في أحد الصباحات الباكرة بمطار معيتيقة، وكخاتمة لحديث عن ثورة 17 فبراير، والحراك الذي يعيشه المجتمع الليبي، علق أحد الأصدقاء: خايف يجي يوم يلقى الأب والأم إن دم ولدهم راح بلاش.

 شهداء-ثورة-17-فبراير

Continue reading

ليبيات 4.. زردة (المشاركة الليبية في معرض القاهرة الدولي للكتاب)

 

مشهد أبيض وأسود

أكثر ما استفدته من طبيعة عملي بأحد الشركات، هو بعدي عن الوسط الثقافي، الذي أفادني كثيراً وعلى أكثر من صعيد (شخصي ومعرفي)، خاصة وإن الوسط لم يكن بذلك الذي كنت اتمنى –أتخيل-، إلا من بعض الأسماء التي آمنت بالإبداع. وأذكر أنَّا كمجموعة شابة ضمن أعضاء رابطة الأدباء كيف حاول البعض استمالتنا للتصويت لمرشحهم لأمانة الرابطة، أو كيف كنا نتلقى التعليقات عن ضعف تجربتنا دون أن تردف هذه التعليقات بالنصح أو النقد البناء (بات ليلة في الدباغ.. صبح قربة). وغير ذلك الكثير من الأمور التنظيمية التي دعتني للابتعاد عن الأنشطة الثقافية، كالارتجالية، واعتماد أسلوبُ (العوالة/ واسمع تعال/ وما تبيش عزومة)، أسماء بعينها موجودة في كل نشط، برامج لابد أن تكون بذات الشكل، ومن أغرب ما عايشته يوم أن صدرت مجموعة الصديق “غازي القبلاوي” القصصية (إلى متى؟) وحملها الشاعر “……..” بين يديه وقال: شوفوا كاتب اسمه فوق العنوان شن يحساب روحه.

ثم قام برمي الكتاب على الطاولة، وأنا متأكد إنه لم يقرأه حتى لحظة كتابتي هذه الكلمات.

مشهد ملون

وصلت القاهرة على متن الخطوط الافريقية مدعواً من قبل وزارة الثقافة، صحبة زوجتي المدعوة أيضاً، وطفلنا الصغير. للحضور والمشاركة ضمن فعاليات الدورة الـ44 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب وقد التقينا على متن الطائرة بعض المثقفين والمدعوين للمشاركة وأيضا من تحمل تكاليف السفر على حسابه، وقد أخبرنا أحدهم مشكورا بأنه قد تكون هناك سيارة لنقل المجموعة من المطار، انحشرنا بداخلها صحبة حقائبنا، وانطلقت بنا إلى فندق “سونيستا” على أمل الحصول على حمامٍ دافئ سريع وقسط من الراحة، نخرج من بعده في جولة بالمكان استعدادً لزيارة المعرض في اليوم التالي، خاصة وأني أمضيت ساعتي التحليق في مراجعة الورقة الخاصة بالتجربة الشعرية الجديدة، بينما زوجتي كانت قد استعدت باكراً للأمسية القصصية بقصة جديدة خصت بها المعرض.

وصلنا الفندق، واتجهت من فوري إلى الاستقبال للحصول على الحجرة، لكن قبل وصولي أوفقني الأستاذ “عبدالفتاح البشتي”: راهو ما فيش حجز.

استغربت الأمر بداية، لكن حالة الاستغراب تحولت إلى حالة غضب (شياط وعياط)، فوزارة الثقافة قامت –عن طريق اللجنة- بإبلاغي أنه ثمة حجز لمدة ثلاثة أيام لي، وأخرى لزوجتي. طبقاً للبرنامج المعد لفاعليات المشاركة الليبية كضيف شرف لهذه الدورة. لكن الواقع يقول إنه لا حجز وعلينا تدبر أمرنا، وعلينا انتظار المفوض المالي حتى الحصول على الـ1200 دولار اً مخصاصتنا عن مشاركتنا ضمن فعاليات ضيف الشرف. وبعد أكثر من ساعتين من الانتظار ببهو الفندق، همس في أذني أحد المشرفين: بالشوية، أركب للدور التامن حجرة (811) باش تاخد البوكت موني بتاعك.

وبالفعل استلمت مخصاصتي وزوجتي وبدأنا التفكير في كيفية السكن، ففكرة السكن بالفندق بسعر 250 دولاراً لليلة رهيبة وأكبر من امكانياتنا خاصة وإن موعد عودتنا المفترض –الصادر عن أحد المكاتب المكلفة من قبل وزارة الثقافة- هو 7 فبراير.

باختصار ذلك اليوم (الأحد 27-1-2013) الذي ابتدأ الساعة 4 صباحاً في طرابلس انتهى عند الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت القاهرة بعد حصولنا على فندق معقول للمبيت غير أنه بعيدٌ جداً عن المعرض. وهكذا كنت مرهقاً ومتعباً ولم أقدر على المشاركة أنا أو زوجتي.

وقائع

– علمت بمشاركتي وزوجتي في المعرض بطريق المصادفة، وكنت محرجاً من السؤال، وعندما اتصلت قيل لي: وينك.. جيب جوازك وجواز الأستاذة وتعالى توه.

– لم نبلغ بشكل رسمي بمشاركتنا وطبيعتها. وجدت اسمي في برنامج نشر على الفيسبوك في ندوتين، واسم زوجتي في أمسية قصصية.

– اقترحت على اللجنة أن يتم اختصار مشاركتنا في يومين بحيث تكون فترة إقامتنا في القاهرة خمسة أيام على أبعد تقدير. لكن حتى لحظة كتابتي هذه الأسطر لم أتمكن من تقديم موعد الرجوع عن الموعد المسجل بالتذكرة (7-2-2013).

– لم أكن وحدي الذي وقع بمقلب وزارة الثقافة، لكن أسماء مهمة كانت ضحية هذا التنظيم المميز للمقلب. بالمناسبة ثمة من كان على علم بهذا الأمر وقام بتنسيق أمور إقامته.

– مما اكتشفته؛ إن ثمة تمييز بين المشاركين، وهذا التمييز يختلف من مجموعة لمجموعة، فجماعة الصحافة تمتعت بالحجز الفندقي، وجماعة مجلس الثقافة نالوا أكبر مخصص مالي، أما جماعة وزارة الثقافة فكان التمييز يختلف من شخص إلى آخر في المخصص المالي والإقامة. كما إن ثمة من يتمتع بالإقامة الفندقية (خمس نجوم) والمخصص المالي وهو ليس من أهل الثقافة (إداريون، سكرتيرات، عاملوا مقهي،….).

– زيارة بسيطة لجناح ليبيا –ضيف الشرف- يكشف فقر المشاركة وبساطتها بالمقارنة مع ما قدمته بعض دور النشر العربية المشاركة أو الهيئات.

-استغربت أن الحضور في المناشط كان ليبياً (زيتنا في دقيقنا). وحدهم الصحفيون المصريون من يزور الجناح لإجراء الحوارات وأخذ التصريحات.

ليبيات 3.. عــزْل وغــزَل

عــزل

يكثر في هذه الأيام الحديث عن قانون العزل. وبغض النظر عن مشروعية إصدار هذا القانون من عدمه في غياب الدستور، إلا أن هذه لا يغير من حقيقة الأمر، ومدى إخلاص النية في إصدار مثل هذا القانون.

فإن كان القصد من القانون هو عزل كل من عمل في نظام الطاغية، فإن المنطق يقول بعزل (إقصاء) كل من عمل مع النظام طوال الـ42 سنة الماضية، في أي منصب أو وظيفة تحمل طابع المسؤولية، شاملاً كل من تصالح مع النظام وسايره، حتى يكون لهذا القانون معنى، بحيث لا يقتصر على من عمل مع النظام خلال السنوات الأخيرة أو من عمل ضد ثورة 17 فبراير المجيدة، وإلا فهو قانون يتم تفصيلة لعزل وإقصاء مجموعة بعينها، مما لا يبشر بسلامة النية من وراء هذا القانون، الذي نفترض إن الغاية منه هو المحافظة على ثورة 17 فبراير من المتسلقين وممن قد يؤثرون في مسيرة البلاد والخروج بها من إرث الجهل والتخلف.

وبالرغم من إيماني بضرورة العمل الجماعي والمشاركة بين كل الليبيين، دون النظر لخلفياتهم، وأن ليبيا تحتاج الجميع من أجل المرحلة القادمة، إلا أنني أؤمن بهذا القانون لعزل كل من استفاد وصعد على أكتاف الليبيين –حد الإدماء- لأجل مصلحته الشخصية، دون النظر لمصلحة البلاد، ولكل من كانت له يدٌ في استغلال العرق والجهد الليبي، واستحلال دماء الليبيين من أجل أن يستمر نظام الطاغية. ولكي يكون قانوناً حقيقياً، لابد أن يكون عادلاً في نظرته وآلية تطبيقه، ولابد أن يشرح بالشكل الصحيح للمواطن حتى يكون على مستوى من الوعي يمكنه من متابعة تطبيق القانون. وإلا دخلنا في دوامة التطبيق، بحيث يُساء استخدام القانون، ليتحول إلى وسيلة لحبس وإقصاء الغير، أو جسر لبلوغ مصالح شخصية، أو مشجب تعلق عليه الأخطاء.

فالشارع الليبي يعاني من حالة من عدم الفهم، وبمعنى أصح الوعي بماهية العزل السياسي أو الغاية منه، خاصة وإنك تسمع رجل الشارع يتحدث عن ضرورة السرعة إصدار هذا القانون وتطبيقه، لأن الموظف يريد إقصاء رئيسة المباشر في إدارته، والمدرسة تريد عزل مديرة المدرسة، والطالب يريد أن ينحي أستاذه، وبالتالي سينقسم المجتمع بين مطالبين بالعزل ومعزولين، ومن بعد سيتطلب الأمر قانوناً آخراً للتعامل مع من تم عزلهم،. والمعنى إنا سنجد أنفسنا دوامة، نحن كمجتمع في غنى عنها، ليكون اهتمامنا موجها لبناء ليبيا ومنصباً حول السبل والوسائل للخروج من إرث التخلف والخرف الذي عشناه لـ42 سنة.. والله من وراء القصد.

غــزل

لا يمل مؤتمرنا الوطني من مغازلة المواطن الليبي، ليس حباً –كما أظن-، بل محاولة لمص الاحتقان الذي يشعر به المواطن، وما يمر به من ظروف اضطراب الحالة الأمنية في البلاد، وفي ذات الوقت، دغدغة يقصد منها أن المؤتمر –ممثلاً في أعضائه- يعي حاجة المواطن الليبي واحتياجاته.

وتتمثل هذه المغازلات، في مجموعة من القرارات والنقاشات تمس المواطن اقتصادياً، فمن نية بإيقاف الفوائد على السلف والقروض، إلى زيادة علاوة العائلة، وزيادة علاوة السكن، والمرتبات، والعيديات، والمنح المالية للأسر والثوار، وغيرها. وفي ظني إنها محاولات الغاية منها كسب رضا المواطن، أو تسكينه، أو تخديره لبعض الوقت –كما يعلق أحدهم-، وهو أسلوب تعوده الليبي من قبل، ولم يعد يثق إلا فيما يتحقق من وعود أو قرارات، وفي ذات الوقت ينتظر أن ينتصر له المؤتمر ولحقوقه المسروقة منه لأكثر من 40 عاماً، عانى في ضيق العيش، حد أن يضطر فيها لاستحلال الربا من أجل بناء 90 متراً (يدك فيها راسه هو وعويلته). والمواطن الليبي بقدر حاجته الاقتصادية، إلا إنه يؤمن بضرورة أن تقوم البلاد على أسس اقتصادية تضمن مساواة فرص العمل، وأن يكون العطاء بقدر الجهد المبذول والتعب والتحصيل المعرفي (فأنا ما نطلبش ولا بناخد حاجة مش ليا، أنا نطالب بحقي، وحقي المفروض يكون على حسب شهادتي وجهدي، مش أكثر، عاملوني صح واعطيني عرقي، مش تخليني نخدم على تاكسي وتقولي خيرك ما تجيش الخدمة).

وأريد أن أنبه إلى نقطة مهمة –وأزعمها خطيرة- هي فقد المواطن الليبي الثقة في حكومته ممثلة في المؤتمر الوطني و الحكومة المؤقتة، لسببين؛ الأول خبرته السابقة في عهد الطاغية، والثاني التعالي في التعامل مع عقلية المواطن. مما ينعكس سلباً على أداء المواطن في المرحلة القادمة، مرحلة البناء والتعمير. والله من وراء القصد.

________________________________

نشر بصحيفة الكاف الإلكتروية