تقسيم

ليبيات 32

كلنا بنغازي

عندما انتفضت بنغازي في فبراير، لم تكن وحدها الكل أدرك إنها الشرارة التي لابد من المحافظة عليها حتى تشب الثورة وتشتعل. وقتها كنت في (البريقة)1، وكنت أتابع حراكاً شعبياً عفوياً ينادي بسقوط نظام القذافي. وعبر الهاتف أسمع هتاف الشارع في طرابلس (بالروح بالدم نفديك يا بنغازي).

وعندما تحدث نظام القذافي عن التقسيم، أجابه الشارع بأنه: لا شرقية ولا غربية .. ليبيا وحدة وطنية.

وعندما تحررت المناطق الشرقية، واتجهت غرباً في مواجهة مع كتائب القذافي، لم تتوقف عن الخط الذي رسمه، أو حاول رسمه، بل كافحت من أجل أن تعم الثورة كل ليبيا، وكانت ساحة التحرير في بنغازي تنادي:

يا شباب العاصمة .. نبو الليلة حاسمة.

يا شباب الزاوية .. نبو الليلة ضاوية.

ومن ينسى قصيدة الشاعر “سعد العمروني” التي حفظها أهالي طرابلس، وكانت لهم عوناً وعقيدة:

ياطرابلس قوليلا.. وإنت العاصمة ما عندنا تبديلة

ليبيا واحدة.. يا طرابلس قوليلا.

فدرالية

تحررت العاصمة في 20 أغسطس، وانتهى القذافي في 20 أكتوبر. وأعلنت ليبيا محررة، لدخول عهدٍ جديد. لكن خبر المبتدأ جاء على غير المتوقع، فكانت أول الدعوات والتوجهات التي ظهرت، هي دعوى الفدرالية، التي انطلقت من مجموعة في بنغازي، في حراك حاول التنظير للفدرالية كونها الواقع الذي كانت عليه ليبيا، قبل انقلاب القذافي، لكن الشارع في بنغازي وفي كل ليبيا خرج ضد هذا الطرح وانتخب (المؤتمر الوطني العام).

ليبيا الفدرالية

واستمر دعاة الفدرالية، في طرح دعواهم على إنها أسلوب إداري لا تقسيمي، حتى إعلان برقة كإقليم، وإعلان قوة دفاع برقة، كقوة عسكرية حامية له، ومكتب سياسي برئاسة السيد “إبراهيم جضران” الذي قام على وقف تصدير النفط، على خلفية مسألة تتعلق ببيع النفط بلا عدادات، ثبت عدم صحتها، ثم تحول الأمر إلى محاولة لبيع النفط، خارج سيادة الدولة، أكثر من مرة، حتى دخول الناقلة “مورنينج جلوري” ميناء السدرة النفطي، والتابع لشركة الواحة، وتعبئتها، وهروبها إلى المياه الإقليمية وقبض البحرية الأمريكية عليها لإرجاعها إلي ليبيا، بشكل بعيد عن التفاصيل.

تقسيم

مسألة الفدرالية وبرقة والإقليم، بدأت بشكل هادئ ثم علني، وعندما أنكرها الشارع، في مناطق الشرق بشكل خاص، هدأت وبدأت في العمل على القاعدة، حتى إعلان الإقليم، والهدف المعلن هو إقليم فدرالي إداري يتبع الدولة الليبية. وعند هذه النقطة، لم يكن حراك الشارع على المستوى المطلوب، في حالة تواطؤ شبه معلنة، نتيجة لضعف أداء المؤتمر والحكومة.

وعندما احتفل بدخول السفينة ميناء السدرة، أعلن إن قيمة الشحنة ستوزع بين الأقاليم –لاحظوا معي استخدام مصطلح الأقاليم، بدل الدولة-، وأن النفط هو لكل الليبيين.

وعندما تم التعرض للسفينة، وأعلنت الخارجية الأمريكية اعتراضها على الأمر، تغيرت الخطاب، ليعلن بشكل علني أن الحصة مضمونة، وكأن من شحن يملك الحق.

وعندما قامت البحرية الأمريكية باعتراض الناقلة، لتسليمها إلى ليبيا، تحول الخطاب إلى التخوين، وتحولت الشحنة إلى حق برقاوي سلبته حكومة طرابلس. وبعيداً عما صاحب هذه الأحداث من تفاصيل –أيضاً-. فإن الأمر بات واضحاً، وهو تقسيم ليبيا، والاستحواذ على النفط، خاصة وأن تحركاً بقيادة السيد “خليفة حفتر” سار على ذات الاتجاه، في استقطاب بعض المجموعات.

انفصال

لو سرنا على ذات المبدأ، الانفصالي الفدرالي، فإن ولاية برقة أو إقليم برقة، قد قام بعمل عسكري عدائي على أراض لا تتبعه، من خلال سيطرة (قوات دفاع برقة) على ميناء السدرة النفطي، والذي يعتبر خارج حدود الإقليم البرقاوي. الأمر الذي لا تلم عليه أي قوة تتحرك للدفاع ضده، خاصة وإنها تقدمت حتى مدينة (سرت).

ليبيا واحدة

لو كان الهدف الانفصال، ليتم الأمر بشكل حضاري، يضمن الحقوق وماء الوجه، بحيث يعرض الأمر شعبياً، في أمر انفصال برقة عن ليبيا، تحت إشراف الأمم المتحدة، ويمكن لإقليم برقة أن يستفتي كما يحدث في شبه جزيرة القرم الآن.

لكن علينا قبل الذهاب في هذا الأمر، التفكير بشكل عقلاني، وتوسيع دائرة النظر والتفكير، بعيداً عن المصالح، والنفط، للنظر للمستفيد الأكبر من هذا التقسيم، خاصة وإن حملة إعلامية مصرية تتحدث عن حدود جديدة لدولة مصر الجارة الشقيقة.

ثم إذا كان مؤسسو الدولة الليبية الأوائل من حملوا على أكتافهم هم استقلال ليبيا وبنائها دولة تؤمن بالحرية والعدالة لم، ساروا بالدولة إلى الاتحاد، فهل من المنطقي العودة بها إلى العهد الذي كانت فيه كل ولاية تقاد من خلال الأجنبي، بريطانيا، وإيطاليا وفرنسا. والعودة بمشروع بيفن-سفورز.

حقائق*

تأسست المملكة الليبية بعد استقلال ليبيا في 24 ديسمبر 1951 وعاصمتها مدينتي طرابلس وبنغازي حتى عام 1963، ثم البيضاء من 1963 حتى 1969. سميت في البداية باسم المملكة الليبية المتحدة حتى 26 أبريل 1963 حين عُّدل إلى (المملكة الليبية) وذلك بعد إلغاء النظام الاتحادي الذي كان يجمع بين الولايات الليبية الثلاث طرابلس، وبرقة، وفزان. واستمرت تلك المملكة حتى الانقلاب الذي قاده معمر القذافي في 1 سبتمبر 1969 والذي أنهى حكم الملك ادريس الأول والغاء الملكية وإنشاء الجمهورية العربية الليبية.

حينما حصلت ليبيا على استقلالها كان عدد سكان المملكة قد جاوز المليون نسمة غالبيتهم في ولاية طرابلس والبقية في ولايتي برقة وفزان.

وفي عام 1954 أجري في ليبيا أول إحصاء رسمي للسكان وأعلنت نتائج الإحصاء في عام 1955، وبحسب الإحصاء فإن سكان إقليم طرابس يبلغون 1,090,830 وإقليم برقه 290,328 أما فزان فنحو 54,438 نسمة.

وبعد عشر سنوات أجري التعداد الثاني في عام 1964 حيث بلغ مجموع سكان البلاد 1,559,399 نسمة وفي عام 1968 قدر عدد السكان بنحو 1,802,000 نسمة فيما أظهرت نتائج أول إحصاء بعد الانقلاب العسكري أن عدد سكان ليبيا يبلغون 2,249,237 نسمة وقد أجري الإحصاء عام 1973 وهو ثالث إحصاء رسمي في تاريخ ليبيا.

كانت المملكة تنقسم إلى 3 ولايات هي ولاية طرابلس وولاية برقة وولاية فزان، وتمتعت كل ولاية من الولايات الثلاث بالحكم الذاتي من خلال حكومة إقليمية إضافة إلى مجلس نيابي محلي. ولاية طرابلس هي الولاية الأكثر سكاناً والأصغر مساحة من بين ولايات المملكة الليبية، أما فزان هي الولاية الأقل سكانا، في حين كانت ولاية برقة الأكبر مساحة بين الولايات المملكة الليبية.

التقسيم الإداري للمملكة الليبية 1951-1963

التقسيم الإداري للمملكة الليبية 1951-1963

ولاية طرابلس، العاصمة: طرابلس، المساحة: 276,000 كم مربع.

ولاية برقة، العاصمة: بنغازي، المساح: 850,000 كم مربع.

ولاية فزان، العاصمة: سبها، المساحة: 631,000 كم مربع.

التقسيم الإداري للمملكة الليبية من عام 1963-1969

التقسيم الإداري للمملكة الليبية من عام 1963-1969

بعد التعديلات الدستورية لعام 1963 تم حل الولايات الثلاث التي تتألف منها المملكة الليبية وتشكيل بدلا منها 10 محافظات جديدة هي: محافظة البيضاء، محافظة الخمس، محافظة أوباري، محافظة الزاوية، محافظة بنغازي، محافظة درنة، محافظة غريان، محافظة مصراتة، محافظة سبها، محافظة طرابلس.

____________________

* للمزيد اضغط هـــنـــا.

ليبيا أولاً

ليبيات 28

1

ما يحدث في ليبيا من حراكٍ سياسي بين المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة، أشبهه بتحدي تكسير العظام، والذي يعتمد على المواجهة المباشرة في محاولة لتكسير أكبر قدر من العظام، فكل طرف يحاول الدفاع على مكسبه أو رأيه أو رؤيته، مدافعاً عنها دون محاولة الوصول لمنطقة وسط، أو كلمة سواء، والهدف هو البقاء، لإجبار الطرف المقابل على الاستسلام. والطريف في هذه اللعبة أن يخسر كل الطرفين.

ومن خلال منظورٍ رأسي، أرى المشهد أقرب للحركة في دائرة مغلقة. فالمؤتمر من خلال أعضائه الـ120 يتهم المحكومة بالفشل، والحكومة ترد باتهام المؤتمر بتكبيله وتقييد حركته، وتعطيل مشروعاته، وفي آخر تصريحاته أعلن السيد “علي زيدان” رئيس الحكومة المؤقتة صراحة، أن كتلتي (العدالة والبناء) و(الوفاء لدماء الشهداء) هما من يقف أمام كل مشروع تقدمه الحكومة. وهما يمثلان جماعة الإخوان المسلمون في ليبيا. ويعتبر تصريح “زيدان” بمثابة القنبلة، بعد أن أعلن صراحة أن الإخوان هم من يقف ضد الحكومة، ويحاولون سحب الثقة منها.

2

ولقد عرفت الأشهر الأخيرة من العام الماضي، احتدام هذا الصراع، وسيره في طريق متواز، فالمواطن الليبي يرى بضرورة؛ عدم التمديد للمؤتمر الوطني، وإسقاط حكومة زيدان.

وإن كان المطلب في عمومه غير منطقي في التخلص من شكلي السلطة في البلاد، إلا إن ما طرح من مبادرات، كافٍ لإيجاد خارطة طريق تضمن إخراج البلاد من عنق الزجاجة الذي علقت فيه، بسبب الأداء المتردي للمؤتمر، والشكل الضعيف للحكومة، موجداً حالة من عدم الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة (المؤتمر والحكومة)، مما نتج عنه تعنته –أي المواطن- في الانصياع لمبادرات المصالحة، وتسليم السلاح، وحل المجموعات المسلحة، خالقاً بذلك حالة من الإحباط، هيئة الفرص لضعاف النفوس للعبث بمقدرات الدولة والمواطن، فعرفت 2013 حالة انهيار أمني كبيرة، خاصة مدينة بنغازي التي تعاني من سلسلة اغتيالات وتفجيرات يومية. الأمر الذي نتج عنه استغلال أعوان النظام السابق، لحالة الاحتقان والسوداوية التي يعيشها الليبي، لبث سمومه وأفكاره، وخيالاته، وحلمه بالعودة، لتدخل البلاد حالة النفير، ويشتعل الجنوب والغرب.

3

نعم البلاد تشتعل.. أو كما علق أحدهم: البلاد على صفيح ساخن.

مواجهات في سبها والسرير والكفرة وورشفانة، هذا دون أن ننسى بنغازي التي لا تنام إلا على اغتيال أو تفجير.

المسألة المهمة في ظني، أنه يجب أن ينصب اهتمامنا كليبيين، شعباً وحكومة وهيئات ومؤسسات وأحزاب، على حل الأزمات التي تمر بها ليبيا الآن، مشكلة الجنوب المستباح، ومشكلة ورشفانة و مسألة حبس النفط، وأن نمنح الفرصة –كمواطنين- للمؤتمر والحكومة لبذل ما يمكنهم لرأب الصدع، وإعادة الأمور إلى نصابها. بدل تشتيت جهودهما على أكثر من جبهة، ومشروع.

الأولوية الان للوطن. وللوطن فقط. دون أي اعتبارات قبلية أو جهوية أو سياسية، أو أي انتماء، الانتماء الوحيد، هو الانتماء لليبيا.

ومن بعد نجلس إلى طاولة الحوار أخوة، على ذات المسافة، تاركين وراء ظهورنا، خلافاتنا وخصوماتنا. همنا الخروج بليبيا إلى بر الأمان.

وبعدها يمكن النظر في مسألة التمديد للمؤتمر الوطني العام، وإسقاط حكومة زيدان.

*

حفظ الله ليبيا.