الشعب الذي أبهر العالم

ليبيات 44

نعم أبهرنا العالم، وعلى مر العصور كنا البلد والشعب الذي تخصص في إبهار العالم، من أول (من ليبيا يأتي كل شيء عجيب)، مروراً بارتدادنا لأكثر من 10 مرات، وصولاً ثورة 17 فبراير المجيدة. ولو تفكرنا قليلاً في أنفسنا، لأبهرنا أنفسنا، دون شك.

ولعل حالة الإبهار التي لازمتنا هذه، جعلتنا ننظر للأمور بشكل مختلف، ومغاير عن الآخرين، الأمر الذي يجعلنا نقف على مسافات مختلفة، ومواقع مغايرة عما يراه الأخرون، ويتفقون حوله. ولنا في التاريخ الكثير من الأمثلة، وليس أقرب للاعتبار من انتفاضة الشعب الليبي، في ثورة شعبية أطاحت بنظام القذافي، دافع فيها الشعب عن حقه وحلمه، وبذل من الدماء الزكية الكثير. وعلى غير المعتاد فشلت كل محاولات القذافي لضرب الليبيين من الداخل وإضعافهم، وتفريقهم، فهو كلما دفع باتجاه التفرقة، كان الشعب أكثر التحاماً، واتحاداً وتضحية، فالشعوب الأصيلة والعميقة ثقافياً، تنزع لا إرادياً للتكافل، والدفاع عن لُحمتها.

وانتصر الشعب، وأُعلن التحرير، وخرج الليبيون إلى الشوارع فرحين مهللين بالنصر، يشكرون الله، والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذه اللحظة التاريخية، التي سوف لن ينساها التاريخ، وستظل في الذاكرة الليبية.
وفي الي الحظة التي ظن فيها العالم إن ليبيا تدخل عهداً جديداً من العدالة والحرية والبناء، بعد ما قدم من دعم ومساندة، فاجأناه بتحولاتنا غير المتوقعة، والتي أكدت إننا لم نكن نقف على ذات المسافة من هدفنا، ولم نكن على ذات الموقع. وما أستطيع قوله، إن الهدف كان من القوة بهيث شغلنا عن قراءة مواقعنا ومعاينة مسافاتنا، لم نراجع، لقد حجّمت الحماسة الكثير من المواقف والأخطاء، التي كانا سنستفيد منها كثيراً لو وقفنا عندها، وسارعنا بحلها، دون تجاوزها.

وما زلنا نبهر العالم.
لقد تحولنا من ليبيا الهدف إلى ليبيا الغنيمة، ليبيا المكسب وما نستطيع الحصول عليها منها.

كنا نقول: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
فانهزمنا أمام أنفسنا، ورفعنا الراية البيضاء سريعاً وعالياً، وتركناها تقودنا في الوحل وتخوض بنا بركه الآسنة.

كانت ليبيا واحدة، كيفما جئتها تلقاها (ليبيا).
لكننا حولناها إلى ليبيات، ووجهنا السلاح إلى صدورنا، وضغطنا الزناد.

كان هتاف (دم الشهداء.. ما يمشيش هباء)، يرتفع إلى عنان السماء، فيهزها.
صار الدمُ الليبي، أرخص من الرصاصة التي تُهرقه، وصارت (الشهيد) كالبضاعة الصينية، متوفرة ورخية، ولا تعمّرً طويلاً.

كان الانتخاب عرساً رقص فيه الجميع، وتفاخر بأصبعه الأزرق عالياً.
لنكتشف أن اللعبة أكبر منَّا، فجلسنا نتفرج.

في لحظة ما، ضاعت من ذاكرتنا، رأينا ليبيا مختلفة، أكثر بهجة وإشراقاً وبناءاً ونهضة.
وفي لحظة ما، لم تضع بعد، نحنُ على عتبة التمني، بالعودةِ للخلف.
*
الأملُ في الله أكبر
حفظ الله ليبيا

20 – 8

ليبيات 43

1

كنا نقوم بمراجعة جدول التشغيل عندما صاح أحد الزملاء:

– قصدكم اليوم 20-8 !!!

– نعم !!

لينخرط زميلنا في البكاء، ولم نجد من مفرٍ، إلا أن نشاركه حزنه.

2

في خضم الأحداث التي تمر بها طرابلس، نسينا يوم 20-8. اليوم الذي خرج فيه سكانه علنين تحريها، شارعاً شارعاً، وحياً حياً، ومنطقةً منطقة. في هبة سخر الله لها من المقادير أن أنزل السكينة في قلوب ساكنيها وهم يحلون صيامهم في الـ20 من رمضان، ويبتهلون لله بالدعاء أن ينصرهم، لينطلقوا تسبقهم أهازيج النساء، والتكبيرات (الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، ولازلن أذكر مشهد أحد الجارات، وهي ترفع علم الاستقلال من شرفتها، مهللة ومكبرة، والشباب عند ناصية الشارع لتأمينه.

ومن ألطاف المولى أن ألهم الله قائد كتيبة (امحمد المقريف) المكلفة بتأمين وحماية طرابلس، بإعطاء أوامره بتفريق الجنود، مما سهل الأمر على شباب طرابلس، إلا من بعض المحاولات التي باءت كلها بالفشل، عندما ظن بعضهم أنه بإمكانه إسكات صوت الحق.

3

كانت آخر ضربات الناتو في طرابلس بتاريخ 17-8-2014، عندما أنزل منشوراته قبلها بيومين عن نيته ضرب بعض المواقع، التي كان أحدها قريباً من بيت، وضرورة الابتعاد عن محيط المواقع حفاظاً على حياة المدنيين.

كان الحديث هادئاً بيني وبين أحد الأقرباء، عندما صمت قليلاً قبل أن يعلق:

– الصورة أمام عيني سوداء!!!

– …….

– معركة طرابلس، لن تكون سهلة.

– ربك في الوجود.

– كتيبة امحمد ليست سهلة، وستدافع حتى آخر رجل، والدم لن يترك أحد.

– ……… (محاولاً تشتيت الصورة التي بدأت بالتكون أمام عيني).

وعلقت:

– قل لن يصيبنا، إلا ما كتب الله لنا.

4

22 رمضان/ أغسطس*:

عند ساعات الصباح الأولى وصلت الدفعة الثانية من ثوار الجبل ودخلت (ميدان الشهداء) ملتحمة من ثوار طرابلس، وأهاليها، وها هو “عبدالعظيم محمد” مراسل الجزيرة، يبث أول مراسلاته من (ساحة الشهداء) بقلب العاصمة الليبية (طرابلس). لم تكن (ساحة الشهداء) الهدف، إنما الوصول لمعقل الطاغية في (باب العزيزية).

– شن الأخبار عندكم.

– لا إله إلا الله، المجرم يقصف فينا من باب العزيزية.

في (بن عاشور)، حيث منزل العائلة، كانت تصلنا أصوات معركة (باب العزيزية)، تتوقف لدقائق لتعاود الرشاشات زمجرتها، والمدافع دويها ودكها لأسواره. بعد صلاة العصر دوى انفجار قوي، كانت أحد قذائف الهاون سقطت قريباً من حينا.

– آه، شن الأخبار؟

– شنو، الضي قاعد ماجاش.

– الضي مش مشكلة، المهم تتحول هالغمة.

5

يمر أمام عيني الآن شريط طويل من الأحداث والذكريات، كيف عايشت هذه بداية الثورة في (مرسى البريقة)، ومعايشتنا للحظاتها الأولى وبنغازي تنتفض، ترقبنا لمعركة البريقة الأولى، وخروجنا لتحية الأبطال العائدين يحملون نصرهم لنا، مغامرة خروجنا من (مرسى البريقة) ورحلة عودتنا الطويلة إلى (طرابلس)، وكيف شملتنا رعاية المولى عز وجل منقذتنا مما تعرضنا له في بوابات التفتيش. محاولاتي البسيطة أنا وزوجتي للتوعية بأهمية هذه الثورة، وحقيقتها، ودحض ما يروجه إعلام القذافي، أو محاولاتنا الصغيرة للتبرع لدعم الثوار. الدعاء بظاهر الغيب لـ(مصراتة)، والثوار بالنصر المؤزر. اللحظات الأولى لتدخل الناتو في طرابلس، ليلة 20-8/ 20 رمضان. وصول الثوار من خارج طرابلس، فرحة التحرير يوم 23-8، خروجنا كل ليلة للشوارع للممارسة فرحنا علانية. أحلامنا وأمنياتنا، بأن ليبيا ستكون أكبر مما تستطيع أحلامنا. فرحة التصويت للمؤتمر، وكيف بدأ المشهد يتغير، وانسحاب اللون الوردي منه. حتى تاريخ اليوم 22-8-2014، أصوات القذائف تأتي من كل اتجاه، ولم يعد في طرابلس، من مكان بعيدٍ عن قذائف المتصارعين. توقف.

*

الأمل في الله أكبر

حفظ الله ليبيا.

________________________________

* من مقال بعنوان (فجر عروس البحر) نشر بصحيفة فبراير، وعلى الرابط (هـــــنـــــــا)

المجموعات المسلحة بين الحل والرفع

ليبيات 42

ثلاث أسباب –أراها- تمنع مجلس النواب الليبي، من حل أو رفع الشرعية عن التشكيلات المسلحة في ليبيا:

السبب الأول؛ الوضع الحالي على الأرض، متمثلاً في المواجهات المسلحة التي عرفتها مدينتي بنغازي وطرابلس، من اقتتال طال أثره المدنيين العزّل، ومنشآت الدولة والمرافق الخدمية، لعل أهمها مطار طرابلس العالمي، والمرافق التابعة له. وما صاحب هذا الصراع من أزمات، جعلت مستوى الأمان والخدمات في أدنى مستوياته، خاصة الخدمات الصحية منها.

السبب الثاني؛ القوة التي تتمتع بهذا هذه التشكيلات المسلحة عدداً وعدة، وولائها لقادتها، بالرغم من تبعيتها للدولة. الأمر الذي يمنحها الشرعية للاطلاع بما ترى إنه من مهامها. مما أكسبها السبق في مقابل الجيش الليبي، الذي قد يتفوق نوعياً بسلاحي البحر والجو، المعطلان.

السبب الثالث؛ وعي المجلس رئاسة وأعضاء، بحجم المسؤولية، وضرورة إيجاد حل لهذه المعضلة، بما يجنب البلاد الدخول في دوامة صراع مسلح أكبر، وفي ذات الوقت، يحقق توافقاً حتى الإيفاء بالاستحقاق الدستوري واختيار رئيساً للبلاد.

وفي ظل ما يتردد من آراء، متباينة بين الحل والرفع، أو التدخل الأجنبي. ففي ظني إن مجلس النواب الليبي في ظل التجاذبات السياسية، المتمثلة في مجموعة الـ18 نائباً الذين لم يلتحقوا، وما تحاوله من طعن في شرعية انعقاد المجلس، بالتعاون مع بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام ورئيسه، وشخصيات سياسية وأحزاب، سيكون على قدر المهمة –بإذن الله-، ولن يتسرع في اتخاذ أي قرارات مما يروج لها إعلامياً، باتجاه حل التشكيلات المسلحة أو رفع غطاء الشرعية عنها، وما استجواب السيد رئيس الأركان، وإلغاء قرار إقالة الضباط، إلا خطوة أولى في اتجاه الحل، الذي أراه سيركز على إعادة هيكلة المنظومة العسكرية الليبية بشكل كامل، يضمن الولاء للمؤسسة العسكرية –الجيش الليبي-، ويحقق الانضباط والتراتبية، بدون إبعاد القادة الحاليين أو إقصائهم، فالحل بهم ولهم، وخالصاً لليبيا.

أما آلية التنفيذ، فستكون –كما أتوقع- كالتالي:

1-    إيقاف العمليات العسكرية على الأرض، في كل من طرابلس وبنغازي. وانسحاب جميع التشكيلات المسلحة خارج المدن.

2-    إخلاء المعسكرات الموجودة داخل المدن من مظاهر التسلح.

3-    بحضور ومراقبة طرف محايد؛ إقليمي (عربي / أفريقي) أو دولي، وأفضّل الأخير.

4-    الجلوس إلى طاولة حوار محددة السقف والجوانب.

5-    ميثاق شرف يضمن اتفاق وتعهد جميع الأطراف بالإيفاء بواجباتهم اتجاه الوطن، وإيمان أن الهدف والغاية هي ليبيا.

6-    الاعتماد على الخبرات الخارجية في إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، بما يضمن ولاءها للدولة الليبية.

7-    وتوازياً، البدء في مشروع المصالحة الوطنية.

*

حفظ الله ليبيا

ما أشبه اليوم بالبارحة

ليبيات 41

التاريخ يعيد نفسه

اليوم هو الـ28 من شهر رمضان المبارك، الموافق للـ26 من شهر يوليو للعام الميلادي 2014. منذ الأمس، وتحديد قبيل أذان صلاة المغرب، انقطعت المياه عن مدينة طرابلس، مما عاد بذاكرتي لرمضان العام 2011، عندما تحررت طرابلس في الـ20 منه، وكيف انقطعت المياه في الأسبوع الأخير من الشهر الكريم، وانتشرت شائعة تسميم المياه1.

وأجدني أقول، إن رمضان 2014 لا يختلف كثيراً عن رمضان 2011، فأصوات المواجهات ذاتها، وإن اختلفت النوايا، والحالة ذاتها من انقطاع الكهرباء والغاز والبنين، وأخيراً المياه. شيء واحد عرفه الليبيون قبلاً وأضاعوه الآن، وهو الإيمان، الذي كان يصدح مكبراً من الحناجر ومن مآذن المساجد في كل طرابلس.

ثوار البريوش1

في 20 رمضان، وبعد تمهيد من الناتو، وتوفيق الله لسحب (كتيبة امحمد المقريف) من المشهد، تحررك طرابلس، شارعاً شارعاً، وحياً حياً، ومنطقةً منطقة، بسلاح الإيمان، وما استطاع توفيره أهالي طرابلس من أسلحة اشتروها من حر مالهم، وعند دخول الثوار صباح 21 رمضان ووصولهم ميدان الشهداء، وسط طرابلس، كانت طرابلس كلها في انتظارهم مهللة مكبرة، ولن أستطيع مهما أوتيت من معاني، أن أصف هذه الفرحة، بثوار الزاوية الذين كانوا أو من وصل.

ووصل الثوار من مختلف مناطق ليبيا، ودخلوا طرابلس التي كانت محررة إلا من بعض الجيوب، التي انتهي منها في يوم، ومن تاريخ 23 رمضان 2011، كانت طرابلس محررة، ولله الحمد. وبينما كان أهالي طرابلس يبتهجون بهذا النصر الإلهي، كان الثوار الذي دخلوها يقومون بالاستحواذ على المعسكرات وشحن ما تواجد بها من أسلحة، وكذلك الاستحواذ على ممتلكات المواليين والمحسوبين على نظام القذافي، سواء كانت بيوت، فيلات، استراحات، أو مزارع. ليتمددوا من بعدها.

ثوار البريوش2

يعاب على ثوار طرابلس، إنهم لم يخوضوا جبهات، بالتالي فهم محرمون من كثير النعم، وأنهم لولا ثوار الشرق والغرب لما تحرروا، لأنهم يقضون نهارهم في المقاهي لشرب المكياتا2، وأكل البريوش3، وفي الليل يسهرون على القنوات لمتابعة دوريات أوربا. لذا فإنه من الواجب حمايتهم.

وهكذا وجد سكان طرابلس أنفسهم محاصرون من داخلهم، أي من أبناء وطنهم، القبضة هي القبضة، باختلاف المسميات، لا أكثر.

ثوار البريوش3

في ظل الأحداث التي تمر بها، من الحرب الممارسة عليها تحت مسمى القضاء على بقايا الأزلام، واللواء 32 معزز، والتي يدرك الجميع إنما هي حركة لضرب مسيرة الديمقراطية في ليبيا، والمتمثلة في (مجلس النواب). ففي ظني إن أهالي طرابلس، وثوراها لم يشاركوا في هذه المعركة (الخاسرة)، للكثير من الأسباب؛ أولها إدراكهم للسبب الحقيقي لهذه الهجمة العسكرية (أو هذا ما يسود في الشارع الطرابلسي). ثانيها عدم رغبتهم في الانحياز لأي طرف، حتى لا يتحول الأمر لحرب أهلية، مما يصعب الأمر ويفاقمه. ثالثها أن التكوين الاجتماعي في طرابلس، ليس ذي مكون واحد، فطرابلس لا تعرف العصبية، كون سكانها خليط من كل ليبيا، شرقاً وغرباً وجنوباً. أخيراً، محاولة أهالي طرابلس الحفاظ على مدينتهم (العاصمة)، لأنها تمثل وحدة ليبيا وواجهتها للعالم.

*

حفظ الله ليبيا

______________________________________________

1- يمكن مراجعة تدوينتي الخاصة عن طرابلس والماء (هـــــنـــــا).

2- المكياتا: أحد المشروبات الساخنة الصباحية وفي النهار، وهي في أساسها قهوة تعالج بطريقة حاصة يضاف إليها بعض الحليب.

3- البريوش: هو الكرواسون، ويقدم بالعسل أو الشوكولاته.

ملاحظة: أنا هنا لا أحدث باسم سكان طرابلس، إنما أنقل واقع أعيشه.

عشرة سلالات القلوب

ليبيات 40

متعة

هل تعرف من هوي نيرون؟

وحتى قبل أن أنهي السؤال، سيأتي الرد: حارق روما!!!

يقال أنهُ: في عصر “نيرون” (37م – 68م) كثرت المؤامرات والاغتيالات السياسية، التي كان له يد في تدبيرها وكانت أمه “أجريبينا” إحدى ضحاياه، وماتت وهي تلعن جنينها نيرون التي حملته في بطنها وأبلت به العالم، ومن ضحاياه أيضاً “أوكتافيا” زوجته الأولى وقد قام بقتلها أثناء أدائه مسرحيه يحمل فيها صولجان فسقط من يده. مدحت “أوكتافيا” أدائه لكنها قالت له (لو أنك لم تسقط الصولجان فقتلها). ومن بعدها لم يتجرأ أحد من العاملين في قصره، أن يعيب أي عمل له. وأيضاً قتل معلمه “سينيكا”، أما أشهر جرائمه على الإطلاق كان حريق روما الشهير سنة 64م، حيث راوده خياله في أن يعيد بناء روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير، حيث شبت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، والتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر. وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا، كان “نيرون” جالساً في برج مرتفع، يتسلى بمنظر الحريق الذى خلب لبه، وبيده آلة الطرب يغنى أشعار “هوميروس” التي يصف فيها حريق طروادة.

رعب

الأسبوع الأخير، عاشته طرابلس في رعب وخوف، وحالة من القلق جعلت الكثير تحت وطأة ما توافر من ظروف؛ من نقص للوقود والغاز، وتذبذب أوضاع المصارف، يسحب نفسه من المشهد، فتفرغ الشوارع، وتتعطل دوائر الدولة. للدرجة أن تمر ساعات على طرابلس المعروفة بالازدحام، خالية (تاكلك فيها الغولة).

بعض مناطق طرابلس، طالتها قذائف طرافي الصراع، خاصة جنوب، وجنوب غرب طرابلس، حيث سقطت صواريخ الجراد على بعض الأحياء السكنية، وبشكل خاص منطقة (قصر بن غشير)، التي تحولت إلى (مدينة أشباح)، كما وصف لي الوضع أحد الأصدقاء من سكان المنطقة، فصواريخ الجراء والمقذوفات كانت تسقط على المنازل الآهلة بالسكان، فتقتل وتهدم.

انحياز

يمكنني القول إن ما نسبته 99% من سكان طرابلس ضد ما يحدث من اعتداء سافر عليها، وترويعٍ للآمنين، وتجمع هذه النسبة ان السبب من وراء الهجوم على طرابلس، هو تعطيل (مجلس النواب) عن استلام دوره، والبدء في مرحلة جديدة، من مسيرة الديمقراطية.

–         يعني توه فاقوا إن في بقايا للواء 32 معزز؟.

–         وخيرهم، توه بس يبوا يطلعوا الزنتان من طرابلس؟.

–         يا راجل عيينا من دسكة الأزلام!!!

–         يا ودي، هادو ما يبوش البرلمان!!!

–         مش هية عملية فجر ليبيا، علاش طرابلس بس؟

–         قولي: من جي للاخر؟

 

اقتصاد

البنزين

بانقة البنزينا سعة 7 لتر: 20 دينار

بانقة البنزينا سعة 18 لتر: 40 – 50 دينار.

قلوني البنزينا سعة 20 لتر: 50 – 60 دينار

(والبيع بالمعرفة)

الغاز

اسطوانة غاز الطهي سعة 15 لتر: 50 – 60 دينار.

التاكسيات

المشوار العادي: 5 دينار (وسط البلاد).

مشوار للأطراف: 10 – 15 دينار (مثلاً وسط البلاد قرجي).

عشرات رمضان

يقول المثل الشعبي الليبي، مواكباً للحالة النفسية للصائم (عشرة صعوب، عشرة غلوب، عشرة سلالات القلوب)؛ ووصلنا سلالات القلوب لا لخروج الشهر، بل لقسوة القتال والمواجهات جنوب طرابلس، التي روعت سكان مدينة طرابلس، وجعلت الكثير منهم يغادرها مبكراً إلى بلداته خارجها.

فشوارع طرابلس التي كانت تتميز بازدحامها الشديد في العشر الأواخر من رمضان، ولا تعرف النوم إلا بعص صلاة الفجر، وخاصة مناطق التسوق، التي تشع بهجة ونوراً وحبوراً بوجود الأطفال، وهم يقفزون فرحاً بين المحلات والفرّاشة، نراها اليوم حزينة، فالحركة قليلة وخجولة، بعض العائلات تتجول هنا وهناك، حركة البيع أقل من العادي.

أما زكاة الفطر لهذا العام، فتوجه جزء كبير منها، لإعانة العائلات والأسر النازحة من مناطق الصراع، وبشكلٍ خاص (قصر بن غشير) و(السايح)، إذ يوجد في طرابلس الآن أكثر من نقطة لاستقبال النازحين، وتجميع المعاونات العينية والمادية، وكلها مبادرات فردية وأهلية، تحاول التخفيف من وطأة الوضع الذي تعيشه هذه الأسر، خاصة التي فقدت أحد أفرادها.

أما العيد

–         أي عيد هذا؟ البلاد راحت. لا بنزينه، لا غاز، لا كهرباء. مافيش إلا الجراد والهاون. صدقني ماشريت حاجة، ولا قدرت، تي كيف نعيد وجاري ينزف، تي أي عيد والصواريخ كل يوم في الزايد، لا يقولوا رمضان لا ليلة قدر. ربنا عالظالمين، وياخد فيهم الحق.

عندما أتذكر عيد الفطر المبارك لسنة 2011، والذي أعقب تحرير طرابلس، أكتشف كم الفرحة والأمل الذي فقدناه، والحلم بليبيا جديدة، الكل فيها أخوة، جسدٌ واحد.