الهروب

حكايات ليبية

في أحد تدويناتي طلبت مرة من الشعب الليبي أن ترك البلاد ويخرج، نعم يتركها للعابثين والناهبين والمصلحيين والمتحكمين والراغبين في الكرسي، ويخرج طلباً لحقه في الحياة، والعيش الكريم.

وها هو أبٌ، بحث عن الخلاص والشفاء لابنته في وطنه، ولم يجده، فقرر أن يسلك سبيل الهاربين المهاجرين، عبر البحر. في رحلة (شن جابرك عالمر، غير الأمرْ منه).

نعم “ساجدة” تحرج رفقة أبيها في زورق عابرة (حارقة) البحر الأبيض المتوسط، هرباً من ظلم ذوي القربي، الذين لم يرحموا عزيز قومٍ ذل، وذل الشعب كله.

بدأت الرحلة صباح 28 يونيو 2016 في زورق مطاطي (زوديك)، يقوده المواطن الليبي “عبدالحكيم بشير الشائبي”، صحبة ابنته “ساجدة”. وبعد 30 ساعة من الإبحار في عرض البحر، أوقفت زورقهم الصغير، سفينة حربية إيطالية، حملتهم إلى صقلية، لتدخل “ساجدة” التي أجهدتها الرحلة والسرطان المصحات الإيطالية، وترسل من بعد صورها للوطن وهي تبتسم على سريرها في المصحة.

ليست هذه الحالة الأولى، لهروب ليبي حر، كما تصنفه الأعراف المحلية، ولن تكون الأخيرة، فما تعيشه البلاد من واقع ظلم، لا يرى غده، وربما فُقد فيه الأمل، ضاق العيش على المواطن البسيط، وسُكّرت الأبواب إلا من باب الرجاء في المولى.

مجموعة الصور عن الشبكة

مجموعة الصور عن الشبكة

ليست الأولى، وكما شهدنا حالات، كما حدث في السابق مع أكثر من شاب، وعائلة صغيرة، ربما في الغد نشهد حركة هجرة كبيرة لليبيين، يحرقون أملهم عبر البحر الأبيض المتوسط، هرباً من تار الوطن، إلى نار الأمل.

قصة “ساجدة” أثارت جدلاً كبيراً في الحياة الاجتماعية في ليبيا، وكشفت لليبيين ما وصل إليه الوضع من سوء، وانعكس هذا بشكلٍ مباشر على صفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي. وتم إطلاق هاشتاق (#ساجدة) دعماً لهذه الفتاة، وكشفاً للواقع المرير الذي أوصلها لهذه المخاطرة.

وربما اعترافاً بالتقصير، قامت وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني، أصدرت اللجنة العليا للعلاج، توضيحاً لهذه الحالة، وتحمل فيه وزارة المالية مسؤولية ما حدث.

أرشيفية عن الشبكة

أرشيفية عن الشبكة

كما وكتب الشاعر ” د.أحمد رشراش” قصيدة (وداعاً ليبيا) على لسان الطفلة “ساجدة”، يقول/تقول فيها:

نَجَوْتُ بِنَفْسِي مِنْ بَلَدِ الْجَحِيمِ

وَمِنْ ظًلْمِ المُرائِي وَاللَّئِيمِ

 وَسَاجِدَةٌ لِرّبِّي كُلَّ وَقْتٍ

بأنْ يَرْزُقنِي مِنْ فَضْلِ النَّعِيمِ

 تَرَاءَى الْمَوْتُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ

وَمَدْرَسَتِي تَهَاوَتْ فِي الْجَحِيمِ

 هَدَمْتُمْ كُلَّ أَحْلامِ الطُّفُولَةْ

فَكَمْ فِي الْبَيْتِ مِنْ طِفْلٍ يَتِيمِ ؟!

 وَكْمْ مِنْ زَوْجَةٍ فَقَدَتْ رِجَالاً

أَيَامَى مِنْ كَثِيرَاتِ الكُلُومِ ؟ّ!

 أَيَا شَعْبِي أَرَاكُمْ قَدْ بُلِيتُمْ

بِدَاءِ الْخُلْفِ وَالْحِقْدِ الْقَدِيمِ

 نَمَا الإِرْهَابُ بَيْنَكُمُ وَأَنْتُمْ

بِجَمْعِ الْمَالِ صِرْتُمْ فِي الْجَحِيمِ

 كفاكم تعبثون برزق جيل

أَلَيْسَ هُنَاكَ مِنْ أَحَدٍ حَلِيمِ ؟!

اعتراف: في لحظة ضعف، فكرت في الأمر وحاولت الاتصال، لكن صديقاً -له مني كل التقدير والشكر-، أعادني لجادة الصواب.

حفظ الله ليبيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.