دوائر.. مربعات.. ساحات

#أنا_أدون

في مطلع شبابي، وحتى خلال دراستي بالجامعة، لم تكن السياسة ضمن دائرة اهتماماتي، التي تخصصت في الأدب والإبداع الفني، وبشكل خاص بالشِّعر؛ الذي كنتُ أكتبه بشكل دائم؛ في كل الأوقات، وفي أي مكان، وعلى أي شيء.

لكني وجدت الشعر يوجه بوصلتي نحو مواطن وقضايا إنسانية، تتماس مباشرة والسياسة، وكانت جلساتنا بمقهى (فندق الصفوة) بمنطقة (الضهرة) بمدينة طرابلس، تجمعنا شبابًا محبًّا للشعر، والأدب، صحبة أدباء وكتاب؛ ليبيين وعرب، في عملية تبادل معرفي مميزة بحق، وكان نجم هذه اللقاءات الشاعر “لطفي عبداللطيف” -رحمه الله، والشاعر العراقي “مفيد البلداوي” قبل هجرته.

في أحد هذه اللقاءات كان الحديث عن مصطلح (المربع الأمني) الذي طفا على السطح بقوة، خاصة وإن موقع المقهى، على مقربة من المربع الأمني طرابلس، والذي كان اتخذ من مقر (البرلمان الليبي) في عهد المملكة، القريب من ميدان الغزالة، مقرًّا له.

تشعب الحديث، وأدخلنا معه متاهات، وسبل لا نعرف كيف وصلناها، حتى توقفنا عند مصطلح (مربع أمني)؛ كيف جاء؟ ولماذا؟، حيث إنه صار المعتمد بدلاً عن مصطلح (الدائرة الأمنية)، وهنا تفضل أحد الكتاب الذين كنا نلتقيهم بشكل دائم بالشرح:

هذا صحيح، فليبيا كانت مقسمة إلى دوائر أمنية، وأنتم تعرفون الشكل الدائري أنه عندما يتماس مع أشكال دائرية أخرى، لا يكون ذلك إلا في نقاط، ولا تتلامس حدود الدوائر مع بعضها، بالتالي تظل هناك مساحات غير مغطاة أمنيًّا بين هذه الدوائر يمكن التسلل من خلالها، أو إنها غير مراقبة أمنيًّا. بالتالي تم استبدال الدوائر بالمربعات؛ لأنها حدود المربع تتماس بشكل تام مع المربعات الأخرى، بالتالي لا تكون هناك فرغات بينها.

أعجبني هذا التحليل، الهندسي في شكله الظاهري، الأمني في بعده الداخلي، مع يقين إن هذه التحليل لا يعكس إلا مزيدًا من محاولات فرض السيطرة على وغلق المنافذ، وكبح حرية الإنسان الليبي، والتي تجلت عندما تم حجب مدونتي (المشواشي) التي أطلقتها في نهاية 2005، على (Bloger)، والتي لم يكن أخبر بها أحدًا، إلا خطيبتي -زوجتي الآن-، والتي طالعت بعض موضوعاتها فحذرتني. إذ كنت لحظتها مأخوذًا بتجربة التدوين العربية، والمصرية بشكلٍ خاص. فكتبت عن مشكلة تأخر المرتبات، والسكن، وزيارات بعض الشخصيات النسائية العربية لليبيا، وبشكلٍ بعيدٍ عن الإعلام، وإن كان، فيكون خاطفًا. إضافة لنشر بعض صور المشردين في طرابلس وهم يفترشون أرضيات الحدائق، أو ينصبون رواقًا في ميزران. وكنت في كل مرة أستخدم صالة إنترنت مختلفة عن سابقتها، حتى لم يعد يمكنني الدخول للمدونة، فتوقفت. لأعود للتدوين في 2008 من خلال مدونة متخصصة في مجال الطيران.

مصطلح هندسياسي آخر، وأقصد مصطلح (الساحات). والذي تعرفت إليه خلال مشاركتي في أحد الأنشطة الطلابية بحضور، مجموعة كبيرة من الطلاب العرب، خلال دراستي بكلية الهندسة. وأعترف أني المشارك الليبي الوحيد الغافل عما يحدث.

فلقد اكتشفت أن المشاركين العرب، تقسمهم إدارة النشاط إلى ساحات بأسماء بلدانهم، وأنه ثمة مشرف ليبي لكل ساحة، يساعده آخر أو آخرون من ذات الساحة يتبنون الفكر الجماهيري، وهم يعملون على استقطاب من يستطيعون من طلبة، وهم يمثلون مجموعة متميزة في أكثر من مجال إبداعي وعلمي، للانضمام إلى اللجان الثورية.

الجميل في هذه المشاركة، تعرفي إلى العديد من الشباب العربي، والذين ما زلت محافظاً على قناة للتواصل، خاصة من الجزائر والسودان وموريتانيا. إذ كنا نتواصل عن طريق الرسائل، والآن عن طريق النت.

الأمر اللافت، أن الكثير من الطلبة كانوا يسجلون أسماءهم، بمكتب الاتصال كأعضاء، للحصول على الكثير من الميزات التي كانت تقدم لهم؛ كالإقامة في ليبيا والدراسة، دراسة الماجستير، دعم مشاريع وأبحاث. الأساس أن تنتمي لساحةٍ عربية، محيطها الفكر الجماهيري، ومساحتها اللون الأخضر.

الأمر المفاجئ في هذه المشاركة، أن من شارك من الطلبة الليبيين كانوا على وجهين، أول؛ يمثله معتمدون بمكتب الاتصال باللجان الثورية، ومنهم مشرفو الساحات، وثانٍ؛ يمثله طلبة تم إخضاعهم لمجموعة من المحاضرات الثورية، في دورة تمهيدية تحضيرية للمشاركة. أما غفلتي، لأني لم أشارك في هذا المخيم التحضيري، بسبب تأخر امتحانات الفصل الدراسي حينها.
*
دائرة.. مربع.. ساحة.. ولم يتغير شيء.

___________________

نشر بموقع هوفينجنتون بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.