ليلة على ضوء الشموع

أمس وفي طريق عودتي للبيت، وكما صرحت من خلال تدوينة صباحية*، عن أمنيتي بالعودة للبيت والتمتع بهواء المكيف، بعد يوم مل في درجة حرارة 44 مئوية، وجدت الأمور تمام، الكهرباء فعالة، وتم ما أريد بتوفيق من الله، لكن الفرحة م تكتمل ليوم بدون انقطاع للكهرباء، فقبل 20 دقيقة من موعد أذان المغرب للإفطار، انقطع التيار الكهربائي عن المنطقة. فكان إفطاراً على الشموع.

بعد الإفطار جلسنا في وسط المنزل، حيث ركزنا شمعتين على المنضدة المرتكزة في وسط البيت، وكان ابني يحاول اللعب وأنا أنهره مخافة الاحتراق أو أن تقع أحداهما، ونصير في مشكلة، حتى لفتت زوجتي انتباهه بلعبة خيال الظل، من خلال تشكيلها لخيالات بيديها على الحائط. في هذه اللحظة وجدتني أعود صغيراً، فلقد كانت لعبة خيال الظل لعبتنا الأثيرة عند انقطاع الكهرباء عنا، ولقد طورت هذه الخيالات، فبدل أن نشكل رأس كلب أو أرنب، أو حمامة بأيدينا على الحوائط، صرت أعمل إلى تشكيلها على الورق المقوى، في شخصيات، نقوم بابتكار قصص وأحداث لحكايتها وتمثيلها.

اليوم ثمة مصابيح شاحنة وبطاريات شاحنة وغيرها الكثير، أما في الماضي فلم يكن لدينا إلا الشموع أو مصابيح الغاز (اللمباره) والتي كانت تبعث إنارةً قوية، وكان وسط البيت مركزها، يقوم الوالد بإشعالها فتنطلق تفح وتشع نورها، وكان ابي في تلك السنوات الماضية يحرض على تعبئة اسطوانة الغاز الصغيرة (البريموس) بشكل مستمر، فهي إما استخدمت لعمل الشاي (في العشية) أو للإنارة حال انقطاع التيار الكهربائي.

أما الشموع، فهي موجودة وستظل، ولي معها قصص كثيرة، فلقد كانت وسيلتنا للتنقل بين حجرات البيت، إضافة إلى مصباح اليد (البيله). أذكر أن تزيين الشموع كان من الأشغال الأساسية التي نعمل عليها في حصة الأشغال بالمدرسة، بعد أن نكون حفرنا لها قاعدة في قالب صابون اليد (وقتها كل صابون يد هو لوكس)، وباستخدام الشرائط الملونة تتحول الشمعة وقالب الصابون إلى تحفة فنية. ومما كنا نعمله بالشموع، أو اخذنا لأكثر من شمعة مختلفة الألوان ثم نقوم بإشعالها والبدأ في تقطيرها بطريق عشوائية على بعضها فكان تمازج الألوان يخلق أشكالاً غريبة. لعبة أخرى كنا نلعبها بالشموع، هي تقطيرها على اليد وقياس عدد النقاط التي يمكن احتمالها. آخر ما يمكنني إضافته عن حكاية الشموع، هو الشموع التي كانت على أشكال فواكه، وكان لا يخلو منها بيت في ليبيا، ومن يتذكر أغنية (يا شمعة لا ما تنطفي) للفنان “أحمد حلمي” سيتذكرها، وكنا في البيت نملك مجموعة منها، لم تكن أمي ترغب باستخدامها كونها تزين بها المكتبة وبعض الطاولات الصغيرة. ومن الشموع الغريبة –حتى أختم- شمعتان ضخمتان كان الوالد قد أحضرهما، وظلتا لسنوات تستعملان حتى رميتا.

أعود للكهرباء، أذكر إن انقطاع الكهرباء في الشتاء كان أكثر منه في الصيف، ربما لأنه لم تكن ثمة مكيفات تستخدم بالحجم الذي عليه لآن. في الشتاء عندما نقطع الكهرباء، كانت تجبرنا على النوم باكراً، فليل الشتاء طويل، وغالباً ما كانت الكهرباء تقطع عند صلاة المغرب. ولكون الشوارع غير مضاءة، لا يوجد من مكان إلا البيت للركون إليه مع برودة الطقس والريح والأمطار، والبرد (التبروري)، ونكون قد لعبنا على الشموع والتي من حيث لا ندري يعمل لهبها المتراقص على تنويمنا سريعاً. أذكر إنه في أحد الشتاءات، خرج الحي على صوت انفجار قوي، لنكتشف إن حجرة الكهرباء الموجودة بـ(سانية الكرداسي) قد احترقت، وكانت تصدر عنها شرارات، منعتنا من الاقتراب، حتى حضور فرقة الصيانة. الطريف في القصة إنه خلال المدة التي تطلبها تجهيز حجرة جديدة وتشغيلها، كان عشاءنا في كل ليلة (عصيدة بالرب) وكنا قبل أكلها نغني لها (المطر اتصب .. وعصيدة بالرب) قبل أن تتسابق أيدينا لقبتها اللينة.

في الصيف، كان انقطاع التيار الكهربائي فرصة جيدة للعب (الوابيس) فشارعنا لم يزود بالمصابيح الكهربائية إلا في مرحلة لاحقة، ولكم أن تتخيلونا صبية نجري في الظلام صائحين (وابيييس)، ثم نصمت فجأة، وعلى حراس (السبيتة) إيجادنا قبل الوصل إليها وإعلان الحصانة (سالك)، بينما بين الفينة والأخرى تسمع (وابيس وليد) فيرد عليه (ها ها ها .. عرقتك.. أني محمد.. سالك).

ومن القصص التي أتذكرها عن الكهرباء، يوم التغيير إلى 220 فولت، فكان حديث الجيران عن التحول، والأجهزة الكهربائية التي لن يعود من الممكن استخدامها مباشرة مع النظام الجديد. في أحد الأيام، دخل أبي البيت يحمل مكعبين حديديين ثقيلين، ساعدته في حمل أحدهما بمشقة، عرفت من بعد إنهما محولان، ركب أحدهما للثلاجة، والآخر للغسالة، مخافة تلفهما، لأن شركة الكهرباء لم تعلن بشكل محدد وقت التغيير، فخسرنا نحن مصابيح المنزل، وخسر الجيران بعض الأجهزة الكهربائية، ودون أن تعتذر الشركة.

ولكوني أخرج لعملي باكراً، وكالعادة انتظرت صلاة العشاء لصلاتها، وتركت ابني يلاعب خياله على الحائط، ودخت الفراش، لأفيق على صوته صائحاً: (هيه.. ضي جي.. ضي جي). فنهضت من لإعادة توصيل ما فصلت من أجهزة. وعدت للنوم.

ملاحظة: بالمناسبة أنا في اليوم الثاني، أكتب المقال معتمداً على شحن الجهاز بعد انقطاع التيار الكهربائي، وها هو يعلمني أنه لم يعد أمامي إلا 14 دقيقة.

_____________________

* تدوينة (يا جماعة الكهرباء) الرابط: http://mellakheer.ramez-enwesri.com/?p=163

 الصورة: من الشبكة

رأي واحد على ”ليلة على ضوء الشموع

اترك رداً على علي مصباح إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.