فبراير .. والقهاير

ليبيات 30

7 فبراير

ربما أراد الليبيون بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم، أن يكون فبراير أقصر الشهور، مختلفاً. فما كان ينتهي ثلثيه إلا وتزاحمت فيه الحداث والحوادث والمماحكات.

وبالرغم من أن الكل كان ينتظر هذا الشهر، وبشكل خاص تاريخ 7-2 منه، وهو الأجل الذي ينتهي فيه عمل المؤتمر الوطني، والخوف من حراك قد يدخل البلاد في معمعة. فقد جاءت جمعة 7-2 مبشرة بالخير، ومقدمة صورة عن وعي المواطن الليبي في التعبير عن رأيه بطريقة سلمية وحضارية، ناشرة مسحة طمأنينة، وإشراقة أنه لم يعد من مكان للسلاح، أو لاستخدامه في أي مطالبة.

 أسود 17 فبراير

مصالح

شكل هذا الخروج الكبير، وفي أكثر من مدينة، ورقة ضغط على المؤتمر، وبالرغم من الخلاف القانوني حول أمد المؤتمر وشرية استمراره من عدمها، فإنه تبنى خارطة طريق –وإن كانت متأخرة- للخروج من هذا المأزق، استجابة لمطالب الشعب.

لكن يبدو إن البعض قد استغل هذا الحراك، العفوي والشعبي، لمصلحته، ليتحدث باسم الليبيين ومطالبهم، فشاهدنا حالة من هستيريا الاستقالات لأعضاء في المؤتمر العام، على شاشات القنوات الفضائية الليبية، وتكتلات تتحدث عن ضرورة إيقاف المؤتمر، وأن وجوده غير شرعي بعد 7-2، ليصل الأمر حد التهديد باعتقال أي عضو مؤتمر يحاول الدخول للمقر يوم 8-2. هذا دون أن ننسى بعض البيانات التي صدرت عن بعض الكتائب والتي كانت داعمة لحراك الشارع ومطالبته (لا للتمديد).

في المقابل كان ثمة حراك يطالب ببقاء المؤتمر، حتى انتخاب لجنة الستين، ووضع الدستور. لكن هذا الصوت لم يلاقي الصدى المرجو، كما حدث في سباق بعض القنوات الفضائية التي بعد أن انتهى عدها التنازلي، تحولت إلى مراكز رصد وسبر رأي (مع / ضد) المؤتمر.

14 فبراير

بطريقة دراماتيكية، تحول اقتراح لخطة طريق قدمها اللواء “خليفة حفتر” إلى محاولة انقلاب. خرج على إثرها السيد “علي زيدان” رئيس الحكومة مندداً، ومن بعده المؤتمر الذي حدد مكان “حفتر” وأصدر أمراً بالقبض عليه.

كنت أفضل لو قدم السيد “خليفة حفتر” مبادرته بشكل مدني، بعيداً عن البدلة العسكرية، بالتالي كان سيجنب مغبة من يتصيدون في الماء العكر، محاولين اقتناص الأخطاء لتشويه نضال الشرفاء والوطنيين.

على العكس، جاء رد فعل المؤتمر والحكومة باهتاً وغير مفهوم، عقب البيان الذي صدر عن كتيبتي (القعقاع) و(الصواعق)، والذي أمهل المؤتمر 5 ساعات من أجل الخروج، وإلا عرض نفسه للمحاكمة، في استجابة لمطالب الشعب. ولولا تدخل الأمم المتحدة، لكانت البلاد دخلت نفقاً مظلماً الله وحده يعرف نهايته، ونهايتنا.

ولقد كشف هذا البيان الكثير، وجاوب عن الكثير من الأسئلة؛ لماذا دون بقية الكتائب، والتابعة للدولة صدر هاذا البيان؟ وعن هاتين الكتيبتين؟.

من يحركهم؟ ولماذا في هذا الوقت؟ وبعد اجتماع قبلي صدر عنه بيان مماثل بالسحق والدحر، لمن تسول له نفسه المساس بثورة 1 فبراير؟

لماذا هددت بعض الرموز السياسية باستخدام السلاح؟ ولماذا اختفت بعض الرموز؟ ولماذا خرجت علينا بقولها: نحن لا نملك أجنحة عسكرية، وإلا كنا أوقفنا قانون العزل؟

الشعب المسكين

الكل تسلق هذا الشعب، واستغله واستهلكه، وتحدث عنه وبلسانه، دون أن يُسأل: ماذا يريد؟

لأن مطلبه من السهولة بما يتعارض مع مصالح البعض، من الذي يتصورون أن ليبيا وقف لهم، دون غيرهم.

وهنا أقترح أن تتدخل الأمم المتحدةـ لوضع حد لهذه الأزمات، بحيث تقوم على فرض سيطرتها على البلاد، والإشراف على إنشاء منظومة ديمقراطية للبلاد، كجهة محايدة كما حدث في صربيا.

ركلات الجزاء

ذكرني وضع فريقنا الوطني لكرة القدم، أثناء مشاركته بكأس أفريقيا الأخيرة التي نال كأسها، بالوضع الذي تسير عليه السياسة والعمل السياسي في ليبيا.

فكما اعتمد المنتخب سياسة اللعب حتى الفرصة الأخيرة، انتهجت الحكومة والمؤتمر ذات السياسة، في العمل على ملفاتها وحل مشاكلها، فهي تظل تعمل وتعمل مؤمنة بأن الحل سيكون موجوداً طالما لم تنتهي المباراة بعد. سياسة النفس الطويل، أو ما يعرف محلياً (اللي يمل يعطي البل) كانت حلاً للكثير من المشاكل، وسبب في بعض الإخفاقات، خاصة في ملفات الأزمة، لأن الاعتماد على أن يمل الطرف المقابل قد لا يأتي بنتيجة سريعة، طالما فيها (إبل).

ولا أدري حقيقة، من علم الآخر. وفي ظني إن المنتخب كان تلميذاً نجيباً للسياسة الليبية، فنجح في خطف الكأس، لأن منتخب غانا هذه المرة فقد كل (إبله).

الدستور

غداً هو الـ20 من فبراير موعد انتخاب لجنة الستين، المنوط بها إصدار الدستور. سأذهب للانتخاب، مؤمناً بأنه حق وواجب، وأن ليبيا سوف تستمر، وإنها ستصل بإذن الله.

*

حفظ الله ليبيا

ليبيا أولاً

ليبيات 28

1

ما يحدث في ليبيا من حراكٍ سياسي بين المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة، أشبهه بتحدي تكسير العظام، والذي يعتمد على المواجهة المباشرة في محاولة لتكسير أكبر قدر من العظام، فكل طرف يحاول الدفاع على مكسبه أو رأيه أو رؤيته، مدافعاً عنها دون محاولة الوصول لمنطقة وسط، أو كلمة سواء، والهدف هو البقاء، لإجبار الطرف المقابل على الاستسلام. والطريف في هذه اللعبة أن يخسر كل الطرفين.

ومن خلال منظورٍ رأسي، أرى المشهد أقرب للحركة في دائرة مغلقة. فالمؤتمر من خلال أعضائه الـ120 يتهم المحكومة بالفشل، والحكومة ترد باتهام المؤتمر بتكبيله وتقييد حركته، وتعطيل مشروعاته، وفي آخر تصريحاته أعلن السيد “علي زيدان” رئيس الحكومة المؤقتة صراحة، أن كتلتي (العدالة والبناء) و(الوفاء لدماء الشهداء) هما من يقف أمام كل مشروع تقدمه الحكومة. وهما يمثلان جماعة الإخوان المسلمون في ليبيا. ويعتبر تصريح “زيدان” بمثابة القنبلة، بعد أن أعلن صراحة أن الإخوان هم من يقف ضد الحكومة، ويحاولون سحب الثقة منها.

2

ولقد عرفت الأشهر الأخيرة من العام الماضي، احتدام هذا الصراع، وسيره في طريق متواز، فالمواطن الليبي يرى بضرورة؛ عدم التمديد للمؤتمر الوطني، وإسقاط حكومة زيدان.

وإن كان المطلب في عمومه غير منطقي في التخلص من شكلي السلطة في البلاد، إلا إن ما طرح من مبادرات، كافٍ لإيجاد خارطة طريق تضمن إخراج البلاد من عنق الزجاجة الذي علقت فيه، بسبب الأداء المتردي للمؤتمر، والشكل الضعيف للحكومة، موجداً حالة من عدم الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة (المؤتمر والحكومة)، مما نتج عنه تعنته –أي المواطن- في الانصياع لمبادرات المصالحة، وتسليم السلاح، وحل المجموعات المسلحة، خالقاً بذلك حالة من الإحباط، هيئة الفرص لضعاف النفوس للعبث بمقدرات الدولة والمواطن، فعرفت 2013 حالة انهيار أمني كبيرة، خاصة مدينة بنغازي التي تعاني من سلسلة اغتيالات وتفجيرات يومية. الأمر الذي نتج عنه استغلال أعوان النظام السابق، لحالة الاحتقان والسوداوية التي يعيشها الليبي، لبث سمومه وأفكاره، وخيالاته، وحلمه بالعودة، لتدخل البلاد حالة النفير، ويشتعل الجنوب والغرب.

3

نعم البلاد تشتعل.. أو كما علق أحدهم: البلاد على صفيح ساخن.

مواجهات في سبها والسرير والكفرة وورشفانة، هذا دون أن ننسى بنغازي التي لا تنام إلا على اغتيال أو تفجير.

المسألة المهمة في ظني، أنه يجب أن ينصب اهتمامنا كليبيين، شعباً وحكومة وهيئات ومؤسسات وأحزاب، على حل الأزمات التي تمر بها ليبيا الآن، مشكلة الجنوب المستباح، ومشكلة ورشفانة و مسألة حبس النفط، وأن نمنح الفرصة –كمواطنين- للمؤتمر والحكومة لبذل ما يمكنهم لرأب الصدع، وإعادة الأمور إلى نصابها. بدل تشتيت جهودهما على أكثر من جبهة، ومشروع.

الأولوية الان للوطن. وللوطن فقط. دون أي اعتبارات قبلية أو جهوية أو سياسية، أو أي انتماء، الانتماء الوحيد، هو الانتماء لليبيا.

ومن بعد نجلس إلى طاولة الحوار أخوة، على ذات المسافة، تاركين وراء ظهورنا، خلافاتنا وخصوماتنا. همنا الخروج بليبيا إلى بر الأمان.

وبعدها يمكن النظر في مسألة التمديد للمؤتمر الوطني العام، وإسقاط حكومة زيدان.

*

حفظ الله ليبيا.

نقمة النفط الليبي

ليبيات 26

عن سكاي نيوز العربية

عن سكاي نيوز العربية

1

كل علاقتي بالنفط وقطاع النفط ومجتمع النفط في ليبيا، بنيت على السماع والقراءة، حتى مايو 2003 عندما بدأت العمل بـ(شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز) منتقلاً إليها من شركة (الخطوط الجوية الليبية) للعمل ضمن قسم النقل الجوي التابع لإدارة النقل.

منذ البداية لم استطع إخفاء انبهاري بالنظام الذي كانت تسير به الشركة –شركة سرت-، ورغم المعوقات التي فرضها نظام القذافي على القطاع، إلا أن الشركات النفطية كانت تتمتع بنظام إداري جيد جداً، وميزات خاصة للعاملين به، وكان الكل يعمل بجد، بوجود خبرات ليبية مميزة لا تقل عن الخبرات الأجنبية التي تعمل وإياها جنباً إلى جنب، بفارق هو المرتب.

بدأت علاقتي بالعمل النفطي، من خلال التعرف على المصطلحات التخصصية، والعمليات النفطية والصناعية المرافقة، لاستخراج النفط والغاز ونقلهما وتصديرهما. فتكون لدي كم كبير من المعلومات التي كانت ذخيرة جيدة لكل من يسأل عن النفط، حالما يعرف أنك ضمن العاملين فيه.

– شنو مانحصلوش برميل.

أو الرد على السؤال الشهير:

– مش صحيح، النفط الليبي أحسن نوع على مستوى العالم؟

لحظتها، علي سرد قصة النفط الليبي، وأنواع خامه، ونسبة مكوناته، وبشكل خاص الكبريت والشمع، ومن أين جاء الاعتقاد بأنه الأفضل.

النقلة المهمة في قطاع النفط، كانت بدخول السيد “شكري غانم” –رحمه الله- إليه، كأميناً للـ(المؤسسة الوطنية للنفط)، كما كانت تعرف سابقاً. حيث شهد القطاع العديد من التغييرات، أهماها الرفع من رواتب العاملين من خلال لائحة مالية جديدة، أنعشت حماسة الجميع للعمل بجد، خاصة وإن الخطة التي وضعت بإشرافه، هي العمل على الوصول بالإنتاج إلى 2,000,000 برميل يومياً، واستطاعت المؤسسة من خلال بعض الإصلاحات الإدارية والفنية الوصول بالإنتاج إلى 1,600,000 برميل يومياً وأكثر بقليل.

2

خلال أحداث ثورة 17 فبراير وما بعدها عرف القطاع الكثير من الهزات، وبالرغم من عودة الحقول النفطية للعمل، وبأيدي ليبية، والوصوب بالإنتاج إلى سابق عهده، إلا أن العديد استغل هذا المورد كوسيلة ضغط على الدولة ممثلة في (المؤتمر الوطني العام) و(الحكومة) سواء حكومة “الكيب” أو حكومة “زيدان”. فمن إغلاق الحقول وخطوط النقل، إلى غلق كامل للحقول والموانئ النفطية، ليهبط الإنتاج إلى ما دون الربع مليون برميل يومياً.

 خارطة_الحقول النفطية الليبية

حيث تقوم أحد المجموعات المسلحة بأمرة “إبراهيم جضران” الذي يعلن نفسه (رئيس المكتب السياسي لإقليم برقة)، بغلق الحقول والموانئ النفطية، بدعوى أنه يتم تصدير النفط بدون معايير قياسية دولية (بدون عدادات)، وأنه يباع في السوق السوداء لصالح بعض الجهات.

وبالرغم من أنه لم يثبت حتى اللحظة صحة هذه الادعاءات، إلا أن السيد الـ”جضران” مازال يضرب حصاره على النفط الليبي. محاولاً من خلاله الضغط على المؤتمر والحكومة لتنفيذ خطة تقسيم ليبيا أو ما يسمى بـ(الفدرالية).

3

الثابت إن تاريخ ليبيا الحديث قد عرف تغيراً كبيراً باكتشاف النفط، هذا الاكتشاف الذي غير الكثير في حياة الليبيين، تاريخياً واقتصادياً واجتماعياً. لقد أحدث النفط قفزة كبيرة في البلاد، خاصة وإن ليبيا في ذلك الوقت كانت دولة فقيرة، منهكة من تاريخ طويل مليء بالحرب والدمار، آخره الحرب العالمية الثانية. كان الاستقلال حديثاً، والليبيون لا يعرفون ما هو النفط، إلا كونه مفتاح الثروة التي ستعود على الشعب. لكن الواقع يقول، إن الشركات الأجنبية، والأمريكية بشكل خاص، كانت هي المستفيد الأكبر من هذه الثروة، وأنها ستفعل أي شيء لضمان استمرار هذه الاستفادة.

كان يمكن لهذا النفط أن يكون نعمة، لكن واقع ما نعيشه يؤكد بأنه نقمة!!!

فهو من جاء بالشركات الأجنبية –الطامعة- وبلادها إلى ليبيا. وهي من عملت من خلال مخابراتها على إحداث التغيير بانقلاب 1969، في محاولة للتحكم أكثر، فانقلب السحر عليها وخرجت. ليتحكم “القذافي” في النفط الليبي، ويحوله إلى مصدر لتنفيذ مشاريعه وأحلامه. وعندما عادت الفرصة للأجنبي لرد السحر، والعودة. ها هو “جضران” يغلق السبل من جديد.

يبدو أنه كتب على الشعب ألا يستفيد من ثروته الوحيدة، وأن يظل يبحث عن البدائل. حتى يقضى الله أمره.

*

حفظ الله ليبيا