الثمانينات

خلال المدة الماضية، عرضت قناة (ناشيونال جيوغرافيك-أبوظبي)، برنامجها (الثمانينات)، والذي يسجل وثائقياً لأهم أحداث عشرية الثمانينات، على جميع المستويات والاتجاهات. والحقيقة أني تابعت هذه السلسلة أكثر من مرة، كون القناة أعادتها أكثر من مرة ضمن خطتها البرامجية.

هذه السلسلة بقدر ما تسجل لعشرية، وتعرض لأهم محطاتها، فهي في ذات الوقت تحيلك من حيث لا تدري إلى مقارنة ما كان يجري ويحدث عالمياً وواقع ما كنت تعيشه، وتحديداً موقعك الجغرافي، والإقليمي، وبالتالي تتكشف أمامك الكثير من الأمور والحقائق.

وهذا ما حدث معي تماماً، خاصة وأنا أتابعة الإعادة الأولى للبرنامج خلال العام 2014، ووجدتني أعيدها مع أول إعادة بداية العام الحالي 2015.

إذ تكشف لي بوضوح وجلاء مقدار الجفاف الثقافي الذي عشناه، خلال فترة الثمانينات في ليبيا، كوطن، ومقدار العزلة التي كنا نعيشها كمجتمع عما يدور من حولنا عالمياً. ورغم حداثة سني خلال هذه الفترة، إلا أني كنت ألاحظ الفرق وأحسه، عندما أكون خارج الوطن، في (مصر) على سبيل المثال. ففي النصف الأول من الثمانينات تعرفت إلى مجلة (ماجد)، التي شدتني إليها بقوة، فلقد كانت مختلفة تماماً عما عرفته من مجلات كـ: الأمل، عرفان (تونس)، وسعد (الكويت)، ولم يكن ينافسها حقيقة إلا مجلة (سامر). كما أن لهذه المجلة الفضل في تعرفي إلى عمي “رجب الوحيشي” صاحب مكتبة (المعارف). ففي منتصف الثمانينات كنت أدرس المرحلة الإعدادية بمدرسة (أحمد رفيق المهدوي) الكائنة بمنطقة (الضهرة)، والقائمة على السور الجنوبي لمقبرة (سيدي بوكر)، وكنت وأصحابي نقوم يوم الأربعاء من كل أسبوع بالتوجه مباشرة عقب انتهاء الدراسة إلى مكتبة (الضهرة) حيث “عمي نصر” للحصول على عدد “ماجد” الأسبوعي، وفي الكثير كان من الصعب الحصول على العدد يوم الأربعاء، لذا نتوجه إلى كشك الجرائد الذي كان بميدان (القادسية)، وفي الغالب نقصد مكتبة (المعارف)، وإن لم نجد المجلة، والوعد بحجز نسخنا في حال وصول العدد متأخراً، وهو ما كان يتحقق بشكل دائم، نمر في طريق عودتنا على كشك المجلات والجرائد بـ(فشلوم) والذي كان منصوباً أمام (الجامع الكبير). عند زياتي لـ(مصر) في الثمانينات كنت أحصل على نسخي من المجلات بمجرد أن يطلب أبي من بائع الجرائد والمجلات الجوال إحضارها.

من الحقائق التي عرضت خلال الوثائقي (الثمانينات) وأدهشتني، أن العام 1982 شهد ولادة الأقراص الليزرية (Compact Disk). والتي عرفناها لاحقاً في التسعينات.

أجهزة الستيريو الشخصية (Walkman)، ظهرت في بداية الثمانينات، ولم أملك واحداً إلا في التسعينات. كذلك الحواسيب الشخصية (Personal Computer)، عرفت منافسة حادة، ولم يكن نصيبنا منها إلا (صخر).

ما زلت أذكر كيف كان الشباب الأكبر سناً، يتبادلون شرائط الكاسيت الأجنبية بطريقة قريبة من السرية، وكيف كانوا يسمعونها في مجموعات، وكيف ظهر رقص البريك دانس، وكيف استضاف شباب الشارع مجموعة من الشباب يأدون هذا النوع من الرقص.

كان العالم من حولنا يتغير، ويتطور ويتحول، ونحن نراوح في مكاننا، محاطين بدفاعات قوية ضد هجمات الإمبريالية، والرأسمالية، والعدو الصهويني، والغزو الثقافي الذي تقوده أمريكا بقيادة “ريغان”. كانت الأسواق المجمعة محط اهتمام الليبيين، ومركز استقطابهم، بعد أن اختفت الدكاكين، والـ(كوكوبرنج) البسكويت المفضل لدي. كانت الشكلاطة والمستكة والحلوى، هي هدايا من يعود من رحلة تأخذه لأحد البلاد العربية أو الأجنبية، وبمناسبة السفر كانت بعض الدول دون غيرها وجهة الليبيين خاصة الشباب، ونقصد: تشيكيا وهولندا، وكانوا يسافرون في مجموعات أو في صحبة من شخصين.

الثمانينات.. كنا في الجانب المظلم من العالم.