ندوة صباحية دسمة!!!

ثورة الحجارة (الصورة: عن الشبكة)

على العكس من حديثنا الصباحي كل يوم (في زمن العزل، والهرب من كورونا)، بدأ “يحيى” الحديث بسؤال عن فلسطين وإسرائيل، بعد مشاهدة لمقطع يظهر شاباً إسرائلياً ينفي وجود فلسطين..

لذا وجدتني أبدا الحديث عن تاريخ اليهود كدين منذ خروجهم من مصر مع سيدنا “موسى”، حتى الحرب وعد بلفور، والحرب العربية الإسرائلية، وصولاً إلى ثورة الحجارة، التي لم يستوعبها كل من “يحيى وزكريا”، إلى أن انتهينا مع الجدار العازل. ثم تحدثنا عن فلسطين كموطن وموقع وعن قطاعي غزة ورفح..

“يحيى” خلال الحديث إجرى بعد الأبحاث على الشبكة، فشاهدنا معه الجدار ومتى أنشئ، والجميل إن الشركة التي نفذت الجدار العازل، هي نفسها من قامت بتنفيذ الجدار الفاصل بين أمريكا والمكسيك.

متابعة القراءة

سوق الكتب المستعملة (سوق العتق)

سوق العتق بمنطقة باب الجديد، بالمدينة القديمة – طرابلس. عن الشبكة

تبدأ علاقتي بسوق الكتب المستعملة، منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث كنت بين الفينة والأخرى أتردد عليه، ومع نهاية التسعينيات صرت زبوناً للبعض من بائعي الكتب.

كان باعة الكتب يفترشون الأرض مقابل وبجانب، باب الجديد، وفي الساحة التي بجانب الريجية، والتي كانت تعج بالكثير من باعة الأشياء المستعملة، والملابس المستعملة والجديدة، وبعض السلع الغذائية ومواد التنظيف، وأشرطة التسجيل والأقراص المضغوطة.

في زيارتي لهذا السوق، كنت أركز اهتمامي على الكتب بالدرجة الأولى، حيث أنتقي في كل مرة مجموعة من العناوين، وأعود بها للبيت، قبل أن يبدأ اهتمامي بالكمبيوتر بدخولي للجامعة، لأجد في هذا السوق غايتي في كتب الحاسوب، والتي كانت أسعارها منافسة لما تعرضه مكتبات طرابلس ذلك الوقت، وكان لأحد هذه الكتب مساهمة كبرى في مشروع تخرجي. ومع دخولي لعالم الإنترنت، كان للكتب التي أشتريها من على الأرصفة دوراً كبيراً في تطوير والإضافة لحصيلتي المعرفية.

كانت أسعار الكتب، أكثر الأسباب التي تدفعني للمحافظة على زياراتي لهذا السوق، إضافة للعلاقة الحميمية التي نشأت بيني وبعض الباعة واكتشافي مقدار ما يتمتعون به من مستوى ثقافي ومعرفي.

ثاني الأمور التي كنت تشدني لهذا السوق، هو شراء الأقراص المضغوطة، فكنت أقوم بشراء نسخ الأفلام والبرامج، والأقراص التعليمية، بأسعار منافسة.

مازلت قدر الإمكان أحافظ على زيارة هذا السوق، ما أستطيع.

أطرف المواقف التي عشتها في سوق الكتب المستعملة، أنه بعد قضاء يوم مع الأصدقاء، قررت زيارة السوق الذي كان ينتعش بعد صلاة المغرب، فاتجهت إليه، وكان أحد الباعة قد عرض مجموعة من الكتب الجديدة، من بينها مجموعة كتب لـ(محمد حسنين هيكل)، وبعد اختياري لمجموعة عناوين من بينها (خريف الغضب)، دفعت ثمن مجموعة الكتب، واتجهت إلى المحطة للعودة للبيت.

في الطريق اكتشفت أني أنفق كل ما لدي من مال في كيس الكتب الذي في يساري، التفتت إلى السوق، وكنت قريباً من محطتي المقصودة، خط بن عاشور. كنت أفكر بالعودة للبائع وإعادة أحد الكتب، حتى فاجأتني يدٌ على كتفي.

كان أحد الأصدقاء القدامى، والذين جمعتني الحركة الكشفية بهم، في مرحلة المتقدم، فبدأنا حديث الذكريات قبل أن يستدرك هو:

– شن ادير هني؟

فأخبرته بعادتي في زيارة باعة الكتب، وحكيت له قصتي في إنفاقي لكل المال الذي لدي، وأني أفكر في العودة لإعادة أحد الكتب. فعلق:

– وين طريقك؟

– الحوش؟

– قاعدين في بن عاشور؟

– إيه نعم.

– خلاص أنت في طريقي!!!

كان صديقي يعمل على خط: الضهرة، بن عاشور، زناته، فأخذني في الكرسي الذي بجانبه في سيارته التيوتا (12 راكب)، وأكملنا حديث الذكريات، حتى وصولي البيت.

سوق الكتب، بمنطقة سوق الثلاثاء بعد احتراقه. عن صفحة الصيدق البلعزي حسن.

يطلق على هذا السوق، سوق العتق، وكان الفراشة (الباعة الذين يفترشون الأرض) يتخذون من المساحات بجانب الباب الجديد، بسور المدينة القديمة مكاناً لعقد هذا السوق، قبل أن ينتقل بعضهم ويتوسع بمحطة الركاب (محطة الأفيكوات) التي أزيلت الآن. في هذا السوق، ولازالت، تباع الكثير من الأشياء، خاصة المواد المستعملة، فقد تجد أحدهم جالساً وأمامه أجهزة إلكترونية مهشمة، أو محولات مفكوكة، والسر؛ إنه يتكسب من بيع الأجهزة الداخلية، أو أسلاك النحاس.

آخر مرة زرت فيها السوق كانت قبل حوالي سنة ونصف، صحبة ابني يحيى، فر رحلة تعريفية بالمدينة القديمة، وجدا أنفسنا فيها في وسط السوق.

في ختام هذه التدوينة، أشكر الصديق “البلعزي حسن” الذي حرك ذاكرتي بعرضه لمجموعة من صور باعة الكتب بسوق الجمعة، التي تحول إلى أطلال سوق الثلاثاء بعد احتراقه.

وطنٌ عربيٌ واحد

تستدعي ذاكرتي في هذه الأيام، وبشكلٍ كبير، ذكرياتي طفولتي الأولى ومرابع صباي بمنطقة (تقسيم التواتي) بـ(حي المنشية – شارع بن عاشور)، وبشكل خاص العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط سكان الحي. والذين شاء القدر أن يكونوا خليطاً محلياً وعربياً وأجنبياً، تعايش في سلام، ورسم مشاهد لازلت في ذاكرتي، ولن تغيب.

وأعتقد إن سبب اقتناعي بالقومية العربية، وحقيقة الوحدة العربية، والوطن العربي الواحد من المحيط للخليج، هو حينا الذي كان يضم تشكيلة عربية، أثرت في كثيراً، كوننا لم نلاحظ أي فرق يمارس على هذه العائلات، بل على العكس كانت مقدمة دائماً، ومحترمة بشكل كبير. وكنت أجد متعتي في اللعب مع أبنائهم ممن في مثل عمري، ومتعة خاصة هي الطعام. لذا ربما كنت الوحيد من سكان الحي من الأولاد، ممن تقبل الأكلات العربية المختلفة، دون أن يقول:

–          رز باللبن!!! تي كيف تاكل فيه؟؟؟

فالبيت الملاصق لبيتنا، شغلته عائلة مصرية، كان الأب مدرساً للغة الإنجليزية بمدرسة (علي وريث الثانوية)، والأم مدرسة للتدبير المنزلي بمعهد (الشيماء) ، وذقت وذاق الجيران من يديها، أحلى أنواع الكيك والحلويات، إضافة للملوخية والكشري، وطاجن الباميا.

البيت التالي، كانت تشغله عائلة لبنانية، من بعلبك. الأب كان محاسباً، والأم ربة بيت بامتياز. كان المقدوس والخيار المخلل لا ينقطع، إضافة للمربيات، والزيت وزعتر. أما أشهى الأكلات والتي كلما أتيحت لي الفرصة لطلبها لا أتردد، فهي (الشيشبرك)، دون أن أنسى التبولة، والحمص، والكبه، وعرايس اللبنة.

ثلاث عائلات مصرية –أخرى- كانت تسكن الحي، والعائلات الثلاثة رغم انتسابها لمصر إلا إنها توزعت جغرافياً، فالأقرب كانت من مدينة القاهرة، كان مذاق الطعمية عندهم مميزاً، إضافة لطبيخة البازلاء. والثانية من الفيوم، كانت مميزة في طريقة طهي للفول المدمس، والرقاق. والثالثة، من الإسكندرية، إبداع في شي الأسماء، وطهي أرز الصيادية.

كنت وابن العائلة الفلسطينية –جيراننا- الأكبر، يجمعنا الاهتمام بالابتكار والاختراع. كانت المقلوبة طبقي المميز، وإن حضر المسخن، فذلك يعني التخمة. أما ورق العنب، فكنت أعجب من طريقة جارتنا، في صنعه وصفه بطريقة هندسية، تبهر كل من يراها.

أما لو أراد أحدهم، قياس مستوى احتماله للحار، فما عليه إلا بالهريسة التونسية، والتي كانت جارتنا مبدعة فيها، إضافة للكسكسي، وتستطيرة الكفتاجي.

كانت شرفة العائلة السورية التي تسكن قبالتنا، بهجة للنظر، وبالمناسبة جارتنا هي من اقترحت اسم اختي الثالثة. كانت الشرفة تتزين ببرطمانات المربى والمخلل، قبل سحبها للداخل، كانت جارتنا تتركها تبرد، على رفٍ في الشرفة قبل سحبها للداخل. كان طبقي المفضل شيخ المحشي مميزاً، والكبة أكثر بهاراً، خاصة الكبة باللبن.

***

كانت هذه العائلات تعيش في تنغم مع بقية العائلات والأسر الليبية في الحي. تعايش الجميع وكأنهم أسرة واحدة، لا فرق بين أفرادها، وإن اختلفت لهجاتهم وجغرافياتهم.

في المسجد القريب، كان الجميع يسجد في ذات الوقت، ويبتهل بذات الدعاء. وكان الحزن واحداً في خيمة العزاء، فهو مصاب الجميع، أما الفرح، فكان يوحد الجميع في حلبة الرقص، ويميز زغرودة جارتنا المصرية –حفظها الله-.

في رمضان، كنت ترى أطباق الذوقة تنتقل بين بيوتات الحي، وفي العيد تكتشف كم التنوع الحلوياتي على طاولة المطبخ، ولم أكن لأخطئ المعمول الفلسطيني، والكحك المصري.

***

الطريف في هذا الحي، إنه كان يشاركنا فيه عائلات أجنبية، من إيطاليا، والباكستان.

العائلة الإيطالية غادرت باكراً، أما العائلتان الباكستانيتان، فكانتا مميزتان، فالعائلة الأولى، كان رب الأسرة فيها يعمل مدرساً تقنياً في معهد (السبعة)، وكان المستشار الفني للجيران، خاصة أصحاب سيارات البيجو. وكان أرز البرياني الذي تعده زوجته لذيذاً وفواحاً.

العائلة الثانية كانت الأكثر اختلاطاً بعائلات الحي الليبية، فكانت ربة البيت تقوم بزيارة بيوت الحي الليبي كل عشية، يرافقها كوب الشاي بالحليب، كبير وساخن. وكان ابنها “شازو” يشاركنا اللعب في ساحة الحي. وعندما غادرت هذه العائلة الحي باتجاه بريطانيا، ودعها الجميع، وقررت هذه العائلة أن تخص كل بيت بقطعة من أثاثها، فكان نصيبنا، جهاز بيك أب. وبالمناسبة جارتنا الرائعة هذه، كانت مميزة في خبز النان، والشباتي.

***

كانت هذه العائلات تساهم في بناء ليبيا، من خلال المهام والوظائف التي كانت تؤديها، والتي كان الليبيون في حاجة إليها، فكان منهم المدرس، والمحاسب المتخصص، والفني، والأستاذ الجامعي، والطبيب، والخبير القانوني، والمهندس. عاشوا بيننا، وقاسمونا لحظاتنا وقاسمناهم لحظاتهم. ولم نشعر باختلافهم عنا.

***

في اللقاء القادم، سيكون الحديث عن العائلات الليبية.