الخيار الــحــر

7/7/2012

سيبقى هذا التاريخ علامة مميزة في تاريخ الشعب الليبي، فهو الخطوة الأولى باتجاه ليبيا الجديدة، ليبيا التي وقف فيها الشعب الليبي ليختار من يمثله في مؤتمره الوطني، بكل حرية وقوة، وفي مشهد أوقع العالم في حيرة مما شاهد من ابتهاج وفرحة، في عرس زفت فيه الحرية، وتحققت فيه تضحيات الشهداء. لست أبالغ، لكن الواقع أبلغ من أن تصفه الكلمات، معبرة عن عمق وصدق الأحاسيس التي عبر بها الليبييون عن إنجازهم الجديد.

 

الليبييون ينتخبون

الليبيون يقفون في طوابير. طوابير لم تفرض عليهم، بل هم من اختار وحدد وقت الوقوف، لاختيار مرشحيهم، في طابور يصنع التغيير ويعلن قيام ليبيا النظام.

الليبيون يتباهون باللون الأزرق على أصبع السبابة (اللي صبعه مش طرطاري/ إما طحلب أو فدرالي). وكأنه يشهد لهم بتفوقهم على أنفسهم، وقدرتهم على تجاوز الصعاب، فهم يمارسون فعلاً سياسياً حرموا منه لأكثر من 40 عاماً، فعلاً حقيقياً بعيداً عن دجل التصعيد ومهزلة المؤتمرات واللجان الشعبية، بلا حول ولا قوة لها، إلا من عرضٍ تلفزيوني فاشل، باهت سمج، معروفة نهايته سلفاً، ينتهي في صخب.

الخــيار

الليبيون يحددون خيارهم. أجيالٌ مختلفة تقف في ذات الصف في انتظار دخولها، وكل يعرف لماذا هو هنا؟ ومن سيختار؟ فرحة تلمع في العيون، ابتسامة تتلو تعليقاً عابراً.

هذا الخيار لا يعبر عن اتجاه الشعب فحسب، في ليبيا الأمر مختلف، إنه يعبر عن طموح الشعب وأمنيته في بلد آمن، ينعم بخيره وثرواته، إن اختياره يعكس حجم الأمانة الملقاة على عاتق من سيختار، والذي يراه الأحق. هذا الخيار هو خيار المرحلة، خيار الحلم الذي بدأت معالمة في التشكل هيكلاً حقيقياً، في هيئة جسر لعبور كابوس الـ42 عاماً.

الخيار الحر

لا يملك أياً من كان الحق، في مصارة حق الشعب الليبي في اختياره، ومن رأى أن سيكون رهان المرحلة المقبلة. ولا يجوز لأيٍ كان أن يصف هذا الخيار بالخاطئ، بأي شكل من الأشكال، أو أن يمارس الوصايا على الشعب في تصحيح خياره.

الشعب اختار، وعلى الجميع الرضا بهذا الاختيار والتعامل معه، كمسلمة للمرحلة المقبلة، لا أن يخرج علينا من يصف ما اخترناه بالخطأ الكبير، والفرصة التي استغلها موالي النظام لتمرير مخططاتهم، وكأني بهم يقولون بإنهم الخيار الوحيد الصحيح.

من خبرة سابقة، أستطيع القول، إن مشكلة التنظيمات الدينية، أو التي تعتمد الدين مرجعية فكرية لها، هي عدم قناعتها بالآخر (المقابل)، فهي تعتمد الأحكام المسبقة، ولا تتبنى مبدأ الحوار إلا فيما يخدم مصالحها، إضافة لمحاولتها فرض الوصايا على المجتمع، منطلقة من الدين كقوة تمنحها السلطة لفرض ما تراه.

وإن كنا شهدنا مثل هذه السجالات في الدول القريبة منا، ها نحن اليوم نشهدها واقعاً، وعلينا التعامل معها بواقعية وحكمة، فنحن لا نريد أن نخسر كل عناسر ومكونات الشكل السياسي الجديد في ليبيا، بقدر ما نسعى لتكوين تناغمٍ واع مثمر، هدفه الخروج بليبيا من عثرات المرحلة الحالية، إلى خطواتٍ ثابتة، تعقبها قفزات واثقة على طريق البناء.

ليبيا للجميع وبالجميع.

______________________________

نشر بصحيفة الكاف الإلكترونية (هـــــــنـــــــا)

تتتت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.