ليبيات11.. على حذر.. عيادي وسنين دايمه

العـيد كما أذكره

benghazi2

الصورة من النت

لازالت في الذاكرة بعض الصور عن العيد الصغير –كما نسميه في ليبيا-، تجمعني بأصدقاء الطفولة والصبا والفتوة، منهم من رحل عن دنيانا الفانية، ومنهم من أخذته صروف الحياة.

أذكر العشر الأواخر من رمضان، كيف تشعل الحماس في البيوت الليبية تجهيزاً واستعداداً للعيد بأصناف الكعك والحلويات، وكيف هي ليلة 27 بعد الختمة في صلاة التراويح، تنتقل أصناف الحلوايات بين المصلين والدعاء يرتفع والزهرُ ينزل مطراً. وما لا يمكنني نسيانه بكاء الشيوخ، في وداع رمضان، والابتهال.

من منا ينام ليلة العيد، نظل مشغولين بالسهر والسمر واللعب، حتى قرب الفجر عندما يأتي جارنا ويوقف سيارته من نوع بيجو عائلية في الشارع، يفتح صندوقها الخلفي الواسع، ويدعو الجميع لتناول (السفنز)، فتسبقنا أيدينا، وسط ابتسامته الواسعة.

يستمر السمر إلى الفجر، نصلي ونعود لبيوتنا لبعض الراحة، من بعد نستحم ونلبس ملابس العيد، وننطلق للصلاة، جماعاتً جماعات، نسلك طريق (الوسعاية) مباشرة للجامع (جامع وسعاية بديري)، حيث نشارك في التكبير، حتى الصلاة وخطبة العيد، ليقف الجميع، ولا يغادر أحداً إلا بعد أن يكون عيّد على من في الجامع، لنعود من طريق (الروضة) كما نصح الشيخ.

عند وصولنا للحي، نطرق الأبواب باباً باباً، نعيّد على الجميع، ولا ننسى بيت (الحاج محمد) كبير الحي لأنه سيستقبلنا بالحلويات والابتسامة.

عند الضحى، تكون شحنتنا انتهت. يهدأ الشارع، ويغرق في النوم حتى المساء، وأكون أول من يشعل الشارع:

– يا وليييييييييييييييييد، هيا.

العـيد أكثر نضوجاً

مع الأيام، صار للعيد مذاق آخر، وبهجة مختلفة عما كنته صغيراً، فصار مناسبة للالتقاء والأصدقاء، وإقامة بعض المناشط الشبابية، اجتماعية وثقافية، من خلال المعايدات، وغيرها.

في العمل صار لعيد الفطر معنى آخر تماماً:

– وانت عازب، ما عندك ما ادير، اخدم يوم العيد وارتاح اليومين التانيات على طولهم.

هذا مصير العازب، أن أعمل يوم العيد، وأن أضحي كي يستمتع المتزوجون من زملاء العمل بالعيد. وعندما انتقلت للعمل خارج طرابلس، اكتشفت معنى العيد بعيداً عن الأهل، وكيف لا تفلح مظاهر البهجة في تعويض الفرحة الحقيقية.

قدر لي أن أحضر العيد خارج ليبيا، في دولة أوربية، ولعامين متتاليين، لكن بالرغم من إحساس الغربة، كان لهذين العيدين مذاقٌ خاص، مذاق الألفة والإيناس بالآخر، فكانت الجمعية الإسلامية بمدينة (نيوكاسل)، تقوم على حجز ملعب الصالة الرياضية بمركز المدينة، وتقسيمه بين صالتين، واحدة للرجال، وأخرى للنساء والأطفال، لإقامة الصلاة والخطبة، التي ما إن تنتهي حتى تنتشر المعايدات وأطايب المأكولات التقليدية من بلاد المسلمين. الجميل في هذا المشهد هو التنوع الثقافي والعرقي، والذي تراه في اللباس، واللغة، من أقصى المغرب إلى حدود آسيا الشرقية.

العـيد اليوم

tripoli

على قلق زارنا هذا العيد.

إشاعات وحديث عن عمليات قد تطال بعض المواقع في طرابلس، دعّمها تحليق مستمر لطائرة غريبة في سماء طرابلس، ثم توجس وخوف بين الناس، لكن أهالي طرابلس، قرروا المقاومة بالبهجة والحبور، واستمروا حتى صلاة العيد.

كل أحاديثنا انصبت على ما يحدث في ليبيا، وحالة الانفلات الأمني، وعدم الشعور بالأمان، خاصة بعد التفجير الذي حدث أول أيام العيد بمدينة بنغازي، وما كادت شمس هذا اليوم تغرب، حتى فاجأنا دخول أرتال مسلحة قلب طرابلس، لتدخل طرابلس في حالة من الخوف والترقب، وينفتح بحرٌ من الاحتمالات.

ثاني أيام العيد جاء باهتاً، خفت البهجة قليلاً، إلا من بعض الألعاب النارية المتفرقة هنا وهناك، خاصة بعد صلاة الجمعة ونحن نتلقى خبر اغتيال الإعلامي “عزالدين قوصاد”. ثم لتُختم الليلة بحادث “شارع عمر المختار”. فتبيت طرابلس باكراً.

ثالث أيام العيد، هادئ وخجول. حينا سرت به بعض الحركة، إثر رجوع العائلات التي قضت عيد الفطر بمناطقها الداخلية، الشوارع بعد صلاة العصر عرفت حركة نشطة للسيارات، والمحال التجارية.

وحدهم الأطفال يستطيعون قطف بهجتهم في كل الظروف، وزراعة ابتسامة جميلة تتحدى الظروف، وتواجه عبوسنا وخوفنا من الغد.

*

حفظ الله ليبيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.