ماشية

ليبيات 37

فلسفة

(الناس ما هما إلا في همها)، بهذه الجملة يعلق على ما يدور من حديث حول الأوضاع في ليبيا، وما آلت إليه، ثم في الكثير يردف (اللي زيي وزيك، يبو يعيشوا بس!! لا همهم في كرسي ولا منصب، ولا يدوروا في من يحكم!!!). عند الحديث عن دور المواطن يعلق: (حني شعب سلبي، وأناني، نبوا كل شي يجي بالساهل!!!، نتسلقوا ونتزلفوا، وندوروا فالطرق القصيرة، وزي ما يبي الوقت نجوه!!!).

حياة

بالرغم مما تمر به البلاد من أحداث، وحوادث ومتغيرات جسام، وانفلاتٍ أمني، إلا أن الأمور في ليبيا تسير بشكلٍ مختلف عما يتوقع. فالحياة مستمرة بشكل طبيعي، فسوق العقارات في الزيادة، وحركة البناء مزدهرة، وبشكل عشوائي وغير قانوني في أغلبه، والسوق مفتوح على البضائع من كل صنفٍ ولون، دون رقيب.

أما الأهم، فهو عدد الأعراس التي تكاد تكون بشكل يومي، بحيث لم يعد الصيف موسم الأعراس، أو الربيع، كل فصول وأيام السنة مواعيد مقترحة.

–         تخيلوا صالة باش اندير الحفلة مالقيتش، كلها محجوزة لتلاتة شهور القدام.

وفي مقابل هذه الزيادة، ثمة ارتفاع في عدد المواليد، كما يؤكد أكثر من طبيب، مع ملاحظة في زيادة عدد المواليد الذكور عن الإناث.

تعوّد

–         خلاص تعودنا.

نعم، لقد وصلنا إلى حالة من التشبع، تسمح لنا بعدم الاكتراث، أو الالتفات إلى أي صوتٍ صادر، واعتبار أي جلبة قريبة أو بعيدة، أمرٌ عادي، ليس من الضروري التوقف عنده، أو منحه جزءاً من اهتمامنا.

وجملة (خلاص تعودنا)، هي ردي على:

–         هو فيه أيه؟

التي تصدر مباشرة عن أحد الزملاء من مصر الشقيقة، كلما سمع جلبة سواء صدرت عن سلاح أو ألعاب نارية.

طبيعي

كلما وصلني خبر وفاة، أجدني أسأل:

–         طبيعي؟

فبعد أن كانت الحوادث أحد أعلى أسباب الوفيات في ليبيا، يدخل السلاح المنافسة، فمن وفاة بسبب رصاصة ساقطة، إلى إصابة بدون قصد، إلى القصد، الذي تنوعت أسبابه، وأشكاله. للدرجة التي صرت أردد فيها:

–         قبل كملنا الحديد!!!، وتوه بيكملنا النحاس!!؟؟

قناعة

–         هو صح ملخبطة وخاشة في حيط، وما فيش أمان، والبنزينة ناقصة، والكهرباء سطر بسطر، وما فيش دولة، والتعليم والصحة باي باي، والليبي اللي كان رافع راسه دنقر، لكن مقيولة؛ ليلة قبرك ما تبات لبره، وما دام في الحياة عمر، عيشه وتوكل على المولى!!!

الحـائِط

حوائط طرابلس، صورة وواقع

1

عندما وقف ابني “يحيى” في مواجهة الحائط ممسكاً في يده مجموعة أقلام التلوين، انطلق في داخلي صوت قديم:
– ما تخربشش عالحيط.
تبعتها ضربة موجعة على يدي.
وعندما ذهب تأثير اللسعة، وجدت “يحيى” يلتفت إلي، مبتسماً:
– تا تا تا.. مفاجأة.
– ما هذا؟
– هذا الكون!!!

2

الحيط في اللهجة الليبية هو الحائط أو السور في العربية، وخاصة في مناطق غرب ليبيا، أما في مناطق الوسط والشرق، فـ(الحيط) هو الجمع لمفردة (الحيطة) وهي (الحَجرة). ولأن سكان طرابلس (مخلطين) كما يقال، فإن للحائط مجموعة من المرادفات المحلية؛ الحيط، الساس، السور. وهي تطلق على الحوائط بدون تخصيص على أي حوائط، سواء كانت لأسوار خارجية، أو حوائط منازل. وفي طرابلس ثمة منطقة تعرف بـ(طريق السور) وهي تنسب للطريق التي كانت تحاذي سور طرابلس القديم أو (الكردون)1.

3

ترتبط الحوائط في ذاكرتني بالمنع، فكما منعت من الكتابة عليها صغياً، ظل هذا المنع يرافقني حتى تمكن مني رقيب داخلي، أجده يهلب يدي بعصاه الرقيقة كلما حاولت الكتابة على الحائط. فالكتابة على الحوائط والأسوار، فعل مجرّم، وغير جائز، ولا يقوم به إلا (الزوفرية)2 و(اللي مش متربيين)، هكذا صدح مدير المدرية ذات صباح.

حوائط طرابلس

حوائط طرابلس

4

حكايتي مع الكتابة على الأسوار والحوائط، تبدأ من مشهد لازلت أحتفظ به في ذاكرتي، رغم بعد الزمني الكبير، إذ مازلت صغيراً لحظتها، عندما سمعت أحدهم يقرأ جملة كتبت على السور الخارجي لـ(معهد الشيماء)3 باللون الأسود (الحب عذاب في قلوب الشباب)، وحتى تُؤكَّد هذه اللقطة في ذاكرتني، سحبني أبي سريعاً.

ثاني هذه الذكريات، رسم فاضح بحجم كبير على السور الداخلي لـ(مدرسة الفيحاء الابتدائية)4، جهة ملعب الكرة، وخطبة عصماء من مدير المدرسة الأستاذ “علي” عن الأخلاق، والتربية، وأنه من الضروري احترام المدرسة وسور المدرسة، وأن يظل نظيفاً. في 1978 عندما دخلت المدرسة الابتدائية، كانت أسوار المدارس نظيفة ولا تحمل أية كتابات أو رسومات، إلا الممر الرئيسي للإدارة إذا كانت تزينه بعض الجداريات، التي كان يرسمها أساتذة التربية الفنية. وأستطيع أن أتذكر بشكلٍ جيد لوحة البادية التي كانت تزين ممر الإدارة بمدرسة (أحمد رفيق المهدوي – الإعدادية)5.

وبالرغم من خربشات التلاميذ على حوائط الفصول، والمقاعد، لم أجرؤ يوماً على القيام بهذا الفعل، إلا على السبورة، أو الورق لسهولة التخلص منها بشكل سريع ونهائي.

الحيط، كان مرادفاً للتلاميذ الضعاف، وحيث كان النظام المتبع، أن تترك الصفوف الأولى للشطار وأبناء المدرسين –المطلوب منهم أن يكونوا متميزين-، وتترك الصفوف التالية لبقية التلاميذ. أما (صفة الحيط) فهي مخصصة للطلاب الأقل حظاً تعليمياً، ومن أعادوا السنة، والكبار والتلاميذ المشاكسين. وله الحمد لم أتخط الصف الثالث طوال سني دراستي الابتدائية. أما أشهر عقاب مدرسي كان: أوقف عالحيط.

5

– مافيش قراية اليوم.. روحوا.
كان مدير الثانوية، يتحرك بعصبية، أما الآمر العسكري فجمع الجنود، حوله في دائرة.
– شن فيه؟
– قالوا القو كتيبة في المدرسة!!!
– كتيبة شنو؟
– كتيبة ضد القدافي!!!
وانطلقنا (رجلينا في غمرنا)6، وكأن أحداً سمعنا.
– سمعت؟
– شنو؟
– قالوا شدو “…………” آمس.

في صباح اليوم التالي، وجدنا المدرسة مطلية بالكامل، وعكس توقعاتنا سارت الأمور بشكل طبيعي. لكن الأمر تكرر، واشتهرت مدرستنا الثانوية (أسد الثغور – جحفل الأبرار البري)7 بالكتابات التي تظهر على حوائطها الداخلية وفي الممرات.
ولقد شهدت شوارع طرابلس الكثير من هذه الكتابات خاصة بعد تاريخ (أبريل 1986)8، فكانت الكتابات تظهر هنا وهناك في شوارع طرابلس، وفي منطقة (بن عاشور) حيث أسكن، كان لنا نصيب، وبشكل خاص الشارع الرئيسي. ولازلت أذكر كيف تحدث “القذافي” في أحد لقاءاته، عن الكتابة على الحوائط، وأنه في بلد الشعب فيه هو السيد، والمواطن يتمتع بسلطته وثروته سلاحه، لا ضير من أن يكتب المواطن اسمه أسفل ما يخطه على الحيط. والنتيجة؛ اختفت بخاخات9 الطلاء من محلات بيع مستلزمات ومواد البناء، وصار وجودها مع أحدهم تهمه توصلك لـ(دار خالتك)10.

ذات يوم، من أيام الثانوية، وقتها كنت في السنة الثانية ثانوي، دخلنا الفصل ولحظة جلوسنا، التفتنا على صياح “جمال”: كتيبة عالحييييييييييييييط.
وفي لحظات فرغ الفصل، واتجهنا صوب الإدارة.
في اليوم التالي كان الفصل قد طلي، وبدأت شخصيات -يقال إنها من الأمن الداخلي- بدأت في زيارتنا، في اليوم الأول، طُلب منا تعبئة وثيقة تعارف، تحوي أكثر من 10 صفحات، ووجدنا الكثير من الصعوبة في تعبأتها لما فيها من معلومات، عن نفسي كنت قاصراً عنها، كأن أسأل عن أقرباء من الدرجة الثالثة والرابعة، ووظائفهم، وهكذا. ثم طلب منا كتاب موضوع معين على مجموعة من الأوراق.
في اليوم التالي، دخل في الصباح شخص، تحدث بشكل هادئ ورصين، ثم خرج ليعقبه شخص آخر، توقف عند السبورة، ثم بدأ بتفرس وجوهنا واحداً واحداً، فكان يقف عند كل مقعد، يتأمل الوجه ثم ينتقل للتالي، وهكذا.
وقبل النزول للاستراحة، دخل شخص يحمل في يده آلة تصوير، تشبه إلى حد كبير آلات التصوير التي نراها مع المصورين في تغطية الأحداث الكبيرة، وقام بتصويرنا واحداً بعد الآخر. ومن تاريخه، وحتى حصولي على الشهادة الثانوية، لم يحدث أن ظهرت أي كتابة على الحائط.

6

– خلاص، نصلوا العصر في الجامع ونمشوا للخلوة.

كانت الخلوة قريبة من الجامع، تم إنشاءها حديثاً، وفي الحجرة الرئيسية لتدريس القرآن، وقفت أمام الحوائط مشدوهاً باستوائها وبياضها.
– شنو، هي نبدوا؟
– توكلنا على الله.

بالرغم من كوني أمارس الخط العربي منذ سنوات قليلة، بدأتها مع دخولي الثانوية، إلا أنها المرة الأولى التي سأمارس فيها الخط خارج اللوحة، على الحائط، وما أدراك ما الحائط.
– متأكد إن الشيخ مش حيقول حاجة؟
– تي خيرك خايف، هكي؟ توكل على الله. والشيخ شوية وبيجي.

المرة الثانية، كانت بطلب أحد الأصدقاء لكتابة عنوان محل، والثالثة كذلك، ثم لم أعد أخف من الكتابة على الحائط، طالما الأمر محصور في الإعلانات. وحدها مقولات القائد والكتاب الأخضر من كانت تملك حق الظهور على الحوائط، وباللون الأخضر.

في الجامعة، كانت حوائط الممرات متنفساً.
فهذه مسألة في الرياضيات تحتل ركناً في بداية ممر قسم الطيران، وهناك غيرها في نهاية الممر، وكثير في باقي الممرات، خاصة قسم الكهربائية. هنا حرفان لمعادلة عشق، وهناك حرفان لمعادلة فضيحة.

7

خارج هذه الحدود كان يمكن للمواطن أن يكتب:
– ممنوع وضع القمامة هنا.
– اللي يرمي القمامة ……………..
– ممنوع إيقاف السيارات هنا.

إبان فترة التحرير، يمكن أن نقول إنه موازاة للمواجهات المسلحة، كانت ثمة مواجهة أخرى، ساحتها الحوائط). فكانت توثق للمنتصر، ولمن مروا بالمكان، كان كلا الطرفين لا يخاف كتابة اسمه، وعقيدته، والمنتصر هو من يأسر الحائط.

في طرابلس، كانت الحوائط أحد الأسلحة التي قاوم بها ثوار المدينة النظام، كانت الكتابات تظهر، بدون أن يمكن لأجهزة الأمن التنبؤ بها، أو الوصول إلى منفذيها، بعد التحرير، لا يكاد يوجد في طرابلس حائط لم يكتب عليه. وصار مصطلح (ثوار البخاخات) يطلق على كل من استخدم (البخاخات) للإعلان عن نفسه، دون أن يكون له دور حقيقي في الثورة.

8

بانتهاء نظام “القذافي” لم يعد في ليبيا أي سلطة منع. فجأة وجد الليبي نفسه بدون أي قيود أو حدود أو رقابة. ولأنا نركز على الكتابة لا على الرسم والتشكيل في مسألة الحوائط. نقول؛ إن شهية المواطن الليبي فتحت لممارسة حريته على الحوائط. حتى ليمكنني القول، إن هذا الفعل أو السلوك، يصلح مادة للبحث العلمي، لمعرفة ما مر بالمجتمع من تغيرات. فهي تعكس بصورة مباشرة، ما يريده المواطن، وما يفكر فيه.

9

فبعد تحرير طرابلس، نقف على نوعين من الكتابات؛ النوع الأول، يوثق للثوار الذين توافدوا من خارج طرابلس، يوم 21-8-2011، كنوع من إثبات الوجود، وتحديد مناطق تواجدهم وسيطرتهم. النوع الثاني، أسميه (ملكيات) وأقصد الكتابات التي ظهرت على بعض المباني والساحات: من قبيل (ملك مقدس لعائلة ……..)، و(ملك لورثة المرحوم …………)، و(عمارة …………). ولأنها لم تنتشر بشكل كبير، لا أعول على بعض الكتابات التي تصف من وقف ضد ثورة 17 فبراير وتصفهم بالـ(الطحالب، الجرذان،……..).

وبعد إعلان التحرير، بدأ نوع جديد من الكتابات بالظهور، وهي كتابات تحمل طابع المرحلة وأمل المواطن بغدٍ يتحقق فيه حلمه بليبيا جديدة وواعدة. الجميل في هذه المرحلة هو جمال تكوين هذه الخطوط، والرسوم التي حفتها.

حتى الوصول لمرحلة انتخاب (المؤتمر الوطني العام) وبدأ عمله، كانت الكتابات تؤرخ لشهداء المناطق والأحياء والشوارع، حتى إنه لا يكاد يخلوا شارع من اسم شهيد. أيضاً شهدت هذه المرحلة بعض الكتابات التي تطالب بعودة الشرطة والجيش، خاصة عندما تم الاعتداء على مركز (باب بن غشير). ولأنها انتخابات، كانت الحوائط ساحة لممارسة وعرض خيارات المواطن، ومناكفة منافسيه.

وأنا أتجول في شوارع طرابلس، أتوقف كثيراً عند بعض الكتابات التي تعبر عن حاجة المواطن للأمن والسكينة، والظفر بسكن، وتكوين أسرة. أو أتأمل بيت شعرٍ يتحدث عن الأسود والكلاب، أو تحديد شخص باسمه، أو بوح.

وأستطيع القول، إنه من تاريخ إقرار (قانون العزل السياسي) عرفت الكتابات على الحوائط مرحلة جديدة، مرحلة عكست طبيعة المرحلة والصراع الحاد بين الكتل السياسية، فبدأت تظهر بشكل علني كتابات موجهة لشخصيات وأحزاب وتوجهات سياسية بعينها، وعلى ذات الحائط ستجد حشداً من جمل وعبارات يضاد بعضها بعضاً.

إن ما تعرضه الحيطان والحوائط والحيوط، حالة من الفراغ السياسي الكبير الذي تعيشه ليبيا، فأنت تقرأ واقع ليبيا المتشابك، بشكل واضح وجلي، وتستطيع أن تكتشف الكثير مما يعيشه المواطن، خاصة عندما تتزامن هذه الكتابات وأحداثٍ بعينها. ستكتشف كم من السهل توجيه المواطن وتسييره، وبشكل صريح اللعب به. ثمة بعض الكتابات تتمتع ببعض الخصوصية، وهي تتأتى من طبيعة المنطقة، أو الحي، والحدث الذي تسجله.
وفي المجمل، إن هذه المساحات التي ظلت لسنوات مهملة، ها هي الآن تأن تحت وطأة ما احتشد خلال هذه السنوات من ظلم وقهر.
__________________________________
1- الكردون، سور بناه الإيطاليون حول طرابلس، من البحر إلى البحر، ومازالت بعض أجزاءه موجودة حتى تاريخ اليوم.
2- الزوفري: غير المؤدب وتطلق على كل خارج عن الآداب العامة.
3- معهد الشيماء؛ معهد للمعلمات كان موجوداً بمنطقة جامع الصقع في بداية (شارع الضل)، واستبدل من بعد بمدرسة (صلاح الدين الأيوبي الإعدادية).
4- مدرسة الفيحاء؛ تقع بمنطقة فشلوم، درست فيها المرحلة الإبتدائية من تاريخ 1978 وحتى 1983.
5- مدرسة أحمد رفيق المهدوي؛ مدرسة إعدادية تقع بمنطقة الضهرة، درست بها من العام 1983 وحتى 1986.
6- رجلينا في غمرنا؛ دلالة على السرعة في الهرب خوفاً.
7- مدرسة أسد الثغور الثانوية؛ تقع بمنطقة (وسعاية ابديري) وكانت في الأصل (مدرسة زاوية الدهماني الثانوية)، وتم نقلها إلى المقر حيث درست، في السنة الأولى ثانوي تم إلغاء القسم الأدبي واستبدال البحرية كنظام عسكري بالصاعقة.
8- تاريخ الهجوم الأمريكي على طرابلس وبنغازي.
9- بخاخ؛ علبة مضغوطة تحتوي على طلاء. تستخدم في عمليات الطلاء السريع للمساحات الصغيرة.
11- دار خالتك؛ المقصود الحبس أو السجن.

https://www.google.com.ly/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&source=images&cd=&cad=rja&uact=8&docid=VIpqT7yeBdaGjM&tbnid=FbsN-626Bo6ydM:&ved=0CAUQjRw&url=%2Furl%3Fsa%3Di%26rct%3Dj%26q%3D%26esrc%3Ds%26source%3Dimages%26cd%3D%26cad%3Drja%26uact%3D8%26docid%3DVIpqT7yeBdaGjM%26tbnid%3DFbsN-626Bo6ydM%3A%26ved%3D0CAUQjRw%26url%3Dhttp%253A%252F%252Falsature.wordpress.com%252F2012%252F10%252F31%252F19772%252F%26ei%3DK92AU6znMsSwPOXcgKgL%26bvm%3Dbv.67720277%2Cd.ZWU%26psig%3DAFQjCNFt4pTZJ2GdC4BexGuH6ZnAtqVqxA%26ust%3D1401040461740633&ei=K92AU6znMsSwPOXcgKgL&bvm=bv.67720277,d.ZWU&psig=AFQjCNFt4pTZJ2GdC4BexGuH6ZnAtqVqxA&ust=1401040461740633

ليبيا بين مطرقة الذات وسندان المصالح

ليبيات 35

1

تثبت الوقائع والحقائق، أن الإنسان عدو نفسه، وأن هذه العداوة تتناسب تناسباً طرديا مع مصلحته. وكنتيجة مباشرة، كما زادت عداوة الإنسان لنفسه، زادت عداوته للآخر، والسبب اتساع دائرة مصلحته الشخصية، والتي ستتقاطع ضرورة واضطراراً مع دائرة مصلحة الآخر. وطبقاً لدرجة عداوته لذاته، ستكون ردة فعل حمايته لدائرته.
وربما هذا الرأي -الشخصي- يفسر كيف يقوم إنسان، بقتل أخيه الإنسان؟، وفي الجانب الآخر، لماذا تركز الأديان على مسألة التسامح والتصالح مع الذات، وما الصلاوات إلا رحلة في النفس، والصوم مجاهدة لرغباتها، والزكاة مغالبة، والحج رحلة لله.

المحن والابتلاءات، تكشف الإنسان، وتضعه في مواجهة نفسه، ومقدرته على تجاوزها بتجاوز حواجزه الداخلية، أو وتقليص دائرته وقبول الآخر.

الليبي

2

في ليبيا، كشفت الأحداث -ما بعد ثورة 17 فبراير-، مقدار ما يحمله الليبي من عداوة لنفسه، ولا أعمم، إنما الغالب أو الظاهر في المشهد من حولنا، إن ثمة عداولة الليبي لنفسه، في أعلى مستوياتها، ودرجاتها، الأمر الذي إن لم يجعل البلاد تراوح في مكانها، أرجعها للخلف.

إذ وبكل وضوح، نلمس بشكل مباشر، اتساع دوائر المصالح الشخصية، وغزوها للدوائر الأخرى، وصار من السهل -كما نسمع ونعايش-، السلب والنهب والقتل، من أجل أن يدخل جزء من دائرة الآخر ضمن دائرته، وتمّلكه.

وفي عدم وجود مؤسسة لحماية القانون، وفي وجود السلاح، فإنه سيكون من الصعب على المجموعات المسلحة، التخلي عما وصلت إليه، بالرغم من شكلها الشرعية -المغتصب-، فدائرتة مصلحتها أكبر مما تتوقع، بالتالي فهي لن تتوانى في إطلاق الرصاص دفاعاً لكسب مساحات لدائرتها.

3

كنا نقول إن ليبيا -كبلد- تختلف عن مثيلاتها العربيات، وإنها وحدة واحدة، وأنها لن تكون يوماً كلبنان أو العراق، والسبب؛ أننا بلد/مجتمع إسلامي سني وسطي، لا طوائف ولا ملل ولا مذاهب.

لكن على الأرض، فإنه لا ضرورة للمذاهب أو الطوائف أو الملل، ولا حتى المذاهب، لنشوء مواجهات مسلحة بين المجموعات المسلحة، على أسس قبلية، ومناطقية، واعتقادي، وتكتليّة. وكلها دوائر تتسع بمقدار اتساع المصالح. ورأينا مقدار العداوة للذات، متمثلاً في قسوة المواجهات، واحتدام الصراع، واستحلال الحرمات.

4

إن واقعنا، يكشف وصولنا لدرجة عالية من عداوة الذات، الأمر الذي يتمثل بشكل صريح في عدم تعاطينا لمبدأ الحوار، أو التواطوء بغية الوصول لمنطقة وسط، فالمبدأ القائم الآن هو؛ إن لم تكن معي، فأنت ضدي!!!. وهندسياً، يعني هذا: خطان متوازيان، سوف لن يلتقيا، إلا لو غصبا.
*
حفظ الله ليبيا

أساطير ليبية

ليبيات 34

وما أدراك ما الناتو

ناتو

– غني.. النيتو مازال يضرب!!!
قالها ثم ترك المكان وغادر والكلمات تتزاحم عند فمه، مندفعة ومتزاحمة، فلا عاد يمكن فهم ما يقول.
المسالة التي تشغل المواطن الليبي –أو في طرابلس على أقل تقدير-، هي أصوات الانفجارات التي تسمع مساءاً وليلاً (رزمات قوية)، ولا يجد هذا المواطن –البسيط- في وسائل الإعلام، تفسيراً أو تعليقاً، يضعه على طريق المعرفة والحقيقة للاطمئنان، ليبحث عن ضالته في الشارع وما يتداول من أخبار وشائعات، أو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي. الأمر الذي يجعله جاهزاً لتصديق ما يصل أذنيه.
– تي وين عايش، أول آمس ضارب في درنة، وآمس صبراتة، وآهو اليوم في طريق المطار.

شن علمك الكذب

الساعدي القدافي

من المفترض، إن حكاية القادمون توقفت عن المضي في أحداثها، خاصة بعد وصول “الساعدي القدافي” ومن قبله “عبدالله منصور” إلى ليبيا. وما قدماه من معلومات. لكن صاحبنا مازال يصر:
– هاوينا قاعدين متمركيزن على حدود مصر والسودان.
– ….!!؟؟؟!!
– قالك، تي هادوا يدعم فيهم “أحمد قداف الدم” وجماعة الأزلام اللي قاعدين في مصر.
لكأن الحكاية إنما لتصنع حكاية جديدة، حتى لا يموت البطل، ويموت معه الأمل. والسؤال أي أمل؟

البعبع

د.محمود جبريل .. تحالف القوى الوطنية

د.محمود جبريل .. تحالف القوى الوطنية

تحدثت من قبل عن هذا الأمر، وها أنا أعيد الحديث عنه، لأنا كمجتمع بدائي الثقافي، مازلنا نؤمن بنظرية الظن، بأنه لا شيء يجري بدون أن يكون ثمة من يحركه مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة. وبالتالي فإن السيد “محمود جبريل” هو المسؤول عما يجري الآن في ليبيا، بذات مسؤولية الأزلام عما يحدث من عمليات تفجير وقتل.
إن الحديث بدرجة اليقين، لا يعطيك مجالاً للرد على تأكيدات الطرف الذي لا يتوقف عن سرد ما لديه من حقائق، عن تورط “جبريل” والكتائب التي تتبع حزبه (تحالف القوى الوطنية) في كل ما يحدث.
وأختم (لو صح أن ما يحدث في ليبيا وراءه السيد “د,محمود جبريل” فهذا يعني إن الرجل على قدر كبير من القوة المعنوية والمادية، مما يعني أنه الأصلح لإدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة، وإخراجها من بركة الوحل التي تتخبط فيها. فمثل هكذا عقلية سياسية تملك هذا القدر من الحنكة، من العيب علينا خسارتها لمصلحة عصبة ما؟؟!!.)

البنزينة

طوابير البنزين في طرابلس

– ياباشمهندس.. ممكن غدوة ماجيش، البنزينة تأشر!!!
– باهي اخطم عالشيل!!!
– هاهاها.. وين الشيل، تي طوابير الله عالشيلات، كانا تعرف شيل فاضي ومضمون قوللي، خللي نعبي.
– قصدك أزمة البنزينة ولت تاني؟
– قريب ليها يومين توه؟.
– وهو مافيش بنزبنه.
– لا.. في، لكن إنت عارف!!!. خوتك الليبيين يسمعوا هكي ولا هكي، طول عالبنزينة.
– باهي، المره هادي شنو سامعين؟
– طريق الزاوية مسكرة، وقالوا!!! ممكن بيقفوا ضخ البنزينة لطرابلس!!!.. قالوا آهه!!!

***

= عفواً يا باشمهندس
= تفضل
= قوللي تعرف ووين انحصلوا براميل؟
= براميل!!!… لا والله!!!
= غير مشكلة هالبنزينة بتهبلني، آمس قريب ضربوني على 5 ليترا، عبيتهم في بنقا.
= كيف؟؟؟!!!!
= أنا راسمالي هالتاكسي، ونسكن مطرف شوية، يعني بلا بنزينة حياتي توقف.
= …..
= قلت خللي ندور برميل ولا اتنين ونعبيهم بنزينه للطوارئ!!!
= وهناك من يدس قنبلة في حوشة؟
= المضر يا باشمهندس.

الطيارة

طائرة بدون طيار

– ما بطلتش زنان
– شن هيا!!؟؟
– الطيارة
– أما طيارة!!؟؟؟
– الطيرة بدون طيار بتاع الأمريكان
– وكيف عرفت؟؟؟
– ماتبيش عرف.. آهو صوتها، وراجي اشوي، توه تبان عليك، بيضا وفي جناوحها لون أسود.
– …… شكراً عالمعلومة.

اقتباس

الطايح مرفوع

ليبيات 33

(حارة كل مين أيدو إيلو)

عندما كنت أسمع هذه الجملة على لسان “غوار” أو “أبو عنتر”، لم أكن وقتها أعي المعنى الكامن وراءها، مراكز على طرافة “غوار” وفتوة “أبو العناتر”.

وكما هي الحكمة (المتغطي بالايام عريان)، فالوقت كفيل بكشف كل مستور، لتتجلى واضحة الصور المعتمة القديمة. لأكتشف إنا نعيش (حارة كل مين أيدو إيلو). حاولت البحث في تراثنا الشعبي –الليبي- عن مقابل لهذه التركيبة، لكني لم أجد، أو ربما ذائقتي لم تسعفني في ذلم، أو ربما لم يكن بحثي يسير على الطريق الصحيح. قد تكون ثمة تراكيب شعبية تقارب هذا المعنى، أو تتماس أو تتقاطع معه؛ من قبيل (الطايح مرفوع)، و(رزق حكومة ربي يدومه)، لكن بذات المعنى فلا، إلا وضعنا الحالي، فليبيا الآن؛ حارة كل ما تستطيع أن تطاله يدك فهو لك.

أما المعنى البعيد، وراء هذه الجملة، والتي اجتهد “غوار” و”أبوعنتر” و”أبو كلبشة” في طرحه، إن القانون وحده لا يمكنه التغيير، إنما الأخلاق والأعراف الاجتماعية هي السند، والداعم للقانون، ليكون المجتمع وحدة واحدة، وليعرف كل فرد فيه حدوده وحقوقه، فلا تمتد يده أبعد، ولا تهتك عينه ستر جاره.

الشاهد، هو ما يحدث من تعدي البعض (وأصبحوا كثير) على الأملاك العامة، والساحات وتحويلها إلى ملكيات خاصة، أو الانتفاع الخاص. أبسط هذه الصور هو التعدي على الأرصفة، واستغلالها والانتفاع بها للمصلحة الشخصية، كما يحدث بشكل كبير من قبل المقاهي، فبعد أن كانت تتمثل في وضع بعض الطاولات والكراسي، أصبحت حيازة في شكل سياج يطوق المنطقة المحيطة بالمقهى. هذا دون أن نغفل إن الكثير من المحلات تعمل إلى هذا لعرض بضائعها، دون الحديث لمن يحول الرصيف إلى مكان للبيع وكسب الرزق.

الطايح مرفوع 2الطايح مرفوع 3

صورة أخرى للتعدي، تتمثل في استغلال الساحات وبعض الحدائق والزوايا من الشوارع بالبناء أو بجلب مباني جاهزة. فبدون وجه حق، يقوم أحدم باستغلال مساحة فارغة في شارع أو ساحة أو حديثة لبناء مقهى أو وضع كشك، والحجة البحث عن الرزق. وليس ببعيد ما قام به الحرس البلدي من عملية هدم لثلاث مباني أقيمت على جانب الجسر الممتد من (شارع الصريم). وقد أخبرني أحد الأصدقاء، إنه في الساحة القريبة من الحي، فوجئ السكان بوجود (تريلا)، وبعد ثلاث أيام، ألحقت مظلة بهذه التريلا، ثم أيام وسياج يحيط بالتريلا والمظلة؛ كان صاحبا يتستر بالليل لتنفيذ هذه الأعمال، فاقتنصه الشباب في ليلة، وكان أحد سكان الحي –للأسف-، ومنعوه من الاستمرار، بعد ان تم تهديده.

الطايح مرفوع 1

مظهر آخر، وهو الاستيلاء على بعض المقار والعقارات، من قبل بعض المجموعات، فحتى وإن تم الزعم بأنها مقار بناها البعض سرقة، من قوت الليبيين خلال فترة حكم “القذافي”، فالمنطق يفترض عودتها للشعب، لا لمجموعة.

أما أبشع أنوع هذا الاعتداء، هو القضاء على المساحات الخضراء، والغابات، وتجريفها. فبدلا من العمل لتوسيع رقعة الغطاء الأخضر، للقضاء على زحف الرمال، ومحاربتها، تدفع شهوة المال الكثير للقطع أشجار الغابات، وتحويلها إلى أراض بغرض البناء، مستبدلين لون الخضرة، بالجماد الرمادي.

إن التحدي الحقيقي لنا، كشعب، هو تحدٍ لأنفسنا، والتفكير في المكاسب الشخصية، كفرد أو مجموعة، دون النظر للمصلحة العامة، الأمر الذي أدخلنا في دوامة المصالح الشخصية، فصارت البطن أهم من الوطن، والجيبُ هم. الأمر الذي أنهكنا واستنفذ طاقاتنا، مما عاد سلباً على البلاد والمجتمع، في تعطل الكثير من المشاريع، وتحولنا إلى مطمع للجماعات والتيارات لاستفادة من حالة عدم استقرار التي نعيشها، في تكوين نفسها والانتشار.

إن ليبيا على المحك، وهي أمانة بين أيدينا، وكلنا مسؤول عن هذه الأمانة، كل في مكانه وموقعه وعمله.

*

حفظ الله ليبيا